توقيت القاهرة المحلي 15:29:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التعامل مع صفقة القرن على طريقة شارون

  مصر اليوم -

التعامل مع صفقة القرن على طريقة شارون

بقلم - محمـد أبــوالفضـــل

الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة حاليا، تقول إنها عازمة علي طرح ما يسمي «صفقة القرن» للتوصل إلي تسوية سياسية تضمن الحفاظ علي مصالح إسرائيل.

ردود الأفعال العربية تؤكد أن التصورات الأولية عن الصفقة ظالمة، من الضروري ادخال تعديلات عليها تستجيب للحد الأدني للمطالب الفلسطينية، كي يتسني إيجاد فرصة لنجاح المبادرة التي ملأت الدنيا ضجيجا، وأفقدتها التسريبات الخاصة بها جانبا من بريقها السياسي.

الجولة التي قام بها جاريد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره السياسي، وجيبسون جرينبلات مبعوثه للشرق الأوسط، وقادتهما إلي مصر والسعودية والأردن الأسبوع الماضي، كشفت عن تصميم أمريكي لعرض الطبخة رسميا، وعكست رغبة في توفير أجواء عربية مناسبة، قد تعوض الرفض الفلسطيني لها.

الرسائل التي تلقاها كوشنير وجرينبلات وغيرهما، كانت واضحة. تتمسك بحل الدولتين وتشدد علي عدم التفريط في الثوابت الرئيسية اللازمة، بما فيها القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. وهي ملامح تبغضها إسرائيل، التي ربما تبدي استعدادا للتعامل مع الصفقة كحيلة سياسية جديدة وليست كمدخل للتسوية النهائية.

المشكلة أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية، تتعمد التركيز علي أن الطبخة تحظي بتفاهمات عربية كبيرة، للدرجة التي جعلت بعض الدوائر تمعن في تجاهل قيادة السلطة الفلسطينية، وتنذر بطرح الصفقة، بصرف النظر عن موافقة السلطة، لتوحي بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لديه من الثقة ما يمكنه من تنفيذ مبادرته.

الحاصل أن واشنطن تعرض طبخة وليس رؤية للتسوية، في وقت تبدو فيه ضعيفة سياسيا، ولا تستطيع تنفيذ أي مبادرة، مهما تبلغ درجة أهميتها، بمفردها ودون توفير درجة من الموافقة عليها من جانب قوي فاعلة في المنطقة.

الولايات المتحدة الآن تفتقد القدرة علي طرح إملاءات علي دول كثيرة. ربما كانت تمتلك هذه الموهبة سابقا، بحكم تعدد الإمكانات المعنوية وتنوع منطلقات القوة السياسية، وامتلاك أوراق كبيرة لممارسة أنواع عديدة من الضغوط. لكن حاليا تعيش في طور الانسحاب المخجل من مناطق النفوذ، ويظهر عليها الارتباك في ادارة كثير من الأزمات والصراعات. ولأنها تفتقر لكثير من مقومات التأثير فلن تتمكن من تمرير الصفقة بالطريقة التي تريدها.

كما أن واشنطن لم تعد المتحكم الوحيد في أوراق اللعب بمنطقة الشرق الأوسط، أو تستحوذ علي مفاتيح القضية الفلسطينية، وظهرت قوي موازية لها، يمكنها القيام بأدوار فاعلة تناهز الدور الأمريكي وربما تتفوق عليه، حيث تتعامل عمليا مع أزمات المنطقة وتراعي توازنات القوي المختلفة ولديها تقديرات واضحة للتسوية، ولا تتجاهل الوقائع علي الأرض والأدوات المطلوبة للحل.

لا أتحدث عن روسيا ومقارباتها الذكية في التعامل مع أزمات المنطقة، وفي مقدمتها سوريا، لكن هناك دولا أوروبية، مثل فرنسا وألمانيا، تحتفظ بمسافة عن الرؤية الأمريكية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، مما يمنح العرب هامشا جيدا لعدم الرضوخ لضغوط وابتزازات واشنطن.

لعل المصدات السياسية التي وجدتها واشنطن في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، بعد قرار نقل السفارة الأميريكية إلي القدس العام الماضي، تنطوي علي دلالات سلبية كاشفة لحجم الدور والتأثير في العالم.

هي إشارة بالغة وربما كافية ليدرك العرب عمق التغير في الوزن الأمريكي بالنسبة للقضية الفلسطينية. الأمر الذي جعل ترامب يتريث كثيرا في عرض الطبخة التي أعدها رفاقه. فهو يريد أن يتوافر لها الحد الأدني من القبول والغطاء العربي.

كما أن نبرات التهديد، تلميحا وتصريحا، من حين لآخر في الخطاب الأمريكي، لم تحقق أهدافها، وفشلت في تغيير مواقف دول عربية مختلفة. بعضها يجيد التعامل مع فنون المناورات السياسية والألاعيب الأمنية التي درجت علي استخدامها واشنطن لثنيها علي تبني موقف مناهض لسياستها. وتمكنت هذه الدول من إفشال بعض المخططات التخريبية التي أرادت الولايات المتحدة اشغالها بها لإجبارها علي قبول رؤيتها الغامضة. التطور السريع في التفاعلات الإقليمية، منح فرصة جيدة لدول كثيرة لتنويع العلاقات. كما أن الضعف الظاهر في تبني أمريكا سياسات مرتبكة حيال عدد من القضايا، قلل من رهانات بعض الدول عليها، ودفعهم إلي توثيق العلاقات مع قوي أخري لديها رؤي خلاقة وأكثر جدوي، وتريد أيضا التوصل إلي تسوية سياسية بها قدر من الانصاف للشعب الفلسطيني.

الراحل ارييل شارون رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، كان رافضا بصرامة لخطة خريطة الطريق عام 2003، وأطلق تصريحات تحمل تهديدات مباشرة بعدم السماح بطرحها أساسا، لكنه اضطر في النهاية للتعامل معها، وتمكن من تخريبها عمليا، حتي جري دفنها، ولم يعد أحد يتحدث عنها. وأُلقي اللوم وقتها علي الجانب الفلسطيني.

من قبله اسحق شامير، لعب الدور ذاته، عقب انطلاق مؤتمر مدريد في أكتوبر عام 1991. يومها قال الرجل إنه لو اضطر للتفاوض مع الفلسطينيين سنوات طويلة لن يتنازل عن شيء. وبالفعل مضي نحو 27 عاما علي كلام شامير ولم يحصل الفلسطينيون علي دولة مستقلة.

قد تكون السلطة الوطنية، المكسب الرئيسي لمؤتمر مدريد، لكن الخلافات الحركية بين القوي الفلسطينية، شوهت التجربة وجعلتها عبئا بدلا من أن تتحول إلي مكسب سياسي. وهو ما استفادت منه إسرائيل، وعوض قادتها ما تصوروا أنه خسارة ونجحوا في تصويب السهام نحو الانقسامات والحصار ومشاكل غزة وضغوط السلطة الفلسطينية علي سكان القطاع.

هكذا تاهت القضية الأم، وأضحت أزمة انسانية تستدر عطف المجتمع الدولي. ودخلت علي الخط قوي مختلفة، مثل قطر وتركيا، من باب تصفية الحسابات مع بعض الدول العربية. وجنت إسرائيل ثمار هذه التصرفات الحمقاء.

إذا كان ترامب أخذ كل هذا الوقت في التفكير وتهيئة الظروف ولم يحصل علي ما يريده، فمن المرجح أن يطرح مبادرته بطريقة فضفاضة لتكون مجرد عملية سياسية لإبراء الذمة. يجد فيها كل طرف مايريده. لذلك من الضروري عدم رفضها من حيث المبدأ قبل التعرف علي تفاصيلها. في هذه الحالة من المهم أن يأتي الرفض من خلال الرد علي البنود التي تضر بالمصالح الفلسطينية، علي طريقة شارون.

نقلًا عن الأهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التعامل مع صفقة القرن على طريقة شارون التعامل مع صفقة القرن على طريقة شارون



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 17:19 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا
  مصر اليوم - لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا

GMT 14:40 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يدرس تعيين جنرال أميركي لقيادة القوة الدولية في غزة
  مصر اليوم - ترامب يدرس تعيين جنرال أميركي لقيادة القوة الدولية في غزة

GMT 11:25 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

شمس البارودي تهاجم الشللية في الوسط الفني بسبب نجلها
  مصر اليوم - شمس البارودي تهاجم الشللية في الوسط الفني بسبب نجلها

GMT 06:13 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 02 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 04:43 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تدعم حظر الهواتف المحمولة في المدارس الابتدائية

GMT 02:17 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

فيسبوك تقضي على Zoom بعد إطلاق App Lock

GMT 19:18 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حريق محدود بـ كابل كهرباء في الطالبية بمحافظة الجيزة

GMT 17:32 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

22 لاعبًا في قائمة الزمالك لمواجهة الإسماعيلي في الدوري

GMT 14:01 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

مقتل 18 جندياً في باكستان على يد مسلحين

GMT 10:28 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

إنفانتينو يقرب السعودية من تنظيم كأس العالم 2034

GMT 20:45 2022 السبت ,04 حزيران / يونيو

انطلاق كأس العالم للرماية الأحد المقبل

GMT 23:18 2021 الأربعاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

أبرز 5 سيارات كورية طرحت في السوق المصري لعام 2021

GMT 09:05 2021 الأربعاء ,10 آذار/ مارس

طريقة عمل الروستو

GMT 10:12 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

والدة طفلة التعرية ترفع قضية إثبات نسب جديدة

GMT 06:22 2020 الجمعة ,02 تشرين الأول / أكتوبر

السيسى يصدق على تعديل بعض أحكام قانون السجل التجارى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt