توقيت القاهرة المحلي 08:23:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المطبخ قلب الحدث

  مصر اليوم -

المطبخ قلب الحدث

بقلم - تمارا الرفاعي

]تخيلوا معى مساحة ضيقة جدا تسحب أفراد البيت جميعهم كالمغناطيس. تخيلوا بلاطة يقف عليها عدة أفراد يقوم كل منهم بمهام الصباح. متر مربع تنطلق منه طاقة العائلة مجتمعة. الآن وسعوا العدسة لتشمل المطبخ كله ثم اسألوا من فى الصورة لماذا اختاروا أن يتكدسوا هناك؟
• • •
المطبخ قلب البيت، على الأقل هو قلب كل البيوت التى عشت فيها سواء كطفلة أو مراهقة أو طالبة فى الجامعة أو فى بيوت كنت صاحبتها والآن أنا الأم فيها. فى المطبخ أقلب القصص على نار هادئة، أسمع حفيف الزيت حين يسخن وقبل أن أرش فوقه الثوم المدقوق على تفاصيل قصة تحكيها لى ابنتى. حين أضيف البهارات تكون هى فى مرحلة إضافة بهاراتها للقصة فأطلب منها ألا تبالغ. يلتصق زوجى بنا وهو يعد القهوة فوق عين النار الأصغر وأتأفف أنا وأسأله إن كانت القهوة ضرورية جدا فى هذه الثانية التى أركز فيها على بهارات الطبخ وبهارات قصة ابنتى.
• • •
هنا أيضا يقطع ابنى الأكبر لنفسه بعض الجبن ويتدخل فى قصة ابنتى ليسخر من طريقتها فى السرد وأنهره أنا قبل أن يلاحظ زوجى أننى أريدهما أن يتركا المكان إذ اجتاحا مساحتى مع ابنتى. وقتها يدخل ابنى الأوسط باحثا عن أى شىء يأكله فيفتح الخزانة عن يمينى ويسارى ويغلقهما ثم يفتحهما من جديد فأقول إنه لا جديد فى الخزانة منذ أن فتحها قبل دقيقة.
• • •
أخرج نفسى من الصورة فأراهم جميعا فى متر مربع واحد وكأنهم قطع من المعدن التصقوا بالأرض. المطبخ مركز الحياة والطاقة، المطبخ مركز السرد والقصص. هنا، فى هذا المطبخ وفى مطابخ كثيرة سبقته، تقام اجتماعات عامة أو مصغرة، حسب الموضوع، لمناقشة أمور يومية أو مصيرية. فى المطبخ تأخذ قصة حب عنوانا وتاريخ بداية، أليست البداية حين يتم الاعتراف أن فى القصة حبا؟ فى المطبخ أيضا يتغير مسار أسرة بأكملها حين ينتهى نقاش حول تغيير مهنى كبير عند الأب أو الأم سوف يؤثر على مكان إقامة العائلة. القرار سوف يتم طرحه حول وجبة الغداء وسوف يتأفف الأولاد من فكرة التغيير ثم سيقفون فى مطبخ جديد تستمر فيه القصص وينسجون غيرها وتدخل فيها تفاصيل مراحلهم الجديدة.
• • •
على خلفية رائحة الثوم وطرطقة الأوانى، تمر سنوات أطبخ فيها الأرز بالحليب مع بداية السنة لأن من سبقنى آمن بضرورة أن تبدأ كل سنة باللون الأبيض. خلال هذه السنوات قمت أيضا بغلى القهوة وتقديمها سادة دون سكر فى مناسبات حزينة متصلة بالفقدان كأن يموت شخص أو أتلقى خبرا عن تدهور صحة أحدهم فى بلد بعيد. هكذا إذا تتداخل الوجوه بالتوابل فى مطبخى، فأطبق وجها على الفلفل الحار إذ جاءت القصة حين كنت أضيف الفلفل على المحمرة. أما فلانة فهى كرائحة القرفة دافئة وسكرية. قصة المرض الذى أصابنى أربطه برائحة البابونج إذ شربته طوال فترة العلاج ولا أظن أننى سأشربه قط بعد أن تجاوزت الأزمة. الملوخية: رائحة سنوات عشتها فى القاهرة واستمعت فيها إلى أغانى روبى، نعم أتعرف أننى فى مطبخى فى القاهرة جلست ابنتى وهى فى سنواتها الأولى قربى وأنا أقلد صديقاتى فأشهق وأنا أضيف الثوم. ماء الزهر؟ دمشق، دون منافس. الزعتر؟ بيروت والمنقوشة فى الصباح من فرن فى الحى. هل للزيتون رائحة؟ نعم رائحة فلسطين وقصص أصدقائى عن قرى لم يروها إنما ينتمون إليها فصرت أعرفها أيضا من خلال حكاياتهم.
• • •
أظن أن لكل قصة رائحة حين نحكيها فى المطبخ. أنظر إلى أوانٍ صغيرة وضعت فيها التوابل على رف قرب الفرن وأستبدل كل اسم للبهار فى العلب باسم شخص أعرفه. تخيلوا معى أننى أرش مثلا بعض الـ«بسمة» وأطحن حبتى «حنان» وكمشة «معين» قبل أن أغرف بعض الـ«جولييت» ثم أضيف عود «هبة». استبدلت أسماء البهارات بأسماء الأشخاص ممن وقفوا هنا أو جاءت سيرتهم أو كانوا موضوع قصص سمعتها هنا، فى هذا المطبخ أو غيره لا يهم، فالمطبخ قلب الحدث، أى حدث، ومكان نسج القصص وفكها، مكان إضافة البهارات وحبة البركة.
• • •
هو مربع مغناطيسى يجذب الجميع ويصبح مركز الطاقة. هنا تبدأ القصص ولا تنتهى، فوق بلاطة دافئة عليها طبقات من الحكايات عن الناس والحب والموت والسفر والبلاد. مربع هو قلب البيت وقلب الحياة: كل شىء يحدث فى المطبخ. تخيلوا معى مصدر الطاقة فى حياتكم وأكثر مكان فيه حركة وأصوات وأغانٍ من راديو قديم على الرف: ما هو هذا المكان؟ المطبخ. هو قلب الحدث.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المطبخ قلب الحدث المطبخ قلب الحدث



GMT 21:30 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

بعد 200 يوم.. حرب بلا رؤية

GMT 00:03 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

عند الأفق المسدود فى غزة!

GMT 08:35 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

من رأس البر!

GMT 00:03 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٦)

GMT 00:03 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

أمٌّ صنعت معجزة

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon