توقيت القاهرة المحلي 13:52:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إجازة صيفية في الزمن

  مصر اليوم -

إجازة صيفية في الزمن

بقلم: مأمون فندي

معظم أصدقائي يسافرون في الصيف مكانياً إلى الجنوب الفرنسي، أو الجنوب الإسباني، أو الإيطالي، ولكنني قررت السفر هذا الصيف، في الزمن، إلى بغداد في القرنين التاسع والعاشر الميلادي، وما بعدهما بقليل، سفر في المساحة الفكرية الممتدة من عصر أبو يوسف بن إسحاق الكندي (ولد 805 ميلادية ومات 875) وسيادة الهندسة والحساب لشرح علاقة اللاهوت والناسوت ومجمل الكون، أي علاقة الروح بالجسد وبالعالم، إلى زمن أبي نصر محمد الفارابي (ولد في 874 للميلاد ومات 950) وسطوة المنطق الأرسطي وعلوم اللغويات لشرح ذات العلاقات المعقدة، رحلة ذهنية نقدية، لا رحلة ماضوية كرحلات الإسلامويين، في الزمن، مركزها مكتبة «بيت الحكمة»، ذلك الكنز الفكري للبحث والتأليف والتفكير التي لا يضاهيها في العصر الحديث سوى «جامعة كالتيك» في كاليفورنيا و«إم آي تي» في بوسطن. كان الهدف من تلك الرحلة الصيفية الزمانية هي التعرف على عصور التنوير في ثقافة تآكلت، والخصائص التي ميزت تلك الحقبة، وهل يمكن لنا تحديد ملامح في ثقافتنا الحالية يمكن أن تكون بذرة لانطلاقة حضارية مشابهة أو قريبة من بغداد المأمون، ربما هذا يساعدنا في الإجابة على سؤال مفاده لماذا وصلنا إلى هنا؟ هل لأن الإسلامويين في صحوتهم تجنبوا التعرف على ثلاثة قرون من العصر العباسي مثلاً؟ ولماذا تجنبوا عصور التنوير الإسلامية؟ وهذا سؤال كبير يحتاج إلى مقالات مستقلة. وهل يمكننا الوصول إلى شيء أشبه بما كان هناك؟ دائماً ما كان الإنسان مشغولاً بفكرة الترحال في الزمن، ونحن في منطقتنا العربية متميزون في ذلك، سافر الكثير منا إلى عصر الخلافة الإسلامية حتى عصور الانحطاط، ولم يتوقفوا عند محطات الكندي والفارابي، وأنا لا أريد السفر إلى الماضي للبقاء فيه، كما فعل الإسلاميون من قبل، ولكن بهدف الوصول إلى حالة الانفلات في الزمن، والقدرة على الحركة إلى الوراء وإلى الأمام، أي الفكاك الذي يسمح بالذهاب إلى الماضي بهدف العودة إلى المستقبل، وليس إلى الحاضر فقط.
الهندسة والرياضيات وعلوم المنطق واللغويات هي سبيلنا إلى ذلك.
أساسي في تلك الفترة من العصر العباسي هو تلك الرغبة الملحة في المعرفة، ولم يكن هذا توجه العلماء فحسب، بل كان أيضاً توجه الخليفة الذي سمح بمجال واسع لحرية التفكير، أيضاً كان أساسياً في تلك الفترة انفتاح المسلمين وقدرتهم على الإجابة على أسئلة غير المسلمين حول أسئلة اللاهوت المختلفة، فكان الكندي يبحث عن مكان الدين في فلسفة أرسطو، فكتب كتاباً بعنوان «لاهوت أرسطو»، الفكرة كانت المواءمة ما بين الفلسفة والدين، وما بين العلم والدين، وبجرأة غير مسبوقة، أو حتى لاحقة. في تلك الفترة كان الفيلسوف العربي الكندي، ومن حوله، يتمتعون بثقة حضارية، على عكس ما نراه اليوم من حضارة وثقافة خائفة ومترددة، لا تعرف من هي أولاً لكي تبدأ رحلتها في معرفة الآخر، ذلك ما اصطلح عليه العوام بعيونهم الصافية، وأطلقوا عليه «عقدة الخواجة»، بينما لم يتردد الخواجة في القرون الوسطى في ترجمة الكندي والفارابي وابن سينا وغيرهم.
أعتقد أن كثيرين منا حاولوا رحلة الحركة في الزمن للتعرف على عصور التنوير الإسلامية، وحزن كثيراً على حريق مكتبة بغداد، وأخرج يوسف شاهين فيلماً عن ابن رشد عندما واجهت التيارات الإسلامية دولة مبارك في مصر، ولكن هذا النوع من البحث عن النقاط المضيئة في لحظات الأزمة ما يلبث أن يختفي إذ لم تتبنَ دولة مبارك قيم التنوير، بل رأت فيه وقوداً لحربها مع المسافرين في ماضٍ آخر.
الرحلة في الزمن تتطلب رغبة حقيقية في نقد الذات أولاً، ومحاولة التعرف على نقائص زماننا، ليس من أجل بناء مجتمع أفضل فقط، بل ومن أجل سياسة أفضل وثقافة أفضل.
الترحال في الزمان الإسلامي أمر مثير وممتع، ولكن بتلك العصور ظلمات يجب أن نتجاوز عنها. في السفر المكاني أسافر بحقيبة واحدة، وأشتري ما أحتاج في الطريق، وفي العودة أترك ما يزيد عنها في الفندق، وكذلك في السفر الزماني أيضاً، أسافر خفيفاً، فلا أتوقف لتحميل بضاعة من عصور الظلام، فقط أصاحب أناساً من نوعية الكندي والفارابي والرازي، أما غيرهم ممن يحسبون على تاريخ الإسلام في عصور الظلام، فلا صداقة تربطني بهم، ولا أسافر معهم، لا في رحلة الصيف، ولا رحلة الشتاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إجازة صيفية في الزمن إجازة صيفية في الزمن



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:36 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

ميسي يتحدث عن "العامل الحاسم" في اعتزاله
  مصر اليوم - ميسي يتحدث عن العامل الحاسم في اعتزاله

GMT 02:02 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

الملكي يتقدم 1-0 قبل نهاية الشوط الأول ضد ألكويانو

GMT 10:15 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

للمرة الثانية أسبوع الموضة في لندن على الإنترنت كلياً

GMT 14:16 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

الحكم في طعن مرتضى منصور على حل مجلس الزمالك

GMT 09:20 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

طريقة لتبييض الأسنان ولإزالة الجير دون الذهاب للطبيب

GMT 08:52 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري اليوم السبت

GMT 02:02 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

مصر على أتم الاستعداد لمواجهة أى موجة ثانية لفيروس كورونا

GMT 09:09 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسني يؤكد لو تم علاج ترامب في مصر لكان شفائه أسرع

GMT 14:47 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

أستون فيلا يعلن عن تعاقده مع أغلى صفقة في تاريخه

GMT 04:36 2020 الخميس ,20 شباط / فبراير

ابن الفنان عمرو سعد يكشف حقيقة انفصال والديه
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon