توقيت القاهرة المحلي 13:17:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفلسطينيون والخيارات الصعبة

  مصر اليوم -

الفلسطينيون والخيارات الصعبة

بقلم : د. حسن أبوطالب

بينما تتعثر عملية المصالحة الفلسطينية يتخذ الرئيس ترامب عدة خطوات تضرب فى الصميم القضية الفلسطينية وتحصرها فى إطار ضيق جدا لا علاقة له بمفهوم الحقوق القومية المشروعة لأى شعب فى العالم.

بدأ الأمر بالاعتراف الامريكى بالقدس عاصمة لإسرائيل رغم أنها أرض متنازع عليها ومحل تفاوض، ثم جاءت خطوة سحب التمويل الامريكى المقدر بمائتين وخمسين مليون دولار للوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الاونروا، واعتبار المستوطنات الاسرائيليية فى الضفة مشروعة، وأخيرا إغلاق مقر منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن، بما يعنى قطع الاتصالات مع ممثل الشعب الفلسطينى فى أرجاء العالم المختلفة.

حدث ذلك فى ظل تكرار الحديث عن خطط أمريكية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين فى البلدان التى يعيشون فيها كلبنان وسوريا والأردن والعراق وغيرهم، وقصر عددهم على أقل من نصف مليون لاجئ، غالبيتهم العظمى فى عداد المتوفين.

تكمن خطورة الخطوات الأمريكية فى مدلولاتها السياسية والفعلية والرمزية، وجميعها تصب فى إعاة تعريف القضية الفلسطينية باعتبارها مجرد حقوق إنسانية ومدنية لمجموعات من السكان فى الأراضى التى تحتلها إسرائيل وتُعد من وجهة النظر الأمريكية أراضى إسرائيلية غير خاضعة للتفاوض، وبالتالى إنهاء مبدأ الدولة الفلسطينية كجزء من حل تاريخى شامل.

وثانيا ضرب وحدة الشعب الفلسطينى من خلال محاصرة منظمة التحرير الفلسطينية، واعتبارها كيانا لا يرمز إلى شيء ولا يمثل شعبا يسعى الى حقوقه القومية.

وثالثا خفض القيمة السياسية والرمزية للسلطة الوطنية برئاسة الرئيس محمود عباس من سلطة ترمز إلى مشروع دولة قيد البناء إلى درجة التمثيل البلدى لمجموعات سكانية متناثرة دون تواصل جغرافي.

تزداد خطورة قرارات ترامب فى ضوء ما هو معروف عن الانحياز الأمريكى المطلق للاحتلال الإسرائيلي، وتوظيف كل نفوذ الدولة الأمريكية للضغط على مختلف الدول للتماهى مع هذه السياسة.

فحين قرر الرئيس ترامب نقل السفارة الأمريكية الى القدس دعا باقى دول العالم لكى تفعل الشيء ذاته، وحين قرر سحب التمويل المخصص للاونروا ضغط على الدول المانحة الأخرى لكى توقف مساعداتها. صحيح أن كثيرا من الدول لم تساير الخطوات الأمريكية، والبعض عبر عن رفضه السلوك الأمريكى من خلال استعداده للاستمرار فى تقديم الدعم الإنسانى للأونروا والبعض الآخر رفع حجم الدعم، وما زالت غالبية دول العالم تعتبر القدس موضوعا لم يُحسم بعد ومجالا للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما يمكن أن يعبر عن نوع من الرفض المهذب، لكنه إجمالا لا يوفر أرضية دولية صلبة لإجهاض ما يسعى إليه الرئيس ترامب ومن ورائه رئيس الوزراء الاسرائيلى نيتانياهو لتصفية القضية الفلسطينية، وحصرها فى إطار امتيازات بلدية للسكان تحت الاحتلال.

لقد مر الفلسطينيون عبر تاريخهم الحديث بمراحل عديدة حملت الكثير من الضغوط والاحباطات والانتكاسات، وحملت أيضا بعض الانتصارات السياسية والرمزية، لكن التعقيدات والتشابكات لم تتوقف أبدا، وما كان واقعا بالأمس صار خيالا، وما كان حلما يقترب تحقيقه بات أقرب إلى السراب.

مما يجعل القضية الفلسطينية فى مهب الريح ليس فقط الانحياز الأمريكى الفج، بل أيضا الانقسامات الفلسطينية التى تزداد يوما بعد يوم.

وكلاهما يجعل الخيارات المتاحة محدودة وكل منها أكثر صعوبة من الآخر. نشير الى أربعة خيارات نظرية، أولها أن تقطع منظمة التحرير الفلسطينية علاقاتها مع الولايات المتحدة كإجراء سياسى رمزى ردا على إغلاق مقر المنطمة فى واشنطن.

وهو ما يتطلب أولا تفعيل آليات المنظمة وإعادة هيكلتها بما يحقق لها تمثيل كل الاتجاهات والمنظمات الفلسطينية، ومن ثم يكون قرار قطع العلاقات مع واشنطن تجسيدا لمطلب فلسطينى عام.

والمعضلة الرئيسية لهذا الخيار أن السلطة الوطنية ستكون ملزمة بعدم الاتصال مع الجانب الأمريكى مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما سيضع السلطة فى مأزق حقيقي، فبالرغم من كل الضغوط الأمريكية الراهنة، ووضعا فى الاعتبار النفوذ الأمريكى الدولي، ستظل هناك حاجة ملحة لوجود قنوات اتصال مع الإدارة الأمريكية سواء الحالية أو المستقبلية.

وقد يخفف من وطأة الأمر أن يكون قرار منظمة التحرير مقصورا على تجميد الاتصالات مع الجانب الأمريكى فى الوقت الراهن، وليس قطع العلاقات والتى ستحقق هدفا أمريكيا إسرائيليا غاليا، مع تحديد شروط لمعاودة تلك الاتصالات مثل العودة عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإعادة تمويل الأونروا ومفاوضات جادة لتحقيق حل الدولتين وهكذا.

على أن تبُقى السلطة الوطنية بعض خطوط الاتصال مع الادارة الأمريكية. وبالتالى تظل هناك مساحة حركة للسلطة ربما تسهم فى تخفيف حدة الضغوط الأمريكية لاحقا.

الخيار الثانى لا يقل صعوبة يتمثل فى تعليق الاعتراف بإسرائيل، وبالتالى العودة الى ما كان الوضع عليه قبل اتفاقيات أوسلو التى مر عليها الآن 25 عاما، مع ربط العودة عن هذا القرار بإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، والتى يكون من التزاماتها لاحقا الاعتراف المتبادل مع إسرائيل.

معضلة هذا القرار أن تعليق الاعتراف بإسرائيل سيؤثر على وضع السلطة، وسوف يمنح تل أبيب رصيدا إضافيا للزعم بأن الفلسطينيين يريدون تدمير الدولة اليهودية.

ولما كانت قدرات الفلسطينيين ومن ورائهم العرب على مواجهة المزاعم والادعاءات الإسرائيلية الممزوجة بالانحيازات الغربية والأمريكية محدودة، فالمرجح أن تزداد المواقف المناهضة لهذا القرار الفلسطينى بما يزيد من الضغوط والتراجعات.

الخيار الثالث ذو وضع قانوني، يأخذ شكل إعلان دولة فلسطين تحت الاحتلال وتحديد حدودها وعاصمتها وعلمها ورموزها السياسية والقانونية المختلفة، وأن يصدر القرار من منظمة التحرير الفلسطينية وليس من السلطة الفلسطينية والتى سيكون عليها الالتزام بالقرار.

يتطلب هذا الموقف بحثا قانونيا مستفيضا ومشاورات دولية واسعة ترتبط بالحصول على موافقات وتعهدات موثوقة بأن يتم الاعتراف الدولى الموسع بهذه الخطوة، واتخاذ خطوات عملية لترسيخها، وليس مجرد إشادات بلا مضمون فعلي.

الخيار الرابع يتمثل فى إعلان نهاية حل الدولتين والبدء فى مسيرة الدولة الواحدة ذات القوميتين، مع الإدراك الكامل بأنه خيار مملوء بالعقبات والمشكلات التى لا تقل ضراوة عن حل الدولتين.

وأيا كان الخيار الذى سيقرره الفلسطينيون، فإن شرطه الأول والأخير ألا يكون قرارا لفصيل أو حزب بعينه، وأن يعبر عن الجموع الفلسطينية، ومن ثم نعود مرة أخرى إلى أولوية الوحدة الفلسطينية والمصالحة الشاملة.

نقلًا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفلسطينيون والخيارات الصعبة الفلسطينيون والخيارات الصعبة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 03:09 2021 الجمعة ,26 آذار/ مارس

طريقة عمل السلمون بالزبدة

GMT 23:17 2020 الأحد ,20 أيلول / سبتمبر

البورصة العراقية تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 01:33 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

"غوغل" تعلن عن 100 ألف منحة دراسية تعادل الشهادات الجامعية

GMT 10:57 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

3 طرق سريعة لتسليك مواسير مطبخك

GMT 10:22 2020 الأربعاء ,11 آذار/ مارس

قرار عاجل من محافظة القاهرة بسبب كورونا

GMT 02:06 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

أب يغتصب طفلته لمدة 4 أعوام في البرازيل

GMT 00:28 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

تخلص من اسمرار البشرة بمكونات طبيعية

GMT 22:30 2019 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

مؤشر الأسهم البريطانية يغلق على ارتفاع الاثنين

GMT 14:23 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

مصر تتسلح لـ"أمم أفريقيا" بـ23 لاعبًا بينهم 7 محترفين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon