توقيت القاهرة المحلي 20:45:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إسرائيل... الإبادة الجماعية ومحكمة العدل

  مصر اليوم -

إسرائيل الإبادة الجماعية ومحكمة العدل

بقلم - مأمون فندي

يعد يوم 11 يناير (كانون الثاني) 2024 يوماً مشهوداً وفارقاً في الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث تستمع محكمة العدل الدولية للدعوى التي قدمتها جمهورية جنوب أفريقيا متهمة فيها إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، كما تعرّفها معاهدة جنيف 1948. إنها إبادة جماعية وتطهير عرقي في الوقت نفسه. أهم ما في هذا الحدث التاريخي هو تسليط كاميرات الإعلام، وتركيز العقل الجمعي العالمي تجاه سردية جديدة في هذه الحرب أساسها القانون الدولي وليس دعاية الأطراف، فهل ستعزز هذه المرافعة العدالة الدولية أو تزيد من تعقيدات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتزيد من تعنت الولايات المتحدة التي هي شريك أساسي في الحرب على غزة؟

محكمة العدل الدولية واحدة من أذرع الأمم المتحدة، وتمثل ميكانيزماً رئيسياً لفض النزاعات الدولية، وهي ساحة تُطرح فيها الصراعات بشقيها القانوني والأخلاقي، وحكم المحكمة ملزم للدول الموقّعة على اتفاقات جنيف بخصوص الإبادة الجماعية (genocide)، وإسرائيل واحدة من هذه الدول، ولذلك التزمت إسرائيل بالمثول أمام المحكمة.

بتاريخ 29 ديسمبر (كانون الأول) 2023، حيث تقدمت جمهورية جنوب أفريقيا إلى المحكمة الدولية بدعوى تتّهم فيها إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. يحتوي نص الدعوى المكتوب في أكثر من 80 صفحة على التفاصيل والأدلة، بما فيها تصريحات قادة إسرائيل، ويضع الحرب في سياق تاريخي أوسع. توثيق متميز، هذا التوثيق هو ما دعت إليه ونادت به القمة العربية الإسلامية التي انعقدت في الرياض (السبت 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023)، وجدير بالذكر أن المملكة الأردنية، وهي عضو أساسي في مجموعة التواصل المنبثقة عن القمة، تؤيد موقف جنوب أفريقيا، وهذا يمنح الدعوى بُعداً عربياً وإسلامياً. هذه الدعوى لن تطول إسرائيل وحدها، بل ستكون لها تبعات على الولايات المتحدة، خصوصاً أنها تحمي إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، كما أنها تزود إسرائيل بالسلاح والذخائر، وهو ما يجعلها متضامنة مع إسرائيل في هذه الجرائم.

المهم في دعوى جنوب أفريقيا أنها تميز بين جرائم الحرب والإبادة، وهذان أمران مختلفان. فمثلاً الهجوم الأميركي البريطاني على مدينة دريسدن الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية كان جريمة حرب استهدفت المدنيين، ولكن لم ترقَ لمستوى الإبادة الجماعية، ويمكن القول إن بداية الحرب الجوية الإسرائيلية تقع ضمن جرائم الحرب، أما ما جاء من بعدها من غزو بري وتشريد لأهل غزة وكذلك تصريحات لأعضاء الحكومة الإسرائيلية ونياتهم، بما في ذلك الحديث عن ضرب غزة بالسلاح النووي، فيوحي بأننا أمام نية مبيتة لإبادة جماعية متكاملة.

هذا ما يجعل قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل متماسكة، خصوصاً أنها مدعمة بالمعلومات الموثقة التي تشمل ممارسات الجيش الإسرائيلي وتصريحات القادة العسكريين والسياسيين، ما يثبت نية الإبادة الجماعية ضد أهل غزة، كما أن التصريحات المتعلقة بالرغبة في نزوح أهل غزة إلى سيناء، أو التهجير الطوعي لبلدان أخرى كلها تؤكد نية التطهير العرقي والإبادة. تجميع كل هذه المعلومات في ملف واحد هو عمل شاق ومكثف قدم في أكثر من 80 صفحة بالصورة التي تجعل القضية متماسكة، وتعزز من فرص صدور حكم فيها ضد إسرائيل.

من أهم ما تؤكد عليه الوثيقة هو نية القيادات الإسرائيلية، بمن في ذلك رئيس الوزراء نتنياهو في إطالة أمد الحرب من أجل القضاء على منظمة «حماس»، وعلى البنية التحتية العسكرية لها، وكذلك تهجير أهل القطاع، وتستشهد مرافعة جنوب أفريقيا مرتين بكلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 25 ديسمبر 2023 لتوضيح هذه النقطة: «لن نتوقف عن القتال، ونحن مستمرون... وستكون حرباً طويلة».

إثبات النية للإبادة والتطهير العرقي أساسي في هذه القضية، ولو توصلت المحكمة إلى حكم فيها فسيمثل ضغطاً كبيراً على إسرائيل والولايات المتحدة، ورغم أن استجابتهما للضغط قد تكون محدودة، فإن العار الدولي الذي سيلحق بهما سيضطرهما إلى وقف الحرب.

مهم أيضاً أن نعرف أن هذا الحكم سيقوي شوكة المجتمع المدني، خصوصاً جماعات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. أعلم أن المجتمع المدني الليبرالي في أميركا لا يدين إسرائيل بالشكل الكافي حتى الآن، ومع ذلك فإن حكماً ضد الوحشية الإسرائيلية في غزة سيسبب لهم حرجاً كبيراً، وسيدفعهم في الاتجاه الصحيح؛ فبعد الحكم تكون القيم الغربية المدَّعاة على المحك، وبما أن بقاء النظام العالمي كله محكوم بالالتزامات الدولية وبالقانون الدولي وبهذه القيم، فإن تجاهل هذا الحكم يهدد هذه القيم بشكل مباشر، ويهدد أيضاً إيمان المجتمع الدولي بالقانون والقيم الحاضنة له.

يمثل حدث المرافعة أمام محكمة العدل الدولية حدثاً تاريخياً سيغير السردية العالمية تجاه ممارسات إسرائيل ليس اليوم فقط، وإنما سيضع قضية فلسطين كلها في سياق جديد، وسينتزعها من سياق التفاهمات الثنائية مثل أوسلو وغيرها، وسيضعها في السياق اللائق الذي قد يأخذنا إلى الحل النهائي؛ لذلك يتحتم على كل مجموعة الاتصال المنبثقة من قمة الرياض أن تقف خلف موقف جمهورية جنوب أفريقيا، ودعمه بكل السبل.

كثير منا فقد إيمانه بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة فيما يخص إسرائيل، ولكن هذا وضع جديد يفتح مساراً جديداً يجب ألا نستهين به نحن العرب.

كما يتعين على المجتمع الدولي كذلك النظر بعمق في هذه المرافعة، وتقييم تأثيرها وتبعاتها على العلاقات الدولية، والجهود المستمرة لحل النزاعات ليس في غزه وحدها، بل في مناطق أخرى من العالم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسرائيل الإبادة الجماعية ومحكمة العدل إسرائيل الإبادة الجماعية ومحكمة العدل



GMT 02:24 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المنطقة و«اللمسات الأخيرة»

GMT 02:22 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

بقاء الفلسطيني... وأزمة الانتماء

GMT 02:18 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

... عن مفهوم «الجنوب العالمي» الرائج اليوم

GMT 02:15 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

قفطاننا وليس قفطانكم

GMT 02:10 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

مستقبل التنمية لم يعد كما كان!

GMT 15:42 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
  مصر اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 19:22 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

غادة عبد الرازق تنافس فى رمضان 2025 بمسلسل جديد
  مصر اليوم - غادة عبد الرازق تنافس فى رمضان 2025 بمسلسل جديد

GMT 12:03 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:35 2021 الأربعاء ,28 تموز / يوليو

محمد جمعة ينشر البوستر الرسمي لمسلسل "الحرامي 2"

GMT 02:11 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

مجدي عبد الغني يؤكد على عدم إلغاء " الدوري"

GMT 20:28 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن حوار بين سكيلوتو وتيفيز بنهائي "ليبرتادوريس"

GMT 20:05 2018 الإثنين ,18 حزيران / يونيو

علي ربيع يتعاقد على بطولة مسلسل لرمضان 2019

GMT 02:29 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

المدير الرياضي ليوفنتوس يطالب بالابتعاد عن ديبالا

GMT 22:48 2014 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بنات سنيريا" يُتوجن بلقب بطولة الريشة للفردي والزوجي

GMT 02:48 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.8 درجة يقع قبالة الساحل الشرقي لليابان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon