توقيت القاهرة المحلي 11:19:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً»

  مصر اليوم -

جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً»

بقلم: مأمون فندي

جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» هي عكس فكرة الرأي المغاير (dissenting opinion) التي طرحتُها في مقال سابق، فبينما تكون مساحة الرأي المغاير طريقاً لتصحيح أخطاء الرأي الواحد، نجد أن جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» لا توافق وتدعم الرأي الأوحد فحسب بل «تعلّي عليه»، أي تبالغ في تأييده والإتيان بأدلة أكثر بلاغة فيقتبس من حاشية لابن خالويه تارةً ومن ابن المقفع تارةً أخرى ومن جرير ومن البحتري وأبي تمام، وشهادات من الأندلس وملوك الطوائف، بعضها له سند ومعظمها بلا سند، يلهث في مضمار ما يعرف من الشِّعر وغير الشِّعر ليؤيد رأياً عجز البرهان العقلي عن أن يجعل منه الرأي الأكثر صواباً. هذا النوع من المبالغة في التشجيع والتطبيل هو ما يجعل الكارثة مضاعَفة نتيجة للتطبيل الذي يأتي بعكس النتائج المرجوّة في كثير من الأحيان.
أقرب مثل لجماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً»، في تسويق للسياسات، هو ما تفوّه به المذيع المصري تامر أمين عندما أهان أهالي الصعيد مجتمعين في محاولة منه للترويج لسياسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحديثه عن أزمة تزايد السكان في مصر كتحدٍّ وطني.
فبدلاً من أن يسوّق المذيعُ سياسات الرئيس ويقنع بها جمهوره، ضربها في مقتل عندما قال إن الصعايدة ينجبون ويرسلون بناتهم للخدمة في البيوت في القاهرة. وقصة «خدمة البنات في البيوت» أمر أقرب إلى المستحيل في الثقافة الصعيدية لمن يعرف أوّليات تلك الثقافة. والصعيد الذي يمتد من محافظة الجيزة جنوب القاهرة حتى أبو سمبل وحدود مصر مع السودان هو ما كان يُعرف بمصر العليا والتي كانت دولة مستقلة حتى وحَّد الفرعون مينا أو نارمر القطرين منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف عام. ومع ذلك بقي الصعيد حضارة وثقافة مختلفة إلى يومنا هذا. هذا الاختلاف الثقافي لم يتبلور إلى هوية سياسية إلا في حالات نادرة في التاريخ المصري، ومع ذلك فيه من الاختلاف ما يجعل بذرة الهوية المستقلة قابلة للنمو، وهذا النوع من إثارة النعرات وردود الفعل عليها هو الماء الذي يسقي هذه البذرة، وهو كفيل ببلورة الهوية الصعيدية ونقلها من الحالة الثقافية إلى الحالة السياسية التي تسبب شرخاً له تبعات كبرى على استقرار بلد بحجم مصر. ومن هنا قد تتسبب ممارسات جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» بغباء في محاولة الزيادة في التطبيل الذي يحوّل السياسات من مسار إلى مسار ويأتي بعكس ما كانت تهدف إليه، ليدخلنا في كارثة وطنية. ولا أظن أن ذلك ما كان يقصده الرئيس عندما طرح مشكلة التزايد السكاني.
الرئيس المصري كان يقصد أن تحدي زيادة السكان بالنسبة إلى التنمية في مصر أمر يحب النظر فيه بجدية. ولكن من روّجوا له من جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» كادوا يحرقون الوطن، فإذا كان المصريون يخشون تفكك النسيج الاجتماعي في مسألة علاقة الأقباط بالمسلمين في مصر، فكارثة الدفع بالهوية الصعيدية لها عواقب أضعافاً مضاعفة.
جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» هي جماعة مستعجلة على التصفيق والتطبيل، جماعة لا تتذوق الأفكار أو تُعمل العقل ومفرغة من حساسيات اجتماعية وسياسية، فهي جماعة لا تتوقف كثيراً عند تبعات ما تصفّق له، أو تردده، لا على مستوى إيذاء الأقليات الدينية أو العِرقية أو على مستوى إهانة المرأة. وهذه الظاهرة ليست مصرية بل أدعي أنها تمتد إلى العالم العربي كله، ولذلك أكتب عنها هنا ليتأمل كل منّا الكوارث التي تتسبب فيها جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» في وطنه.
جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» تختلف عن جماعة «مع الخيل يا شقرا» التي تمثل الانجراف مع الرأي السائد، وهي جماعة أقل خطراً ووطأة، وهما غير جماعة الرأي المغاير الذي أشرت إليه في المقال السابق الذي يؤكد أهمية العقلية النقدية ووجودها في المجتمع لتصحيح المسار... وبرأيي إن أخطرها على مستقبل مجتمعاتنا هو جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً»... جماعة التصفيق المبالَغ فيه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً» جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً»



GMT 02:02 2024 الأربعاء ,29 أيار / مايو

المكالمة الأخيرة

GMT 01:59 2024 الأربعاء ,29 أيار / مايو

«مصيدة أليسون» والعاصفة الكونية المتجمعة

GMT 01:56 2024 الأربعاء ,29 أيار / مايو

فلسطين في انتخابات البريطانيين

GMT 01:53 2024 الأربعاء ,29 أيار / مايو

الحذر... إلا مصر

GMT 15:45 2024 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

الكشف عن سبب استغناء برشلونة المفاجئ عن تشافي
  مصر اليوم - الكشف عن سبب استغناء برشلونة المفاجئ عن تشافي

GMT 19:40 2024 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

"يوتيوب" يحذف حساب وزارة الخارجية الإيرانية
  مصر اليوم - يوتيوب يحذف حساب وزارة الخارجية الإيرانية

GMT 21:35 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

مونشنجلادباخ مصدوم من تعليقات جماهيره العنصرية

GMT 01:12 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

محمد هنيدي يكشف عن سبب عدم حضوره جنازة حسن حسني

GMT 10:29 2020 الأربعاء ,26 شباط / فبراير

إيهود باراك يمدح حسني مبارك ويصفه بـ"الفرعون"

GMT 22:53 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أول ظهور لـ والدة وخالة النجمة زينة

GMT 17:59 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

مصرع عروسين إثر تسريب غاز منزلي في بني سويف

GMT 18:33 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ديانج يغيب عن مران الأهلي في ملعب التتش للإصابة

GMT 11:17 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

هنادي مهنا وجميلة عوض ومي الغيطي مراهقات في «بنات ثانوي»

GMT 02:15 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالة جريئة لكنزي عمرو دياب في أحدث ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon