توقيت القاهرة المحلي 20:39:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا... ديمومة الخلاف الدستوري

  مصر اليوم -

ليبيا ديمومة الخلاف الدستوري

بقلم - جبريل العبيدي

هل ستنجح اجتماعات القاهرة في إذابة الجليد وإيجاد توافق غير عقيم بين مجلسي النواب والدولة؟ وذلك من أجل التمهيد لاستكمال باقي الاستحقاقات، ومنها الاستفتاء على القاعدة الدستورية، والاحتكام للقاعدة الناخبة، لأن إنجاز القاعدة الدستورية يشكل الخطوة الأهم في الخلاف الدستوري، بعد أن أصحبت ليبيا دولة مؤجلة القيام، لتستمر الأجسام المنتهية الشرعية (مجلسا النواب والدولة) في الحكم والسلطة والتصرف بالمال العام بلا أدنى متطلبات التوافق على الشرعية السياسية والقانونية، ولتستمر الفوضى، في ظل غياب الثقة بين الأطراف جميعها، ما يعد المغذي الحقيقي للأزمة، ومن ثم العودة للاحتكام بصناديق الذخيرة والرصاص، بدلاً من الاحتكام بصناديق الانتخابات.
في ليبيا، الدولة المؤجلة، تم تغييب منصب الرئيس، وتأجيل التوافق على الدستور، وتأجيل الانتخابات لنحو 10 سنين، وهذه جميعها لصالح الشرعية المنتهية، أي مجلسي النواب والدولة، اللذين يتنازعان حكم ليبيا، تارة بحكومة واحدة، وتارة بحكومتين في دولة واحدة.
أزمة ليبيا تبدو كما لو أنها غرقت فيما يعرف بـ«مستنقع كيسنجر»، وذلك بصراع الفرعيات وتفتيت الأزمة وترحيل الحل من مكان لآخر، فلجنة صياغة الدستور عملت نحو 10 سنوات من دون أن تنجز مسوّدة يتم التوافق عليها، ولا مجلسا النواب والدولة استطاعا إنتاج مسودة دستور يمكن ضمان القبول بها ضمن استفتاء عام. أيضاً المسودة المعيبة التي أنتجتها الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور كانت ملأى بالعيوب التي لا يمكن تمريرها للاستفتاء، إذ إنها لم تتطرق لنوع الحكم في ليبيا، أملكي أو رئاسي أو برلماني أو مختلط وهجين، بل تجاهلت المسودة هوية الدولة الليبية، كونها عربية أفريقية، وأسقطت كونها عربية، في سابقة تاريخية لم تحدث في دستور الاتحاد عام 1951 الذي نص صراحة على عربية الدولة.
مسودة الدستور تجاهلت كثيراً من الحقوق الشخصية، وباب الحريات، ما جعل كثيرين يرون فيها مسودة ديكتاتورية بغلاف ثيوقراطي، حاول أعضاء جماعة «الإخوان» في اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور تمريرها بخداع الأعضاء الستين الباقين.
دستور ليبيا في عام 1951 كان أساس عملهم هو التوافق بين جميع مكونات الأمة الليبية، ولهذا قدموا عقداً اجتماعياً قابلاً للحياة والتعايش وحققوا السلم المجتمعي لسنوات، فالدستور هو في الأصل عقد اجتماعي يكتب بالتوافق بين الجميع وليس بالمغالبة، وإلا لن يمر ولن يحقق السلم المجتمعي، وسيكون منطلقاً لحرب أهلية، إن تم بالمغالبة وتجاهل حق الآخرين.
في الختام، يبقى سؤال مهم، يراود كثيرين من النشطاء والمحللين السياسيين للأزمة الليبية؛ هل الخلاف الدستوري حقيقي أم مختلق، لأسباب البقاء والتمديد والتعايش على خلافات الأزمة؟ خاصة أن المستفيدين من استمرار الأزمة وديمومة الصراع هما مجلسا النواب والدولة، وبالتالي في استمرار خلافهما استمرار لبقائهما في السلطة. ولهذا لا بد من إيجاد آلية للتخلص من هيمنة الجسمين المنتهيين شرعياً منذ سنوات للخروج من حالة الانسداد السياسي في ليبيا.
الخلاف الدستوري في ليبيا جزء منه خلاف بين من يؤمن بالدولة الوطنية، وجغرافيا محددة للوطن، ضمن هوية عربية واضحة، وبين من لا يؤمن بجغرافيا ولا حدود للوطن، وله مشروع ينتمي لمشروع «خلافة» المرشد من خارج الحدود، وبالتالي لا يمكن إيجاد قاعدة توافق بين الطرفين في ظل وجود أطراف أخرى ترى أن ليبيا مجرد كيان صنعته جغرافيا استعمارية في عهد موسوليني جمعت 3 أقاليم (طرابلس وبرقة وفزان) ضمن زواج «قسري» وفق تعبير البعض، لتحكمه مركزية طرابلس، وأصحاب هذه الرؤية يسوقون مبرراتهم، التي جزء منها واقعي ملموس، وهو التهميش الذي أوجد حالة من الشعور بالغبن والظلم بسبب المركزية الظالمة، حتى في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية.
الخلاف الدستوري بوجود نفس الشخوص والكيانين (النواب والدولة) سيستمر ولن ينتهي، لأن الخلاف هو إكسير الحياة لبقائهما في السلطة، ما لم تعمل سلطة ثالثة، كالمجلس الأعلى للقضاء، على إنهاء حقبة التمديد اللامنتهي لمجلسي النواب والدولة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا ديمومة الخلاف الدستوري ليبيا ديمومة الخلاف الدستوري



GMT 02:45 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

القصور تكتظ بهنَّ

GMT 02:41 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

طمأنينة الحج وفسوق السياسة

GMT 02:37 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

أحلام كسرى وفلتات الوعي

GMT 02:33 2024 الأحد ,16 حزيران / يونيو

مأساة السودان وثقافة إنكار النزاع الأهلي

بلقيس تتألق في صيحة الجمبسوت وتخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 14:34 2024 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

نصائح لتنسيق إكسسوارات عيد الأضحى بكل أناقة
  مصر اليوم - نصائح لتنسيق إكسسوارات عيد الأضحى بكل أناقة

GMT 10:40 2024 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

منصة "إكس" تمنح المشتركين ميزة التحليلات المتقدمة
  مصر اليوم - منصة إكس تمنح المشتركين ميزة التحليلات المتقدمة

GMT 15:59 2022 الأربعاء ,27 تموز / يوليو

وعكة صحية تصيب حسام حسن بعد خسارة المصري

GMT 13:36 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

"رابيد تيست" في أسوان قبل 48 ساعة من مواجهة الإسماعيلي

GMT 05:56 2020 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

ستيك اللحم بصوص العسل

GMT 07:23 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

اكتشاف مادة كيميائية تُعالج اضطراب الرغبة الجنسية

GMT 14:48 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

رسالة حب وطمأنينة من شعوب العالم لمصر في كتاب

GMT 18:55 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

"المهن الموسيقية" تتحرى عن مطربة كليب "بص أمك"

GMT 03:29 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أسعار العملات العربية في البنوك المصرية الإثنين

GMT 22:18 2015 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

توقيف عاملين يسلخون حمارًا على الطريق الدائري في الفيوم

GMT 18:36 2014 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة حوريّة فرغلي تلعب دور البطولة في "ساحرة الجنوب"

GMT 23:05 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة إعداد فطيرة البيض بالجبن و البندورة

GMT 20:56 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

خالد فاروق يعترف بقتل أطفاله الثلاثة وإصابة زوجته في المنيا

GMT 00:01 2022 الخميس ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الاتحاد السكندري يصرف للاعبين مكافآت أول 6 نقاط في الدوري

GMT 13:16 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

إطلالات راقية للفنانة نوال الزغبي باللون الأبيض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon