توقيت القاهرة المحلي 13:55:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الطريق نحو فزان والجنوب الليبي

  مصر اليوم -

الطريق نحو فزان والجنوب الليبي

بقلم - جبريل العبيدي

لعل من قرأ مذكرات سفاح ليبيا رودولفو غراتسياني، قائد القوات الإيطالية في أفريقيا، قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، وأحد مجرمي الحرب المسؤولين عن مصرع آلاف من الإثيوبيين والليبيين المدنيين؛ المذكرات التي كتبها بنفسه تحت عنواني «نحو فزان» و«برقة المهدأة» سيعرف أهمية الجنوب الليبي، شرقاً وغرباً، الذي دفع جنرالاً مثل غراتسياني إلى المغامرة بجيش حديث، ويُنزل الدبابة لأول مرة في الصحراء، فالجنوب الليبي الغني بالثروات يعتبر منجماً خصباً لم يستثمر بعد، دفع بالعديد من الأطراف، المحلية والدولية، إلى التدخل فيه قديماً لبسط النفوذ والسيطرة، كمغامرة غراتسياني التي انتهت بالفشل عندما واجه رجالاً أشداء لا يثني عزائمهم لهيب الصحراء الحارقة، من أمثال المجاهد سليمان بومطاري، الذي طلب غراتسياني أن يأتوه برأسه، كعادته في جمع الرؤوس؛ عادة سبق فيها «داعش». كما واجه جيش غراتسياني الشيخ سيف النصر الذي وصفه غراتسياني بأنه «كان دائم الثورة والتمرد على كل حكومة إيطالية»، حتى احترق جيش غراتسياني وولى أدباره تائهاً في الصحراء الليبية.
فالجنوب الليبي، عقب إسقاط الدولة، حاولت جماعات وعصابات، بل ودول، تسهيل نهب الثروات، من ذهب ويورانيوم وفوسفات ونفط، واستخدام الجنوب منطلقاً للهجرة غير القانونية، بل ومأوى للمتمردين من دول الجوار، ليتحولوا إلى جنود، حسب الطلب، عند «داعش» وأخواته، مستغلة في ذلك حالة الفراغ الحكومي والصراع المشتعل في الشمال...
الجنوب الليبي، الذي يعاني من انعدام الأمن وصعوبة العيش منذ زمن، والغارق في حالة إظلام تام لانعدام الكهرباء ومصادر الطاقة كالبنزين، رغم أنه القابع فوق بحيرة النفط والماء، وانعدام الخدمات الصحية، نظراً لفرار الأطقم الطبية الأجنبية، التي كانت عرضة للخطف والابتزاز من العصابات واللصوص.
الجنوب الليبي في الحقيقة، ورغم الظروف الخارجية التي فرضت عليه، إلا أن واقعه يعاني نزاعاً قبلياً متجدداً، ومتعدد الأسباب والدوافع، يعبر عن إرث هائل من الفوضى وغياب الدولة والفراغ، ما جعله في حالة صراع دائم بين قبائل التبو والطوارق والعرب، التي في أغلبها صراعات سياسية، وليست قبلية، يتم الاحتكام فيها إلى السلاح لتحقيق المغالبة والاستقواء بالمناصرين، ولو كانوا من خارج الحدود، نظراً لأن أغلب السكان المحليين من قبائل التبو والطوارق، لهم امتدادات قبلية في دول الجوار مثل تشاد والنيجر.
الجنوب الليبي معبر الهجرة غير القانونية، بسبب صعوبة مراقبة الحدود الممتدة لآلاف الكيلومترات في أعماق الصحراء، التي تتشارك فيها ليبيا مع أربع دول، بعضها لا يشارك ولا يبذل أي مجهود في كبح حدوده، بل هناك من يتساهل مع المهربين، مثل السودان زمن البشير، بدخول عناصر «داعش» الهاربة من سوريا والعراق، عبر السودان، بتمويل قطري، إلى الجنوب الليبي.
الجنوب الليبي، الذي يعاني في الأصل من صراعات قبلية تسببت فيها الولاءات السياسية، التي لعبت دوراً كبيراً في تعميق وتفكيك النسيج الاجتماعي بين السكان، وأذكت النعرات القبلية والإثنية، الأمر الذي يحاول النظام القطري استغلاله، للعبث بالنسيج الديموغرافي الليبي، فسعى النظام القطري إلى العبث في التركيبة السكانية لزعزعة الأمن الديموغرافي، وضرب السلم المجتمعي، حيث عمل النظام القطري على إذكاء الاحتراب والتخندق الإثني من خلال تصدير الفوضى وضخ الأموال والسلاح لتغذية الصراع القبلي المفتعل، خصوصاً بعد الصراع الأخير في بلدة مرزق بالجنوب، حيث عبرت البعثة الأممية في ليبيا عن قلقها إزاء «استمرار أعمال العنف بين المجتمعات المحلية في مرزق».
أزمة الجنوب تعتبر مفتاح الحل في الشمال، لكون الفوضى فيه سيكون لها تأثير على الشمال الليبي والجنوب الأوروبي، خصوصاً بعد أن حذر المبعوث الأممي غسان سلامة، من أن ثمة عناصر من المرتزقة الأجانب توجد في ليبيا، لذلك يعتبر التحرك العسكري لسحقها خطوة مهمة لتحقيق الاستقرار وإعادة سلطة الدولة على الجنوب المستباح.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطريق نحو فزان والجنوب الليبي الطريق نحو فزان والجنوب الليبي



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:22 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

اتحاد الكرة يرفض دفع مستحقات فتح الله المتأخرة

GMT 06:38 2016 الجمعة ,26 شباط / فبراير

انجي المقدم تكشف أحداث دورها في مسلسل "سقوط حر"

GMT 09:27 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

تونس تسترد قطعا أثرية نقدية من النرويج

GMT 01:00 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

441 مليون دولار صادرات بترولية مصرية مطلع 2021

GMT 04:02 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

GMT 22:11 2021 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل الرواني باحترافية

GMT 19:43 2021 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

يوفنتوس الإيطالي يقترب من أولى صفقاته الشتوية

GMT 08:56 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

أوزيل يقترب من الانضمام لـ دي سي يونايتد الأمريكي

GMT 15:47 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

حقيقة ظهور حالات إنفلونزا الطيور في محافظات مصر

GMT 06:57 2020 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

تشير الأوضاع الفلكية الى انشغالات عديدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon