توقيت القاهرة المحلي 08:24:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إصلاح العراق فى مواجهة المجهول

  مصر اليوم -

إصلاح العراق فى مواجهة المجهول

بقلم - حسن أبوطالب

خشية من الانزلاق لحرب أهلية، قرر السيد مقتدى الصدر إلغاء المظاهرات التى دعا إليها السبت المقبل إلى أجل غير مسمى. وهى المظاهرات التى كان يفترض أن تدعم رؤيته لإصلاح العراق وإزالة الطبقة الفاسدة وإقرار الانتخابات المبكرة. وكان الإطار التنسيقى الذى يضم الأحزاب السياسية الموالية لإيران، وأبرزها ائتلاف دولة القانون بزعامة نورى المالكى، وتحالف الفتح بزعامة هادى العامرى وتحالف النصر بزعامة حيدر العبادى وهيئة «الحشد الشعبى» برئاسة فالح الفياض، التى تطرح رؤية مغايرة تدعى الحفاظ على الدولة ومؤسساتها، ومفادها ضرورة عقد البرلمان أولاً، وتشكيل حكومة يرأسها محمد السودانى المُقرب من رئيس الوزراء الأسبق نورى المالكى، ثم بعد ذلك النظر فى موضوع الدعوة إلى انتخابات مبكرة.

الدعوات إلى التظاهر والتظاهر المضاد تلخص مسارين رئيسيين فى العراق: أولهما مسار الأزمة تلو الأزمة، وذلك دون أفق قابل للتطبيق يُحدث انفراجات سياسية حقيقية، يُبنى عليها تنقية البلاد من مسببات الأزمة، وأبرزها المحاصصة الطائفية، وتغلغل الفساد والنفوذ الإيرانى الممتد، والسطو على مقدرات وموارد الدولة. أما المسار الثانى فهو اللجوء إلى الشارع وتجاوز المؤسسات والقواعد الحاكمة وفقاً للدستور وفرض الإرادة السياسية. وكلا المسارين يجسد عمق أزمة المؤسسات، لا سيما البرلمان والقضاء، فضلاً عن الألغام القائمة فى الدستور التى تتيح تفسيرات متناقضة للحالة ذاتها، وفقاً لرؤية القضاة الشخصية، وفقدان الأمل لدى المواطنين فى تحسّن الأوضاع، والأهم غلبة القيادات الكاريزمية الشيعية ذات الخلفية الدينية فى توجيه الأحداث دون وضوح مجمل الرؤية الداعية لتعبئة المواطنين فى الشارع وتعطيل عمل المؤسسات.

المساران معاً يدفعان العراق إلى حالة من الجمود السياسى، ويكشفان حدود بناء ديمقراطية دون الإيمان بضوابطها المؤسسية والأخلاقية والمعنوية والقانونية، وهو ما يطرح أسئلة عديدة حول كيفية الخروج من الأزمة الراهنة، ومصير دعوات الإصلاح المؤسسى فى ظل إخفاق المؤسسات القائمة وعدم قدرتها على أداء مهامها.

والحقيقة أن دعوة السيد مقتدى الصدر إلى الإصلاح الشامل ليست مرفوضة فى حد ذاتها، وهناك تيارات سياسية وإن كانت أقل تأثيراً فى المنظومة السياسية القائمة، مثل الحزب الشيوعى العراقى وأحزاب سنية، ومجموعة الحراك المدنى العراقى التى لعبت دوراً مهماً فى احتجاجات العالم 2019، وجميعها تؤيد دعوة الإصلاح الشامل من حيث المبدأ، وتؤيد الانتخابات المبكرة، ولكنها تتحفظ على مواقف سابقة للتيار الصدرى، أبدى فيها دعمه لمبادئ الإصلاح ومواجهة الفساد، ولكنه تراجع عنها بعد أن حصل على بعض المنافع السياسية ومناصب لشخصيات محسوبة على تياره فى البرلمان وفى الحكومة، وبعض هؤلاء متورطون فى فساد اعترف به علناً مقتدى الصدر فى خطبة النجف التى دعا فيها إلى التظاهر من أجل الإصلاح وحل البرلمان. ويجسد هذا التشكك فى مدى صلابة موقف التيار الصدرى للإصلاح الشامل قدراً من التردد فى مؤازرة الفكرة بقوة وقدراً من الحذر فى مساندة أنصار التيار الصدرى واعتصامهم فى البرلمان.

ويضاف إلى ذلك أنه لا توجد رؤية موثّقة من قبل زعيم التيار الصدرى حول المطلوب من أجل الإصلاح المؤسسى والدستورى والخطوات القانونية التى سيتم اتباعها، وكيفية تغيير بعض مبادئ الدستور التى تثير إشكاليات عملية كثيرة وتتسبب فى المزيد من الأزمات السياسية. وما يزيد من التباعد السياسى والفكرى أن التيارات المدنية لا تشارك فى حوارات جادة مع التيار الصدرى لتحديد ملامح خطة الإصلاح المنشود.

التحفظات السابقة قد تفيد شكلاً الإطار التنسيقى، ولكنها عملياً لا تضيف إلى رصيده الشعبى شيئاً، لا سيما أن داخل هذا التيار فروقات كبرى حول الخطوات المقبلة. فبينما يصر نورى المالكى على تشكيل حكومة باعتبار أن مجمل أحزاب التيار تشكل أغلبية فى البرلمان، يؤيد تحالف النصر وتحالف الفتح مبدأ الانتخابات المبكرة، وترى أن الحوار مسألة ضرورية مع التيار الصدرى لمنع تفجر الأوضاع داخل الكتلة الشيعية. ويلاحظ هنا أن محاولة هادى العامرى، زعيم تيار الفتح، فتح قنوات اتصال مع الأحزاب السنية والحزبين الكرديين الكبيرين الديمقراطى الكردستانى والاتحاد الوطنى الكردستانى، لغرض إقناعهما بعقد البرلمان وتشكيل حكومة وانتخاب رئيس جمهورية من الأكراد، قد باءت بالفشل، ما يضعف الدعوة إلى أولوية تشكيل حكومة فى ظل هذه البيئة المتوترة القابلة للانفجار والمواجهات الشعبية المسلحة.

وتبدو مخارج الأزمة من الناحية القانونية مسدودة تماماً، ووفقاً لمجلس القضاء الأعلى أنه ليس من حقه أن يحل البرلمان. وكانت المحكمة التمييزية قد قدمت تفسيرات مبتدعة حول تعريف الكتلة الكبرى التى يحق لها تشكيل الحكومة بأنها الكتلة الكبرى فى البرلمان وليست الأكبر من حيث عدد النواب وتفويض الناخبين، ما أضاع حق التيار الصدرى الفائز الأكبر فى الانتخابات الماضية فى تشكيل حكومة أغلبية وفقاً للمبادئ الديمقراطية السليمة، كما قدمت تعريفاً لما أسمته بالثلث المعطل. وكلا التعريفين المبتدعين منحا حقوقاً غير مشروعة أخلاقياً أو سياسياً لأحزاب الإطار التنسيقى، رغم حصولها على عدد أقل من المقاعد النيابية، لكى تشكل الحكومة، الأمر الذى اعترض عليه التيار الصدرى وانسحب من البرلمان وأدخل البلاد فى أزمة الإصلاح الهيكلى والدستورى.

دستورياً لا يحل البرلمان إلا نفسه، أو من خلال طلب من رئيس الوزراء يوافق عليه رئيس الجمهورية. ومن الناحية الواقعية فإن حكومة مصطفى الكاظمى لتصريف الأعمال ليس من حقها أن تطلب حل البرلمان، وهو أصلاً غير منعقد، كما أن رئيس الجمهورية الحالى برهم صالح قد انقضت مدته، وليست له صلاحية حل البرلمان منفرداً. وفى انتظار اختيار رئيس جديد للعراق إذا توافق على ذلك الحزبان الكرديان الكبيران، وهو توافق لم يحدث حتى اللحظة.

الأزمة الراهنة ليست كالأزمات السابقة، فهى خليط من تعقيدات دستورية وقانونية وخلافات وصراعات كبرى فى البيت الشيعى الأكبر، وبدع قانونية غير مسبوقة، ومؤسسات معطلة وحكومة ذات صلاحيات محدودة، وأحزاب سنية ومن ورائها قبائل وعشائر مختلفة تقف موقف المنتظر دون حركة، وتدخلات إيرانية وتركية مُعلنة وغير مُعلنة، ما يجعل الجمود السياسى اختياراً حتمياً لعام على الأقل إن لم يمتد إلى عدة سنوات. وفى حال غيرت بعض القيادات فى الإطار التنسيقى الموالى لإيران مواقفها من دعوة الصدر للانتخابات المبكرة، وتحديد خطوات عملية لإنهاء هذا الجمود، فلن يقل المدى الزمنى المطلوب للبدء فى عملية الانتخابات المبكرة عن ستة أشهر، وفى كل الأحوال ليس هناك ضمان فى أن يحترم المتنافسون نتائج تلك الانتخابات إن جرت بالفعل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إصلاح العراق فى مواجهة المجهول إصلاح العراق فى مواجهة المجهول



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt