توقيت القاهرة المحلي 01:24:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المطبخ قلب الحدث

  مصر اليوم -

المطبخ قلب الحدث

بقلم - تمارا الرفاعي

]تخيلوا معى مساحة ضيقة جدا تسحب أفراد البيت جميعهم كالمغناطيس. تخيلوا بلاطة يقف عليها عدة أفراد يقوم كل منهم بمهام الصباح. متر مربع تنطلق منه طاقة العائلة مجتمعة. الآن وسعوا العدسة لتشمل المطبخ كله ثم اسألوا من فى الصورة لماذا اختاروا أن يتكدسوا هناك؟
• • •
المطبخ قلب البيت، على الأقل هو قلب كل البيوت التى عشت فيها سواء كطفلة أو مراهقة أو طالبة فى الجامعة أو فى بيوت كنت صاحبتها والآن أنا الأم فيها. فى المطبخ أقلب القصص على نار هادئة، أسمع حفيف الزيت حين يسخن وقبل أن أرش فوقه الثوم المدقوق على تفاصيل قصة تحكيها لى ابنتى. حين أضيف البهارات تكون هى فى مرحلة إضافة بهاراتها للقصة فأطلب منها ألا تبالغ. يلتصق زوجى بنا وهو يعد القهوة فوق عين النار الأصغر وأتأفف أنا وأسأله إن كانت القهوة ضرورية جدا فى هذه الثانية التى أركز فيها على بهارات الطبخ وبهارات قصة ابنتى.
• • •
هنا أيضا يقطع ابنى الأكبر لنفسه بعض الجبن ويتدخل فى قصة ابنتى ليسخر من طريقتها فى السرد وأنهره أنا قبل أن يلاحظ زوجى أننى أريدهما أن يتركا المكان إذ اجتاحا مساحتى مع ابنتى. وقتها يدخل ابنى الأوسط باحثا عن أى شىء يأكله فيفتح الخزانة عن يمينى ويسارى ويغلقهما ثم يفتحهما من جديد فأقول إنه لا جديد فى الخزانة منذ أن فتحها قبل دقيقة.
• • •
أخرج نفسى من الصورة فأراهم جميعا فى متر مربع واحد وكأنهم قطع من المعدن التصقوا بالأرض. المطبخ مركز الحياة والطاقة، المطبخ مركز السرد والقصص. هنا، فى هذا المطبخ وفى مطابخ كثيرة سبقته، تقام اجتماعات عامة أو مصغرة، حسب الموضوع، لمناقشة أمور يومية أو مصيرية. فى المطبخ تأخذ قصة حب عنوانا وتاريخ بداية، أليست البداية حين يتم الاعتراف أن فى القصة حبا؟ فى المطبخ أيضا يتغير مسار أسرة بأكملها حين ينتهى نقاش حول تغيير مهنى كبير عند الأب أو الأم سوف يؤثر على مكان إقامة العائلة. القرار سوف يتم طرحه حول وجبة الغداء وسوف يتأفف الأولاد من فكرة التغيير ثم سيقفون فى مطبخ جديد تستمر فيه القصص وينسجون غيرها وتدخل فيها تفاصيل مراحلهم الجديدة.
• • •
على خلفية رائحة الثوم وطرطقة الأوانى، تمر سنوات أطبخ فيها الأرز بالحليب مع بداية السنة لأن من سبقنى آمن بضرورة أن تبدأ كل سنة باللون الأبيض. خلال هذه السنوات قمت أيضا بغلى القهوة وتقديمها سادة دون سكر فى مناسبات حزينة متصلة بالفقدان كأن يموت شخص أو أتلقى خبرا عن تدهور صحة أحدهم فى بلد بعيد. هكذا إذا تتداخل الوجوه بالتوابل فى مطبخى، فأطبق وجها على الفلفل الحار إذ جاءت القصة حين كنت أضيف الفلفل على المحمرة. أما فلانة فهى كرائحة القرفة دافئة وسكرية. قصة المرض الذى أصابنى أربطه برائحة البابونج إذ شربته طوال فترة العلاج ولا أظن أننى سأشربه قط بعد أن تجاوزت الأزمة. الملوخية: رائحة سنوات عشتها فى القاهرة واستمعت فيها إلى أغانى روبى، نعم أتعرف أننى فى مطبخى فى القاهرة جلست ابنتى وهى فى سنواتها الأولى قربى وأنا أقلد صديقاتى فأشهق وأنا أضيف الثوم. ماء الزهر؟ دمشق، دون منافس. الزعتر؟ بيروت والمنقوشة فى الصباح من فرن فى الحى. هل للزيتون رائحة؟ نعم رائحة فلسطين وقصص أصدقائى عن قرى لم يروها إنما ينتمون إليها فصرت أعرفها أيضا من خلال حكاياتهم.
• • •
أظن أن لكل قصة رائحة حين نحكيها فى المطبخ. أنظر إلى أوانٍ صغيرة وضعت فيها التوابل على رف قرب الفرن وأستبدل كل اسم للبهار فى العلب باسم شخص أعرفه. تخيلوا معى أننى أرش مثلا بعض الـ«بسمة» وأطحن حبتى «حنان» وكمشة «معين» قبل أن أغرف بعض الـ«جولييت» ثم أضيف عود «هبة». استبدلت أسماء البهارات بأسماء الأشخاص ممن وقفوا هنا أو جاءت سيرتهم أو كانوا موضوع قصص سمعتها هنا، فى هذا المطبخ أو غيره لا يهم، فالمطبخ قلب الحدث، أى حدث، ومكان نسج القصص وفكها، مكان إضافة البهارات وحبة البركة.
• • •
هو مربع مغناطيسى يجذب الجميع ويصبح مركز الطاقة. هنا تبدأ القصص ولا تنتهى، فوق بلاطة دافئة عليها طبقات من الحكايات عن الناس والحب والموت والسفر والبلاد. مربع هو قلب البيت وقلب الحياة: كل شىء يحدث فى المطبخ. تخيلوا معى مصدر الطاقة فى حياتكم وأكثر مكان فيه حركة وأصوات وأغانٍ من راديو قديم على الرف: ما هو هذا المكان؟ المطبخ. هو قلب الحدث.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المطبخ قلب الحدث المطبخ قلب الحدث



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 18:07 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
  مصر اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 08:40 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو الخمس 29 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 07:53 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 02:48 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

النجمة حنان مطاوع تشارك في " نصيبي وقسمتك" الجزء الثاني

GMT 21:48 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

تعرف على أكثر 8 أماكن اتساخا في المنزل

GMT 06:33 2020 الخميس ,03 أيلول / سبتمبر

الإعلامي محمد الباز يرد على أكاذيب دعاء خليفة

GMT 11:32 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

شاكيرا تلغي حفلتها في فرنسا بسبب أزمة صحية

GMT 18:47 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

نيمار يخطط للعودة إلى برشلونة

GMT 12:55 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

أسعار اللحوم في مصر اليوم الخميس 6 أغسطس

GMT 21:03 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

أسعار الدواجن في مصر اليوم الأحد 26 يوليو
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt