توقيت القاهرة المحلي 01:26:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ترامب يبحث عن «مقاولة» للبقاء فى سوريا

  مصر اليوم -

ترامب يبحث عن «مقاولة» للبقاء فى سوريا

بقلم : د.محمد السعيد إدريس

 كما توقعنا، أحدثت تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى أوهايو الخميس (29/3/2018) التى أعلن فيها عزمه على سحب القوات الأمريكية من سوريا «فى وقت قريب جدًّا» إرباكًا شديدًا فى أركان الإدارة الأمريكية وخاصة مجلس الأمن القومى ووزارتى الدفاع والخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه)، الأمر الذى فرض عقد اجتماع سريع لقادة هذه المؤسسات حضره الرئيس الأمريكي، كما فرض على ترامب التراجع عن عزمه سحب القوات الأمريكية من سوريا. كانت مشكلة قادة الإدارة الأمريكية هى البحث عن غطاء لتبرير قرار التراجع وعدم الإفصاح عن الأسباب والدوافع الحقيقية التى جعلت ترامب يتراجع عن حماسه الذى عبر عنه فى أوهايو بسحب القوات الأمريكية من سوريا.

البيان التوضيحى الصادر عن اجتماع أركان الإدارة الأمريكية مع الرئيس الأمريكى تضمن هذا «الغطاء» كما عرضته سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض للصحفيين، وكان محوره أن «المهمة الأمريكية فى سوريا لم تنته بعد»، والمهمة المقصودة هنا هى «الهزيمة الكاملة، لتنظيم (داعش)». فقد عاد البيت الأبيض ليركز، ربما للمرة الألف، على «شماعة داعش» لتبرير التدخل والوجود الأمريكى فى سوريا. وفى محاولة لتخفيف وقع «الأكذوبة» حيث كان الرئيس الأمريكى قد أعلن الانتصار على «داعش»، منذ أكثر من شهرين، جاء بيان البيت الأبيض ليتحدث عن «وجود صغير» للتنظيم الإرهابي، ويرجع قرار التراجع عن سحب القوات لهذا السبب على نحو ما حاولت سارة ساندرز أن تبرر عندما قالت إن «الهدف هو حتمًا هزيمة داعش، وما أن يتحقق هذا الأمر بالكامل - وقد أحرزنا تقدمًا كبيرًا على هذا الصعيد- وما أن تزول الحاجة إلى وجود قوات هناك ويصبح بمقدورنا نقل المسئوليات إلى القوات المحلية، عندها يمكن سحب القوات».

تفاصيل البيان تكشف عن «ركاكة» شديدة فى صياغته كما تكشف عن حالة غير مسبوقة من الارتباك فرضت نفسها على البيت الأبيض لإخفاء المبررات والدوافع الحقيقية لقرار التراجع كما عبرت عنها التعليقات المنقولة عن كل من الجنرال مايك بومبيو وزير الخارجية، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والجنرال جيمس ماتيس وزير الدفاع، وأيضًا الرئيس دونالد ترامب. فقد نصح بومبيو بشدة بعدم الانسحاب السريع من سوريا، واتفق معه وزير الدفاع جيمس ماتيس وغيره من كبار المسئولين الذين أكدوا أن الانسحاب الكامل من سوريا «يعنى المغامرة بخسارة المكاسب التى حققتها الولايات المتحدة فى قتال داعش».

وإذا كان جيمس ماتيس قد أوضح أن البنتاجون (وزارة الدفاع) يعمل على خفض القوات الأمريكية فى سوريا، وأنه سيواصل القيام بذلك فى محاولة لتبييض وجه الرئيس ترامب، وإظهار التزام الإدارة بقراراته، فإن ترامب لم يستطع إخفاء أسباب عزمه على الانسحاب من سوريا، ولا دوافع تراجعه عن هذا القرار. كان الواضح تمامًا أن ترامب يبحث عن «مقاولة» جديدة فى سوريا. فهو باعتباره رجل صفقات لا يقبل التمييز بين عالم المقاولات وعالم السياسة كان يريد البحث عن ممول» ليس فقط لدفع تكاليف بقاء القوات الأمريكية ولكن أيضاً لجنى المكاسب المأمولة»، لذلك أبدى موافقته المبدئية فى الاجتماع على إبقاء القوات الأمريكية فى سوريا لفترة أطول على أن تقوم دول أخرى بالمنطقة بالمساعدة فى ضمان هزيمة «داعش» وتمويل برامج إعادة الإعمار.

الأمر المؤكد أن تراجع ترامب عن قراره بسحب القوات جاء بعد الحصول على وعود موثوقة ومغرية بالتزامات من جانب أطراف بالمنطقة لها مصلحة فى الإبقاء على القوات الأمريكية فى سوريا، لتمويل عملية بقاء تلك القوات حيث كشفت مصادر إعلامية عن أن الرئيس تحدث مع زعماء فى المنطقة لحثهم على المساهمة بمبلغ 4 مليارات دولار لإعادة الإعمار فى سوريا. هذه المعلومات تفرض إعادة طرح سؤال مهم له علاقة بقرار ترامب أو إعلان عزمه على سحب قواته من سوريا وهو: هل كان ترامب يناور بهذا الإعلان منذ البداية للحصول على «مقاولة» تمويل بقاء القوات الأمريكية فى سوريا، أم كان جادًّا فى عزمه الانسحاب دون اعتبار للحسابات الاستراتيجية؟. لو تذكرنا الجزء الثانى من تصريحات ترامب فى أوهايو التى أعلن فيها عزمه على سحب القوات الأمريكية من سوريا لتأكدنا أنه كان يناور ولم يكن جادًّا، وأنه كان يريد ترهيب أصدقائه فى المنطقة بإعلان نيته الانسحاب ويتركهم لإيران و»حزب الله» وبشار الأسد فى سوريا، فقد تحدث ترامب فى أوهايو أيضًا عن الـ 7 تريليونات دولار التى أنفقتها بلاده على الشرق الأوسط دون أن تحقق مكاسب، ما يعنى أنه كان يبحث عن المكاسب قبل كل شيء، وأنه عاد إلى النهج الأمريكى التقليدى باختلاق الفزَّاعات لترهيب الأصدقاء وترويعهم لإجبارهم على «الدفع» وهذا النهج سبق أن فضحه آرييل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق عندما قرر أن يتمرد على الأمريكيين ويطالبهم بدفع «فارق الفاتورة». فقد اعتادت الولايات المتحدة منذ عدوان يونيو 1967 على توظيف إسرائيل كـ«فزَّاعة» للعرب، كانت تشجع الإسرائيليين على العدوان، وكان العرب يتجهون إليها طلبًا لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، وكانت هى تحصل دائمًا على الثمن الباهظ لهذا الدور. شارون الذى اكتشف ضخامة الفاتورة التى تحصل عليها أمريكا بعد كل عدوان إسرائيلى على العرب تمرد على واشنطن وطالب بأن تحصل إسرائيل على نصيب أكبر من الصفقات. وامتد النهج الأمريكى بخلق الأعداء للعرب لإجبارهم على الدفع النقدى وشراء صفقات السلاح، لم تعد إسرائيل وحدها، بل الإرهاب، وأخيرًا إيران وهذا ما أغرى ترامب على أن يتمادى فى ابتزاز من لهم مصلحة فى التصدى لإيران فى سوريا.

وإذا كان ترامب قد اقتنع بالمقاولة الجديدة التى سيحصل عليها جراء إبقاء قواته فى سوريا لمنع التمدد الإيراني، فإن أركان الإدارة الأمريكية كانت لهم أسباب أخري، شديدة الأهمية بالطبع، للضغط على ترامب للتراجع، حيث كانت أعين قادة الإدارة موجهة صوب العاصمة التركية أنقرة ومتابعة نتائج القمة الثلاثية بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا، ومخاطر تشكُّل حلف استراتيجى إقليمى جديد بين هذه الدول، ومرجح أن يضم مستقبلًا كلًّا من العراق وسوريا، الأمر الذى يمثل تحديًا استراتيجيا يصعب التهوين من خطورته بالنسبة للولايات المتحدة. هذا التحالف يعتبر مبررًا كافيًا للإبقاء على الوجود العسكرى الأمريكى فى سوريا لإفشاله، فهل سيقدر الأمريكيون؟.

هذا هو السؤال المهم ليس بالنسبة للأمريكيين فقط بل وبالنسبة للقمة العربية التى ستُعقد بعد أيام فى العاصمة السعودية.
نقلاً عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب يبحث عن «مقاولة» للبقاء فى سوريا ترامب يبحث عن «مقاولة» للبقاء فى سوريا



GMT 01:26 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

صلاح السعدني صالَح الحياة والموت

GMT 02:56 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«حماس» 67

GMT 02:50 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نهاية مقولة «امسك فلول»

GMT 02:30 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الإعلام البديل والحرب الثقافية

GMT 02:26 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«الدارك ويب» ودارك غيب!

GMT 16:02 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
  مصر اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 13:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

أفكار بسيطة لتصميمات تراس تزيد مساحة منزلك

GMT 00:00 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

مدرب الوليد يُحذِّر من التركيز على ميسي فقط

GMT 12:26 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

تدريبات بسيطة تساعدك على تنشيط ذاكرتك وحمايتها

GMT 20:58 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

مؤشر بورصة تونس يغلق التعاملات على تراجع

GMT 16:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"اتحاد الكرة" يعتمد لائحة شئون اللاعبين الجديدة الثلاثاء

GMT 15:16 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة "الكهرباء" تستعرض خطط التطوير في صعيد مصر

GMT 19:26 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أمن الجيزة يكشف عن تفاصيل ذبح شاب داخل شقته في منطقة إمبابة

GMT 22:47 2018 الجمعة ,31 آب / أغسطس

أمير شاهين يكشف عن الحب الوحيد في حياته

GMT 00:49 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

أيتن عامر تنشر مجموعة صور من كواليس " بيكيا"

GMT 04:18 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

اندلاع حريق هائل في نادي "كهرباء طلخا"

GMT 22:56 2018 السبت ,02 حزيران / يونيو

فريق المقاصة يعلن التعاقد مع هداف الأسيوطي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon