توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا تخلفنا؟

  مصر اليوم -

لماذا تخلفنا

بقلم - مأمون فندي

هناك نظريات كثيرة تحاول تفسير تخلفنا عن الأمم بعضها ثقافي في المقام الأول. وربما كان أهمها نظرية المرحوم هشام شرابي عن المجتمع الأبويpatriarchal society وفِي هذا الكتاب عزا شرابي أسباب التخلف في العالم العربي إلى سيادة القيم الأبوية، التي انعكست على النظام الاجتماعي والسياسي لتصل بِنَا إلى حالة الـpatrimonial society أو مجتمع الكفيل، والمجتمع الذي تكون فيه الدولة أو النظام، الحكم كله كما الأب في المنزل حاكماً ومعطلاً للمبادرات الفردية خالقاً حالة من الانسداد الاجتماعي والسياسي.
وكان هشام شرابي يرى أن ذكوريّة المجتمع العربي هي بنية كامنة ولا بد من تفكيكها لفتح مسار آخر تتحرر فيه المرأة وننتقل إلى المجتمع الحديث.
كنت مع هشام شرابي قبل وفاته بعام تقريباً في مطعم في جورج تاون وكنا زملاء في الجامعة ذاتها لمدة ستة أعوام، حينها ولما جلسنا في المطعم نظر حوله ووجد سيدة وبناتها يتناولن طعام الغداء ولا رجل معهن، كما أن أحداً من الرجال في المطعم لم يزعجهن بنظرة أو تعليق رغم أن الأم وبناتها اللاتي كن طالبات بالجامعة على قدرٍ عالٍ من الحسن. نظر إلي شرابي وقال: «تعرف أن العالم العربي بدأ في التحسن عندما ترى امرأة وبناتها يتناولن الغداء في مطعم في القاهرة أو عمان دونما إزعاج ذكوري».
كان شرابي من مدرسة ما بعد البنيوية في تحليله للمجتمعات من منظور ثقافي أنثروبولوجي، رغم أن هشام شرابي لم يكن أستاذاً للأنثروبولوجيا بل كان أستاذاً للتاريخ الأوروبي الحديث. وأعتقد أن دراسته للتاريخ الفلسفي لأوروبا هو الذي جعله يستفيد من منهجية ليفي شتراوس وما بعدها إلى ميشيل فوكو وجاك داريدا وآخرين وتطبيقها على الحالة العربية والتي أوصلته إلى محاولة تفسير تخلف المجتمع العربي كنتيجة للبنية والنسق الأبوي الحاكم للمجتمعات العربية، التي لا حل لها من دون تحرير المرأة وتفكيك البنية الأبوية للمجتمع.
أما النظرية الثانية التي حاولت أن تشرح أسباب التخلف السياسي العربي وأزمته فكانت من نصيب زميل آخر وهو الدكتور مايكل هادسون، الذي كان يرى أن أزمة الأنظمة العربية وعدم قدرتها على الدفع بالتنمية إلى عجز في الشرعية. والدكتور هادسون من مدرسة التنمية الكلاسيكية والتي كان من أعمدتها سيدني فيربا وجبرائيل ألموند وآخرهم صامويل هنتينغتون والذي اشتهر بصراع الحضارات رغم أهميته الكبرى كعالم من علماء التنمية في العالم الثالث. المهم أن عجز الشرعية الذي تناوله هادسون ما زال مهماً وربما كان أحد أسباب الانهيار فيما عرف بالربيع العربي. ما زال سؤال شرعية أنظمة الحكم والقبول بين الحاكم والمحكوم سبباً أساسياً في التململ والإضراب السياسي الحادث الآن. ومع ذلك يبقى سؤال الشرعية وحده ليس كافياً للإجابة عن سؤال لماذا تخلفنا؟ النظريات التي تربط تخلف الشرق عموماً والعرب خصوصاً بالدين قديمة، وطرح السؤال في مجلة المنار في ثلاثينات القرن الماضي من قبل شكيب أرسلان في كتابه الشهير «لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟»، والذي رأى فيه أن الجمود في تفسير الدين هو سبب رئيسي في تخلف المسلمين عن غيرهم، واستمر معنا هذا السؤال بصيغ مختلفة آخرها كانت نظرية دوستو محاولة الإجابة عن ظهور الرأسمالية في الغرب المسيحي وغيابها في غيرها من الثقافات؟ ومن قبل أيضاً طرح طه حسين سؤال التخلف كنتيجة لتخلف الثقافة في كتابه المعروف «مستقبل الثقافة في مصر». وكلها في معظمها نظريات أساسها البعد الثقافي كأساس لتخلف العالم العربي وأن التعليم كعماد للثقافة هو العلة الأولى.
لو كنت طالباً لدرجة للدكتوراه، وما أكثر طلابنا الذين يدعون البحث عن نيل هذه الدرجة العلمية لناقشت هذه المقاربات باستفاضة بهدف التنظير لأسباب أخرى لتخلفنا، ولكن بما أن البحث العلمي كارثي في بلداننا فلن تجد إلا قشوراً للحديث عن أسباب التخلف لا تعدو كونها ترقى لتكون «بوست» على الـ«فيسبوك» أو «تويتر». لماذا تخلفنا؟ سؤال كبير يحتاج إلى جهد جماعي وفِي ثقافة أخرى غير ثقافة الـ«فيسبوك» أو التلفزيون. وللحديث بقية.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا تخلفنا لماذا تخلفنا



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt