توقيت القاهرة المحلي 08:30:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصنع الأخبار الحلوة

  مصر اليوم -

مصنع الأخبار الحلوة

بقلم : داليا شمس

 طالعت فى الصحف خبر تنظيم مؤتمر حول الإعلام الإيجابى، نهاية شهر يناير الماضى، فى بيروت، ما جعلنى أتوقف مجددا عند هذا المفهوم الذى بدأ فى الانتشار مؤخرا، خاصة على يد جمعيات ومنصات مثل «مراسلو الأمل« التى ظهرت عام 2004 أو «سبارك نيوز« التى لم يتجاوز عمرها ست سنوات. الجمعية الأولى كانت وراء إطلاق المفهوم الذى يشار له أيضا بالصحافة البناءة أو ذات التأثير، أما المنصة الثانية فساهمت بفاعلية فى الترويج له، معلنة عن طموحها فى أن تشكل على المدى القصير الصحافة الإيجابية ما بين 5 و 10% من المحتوى الإعلامى السائد. الأمر يتعلق بالتصدى لأخبار إيجابية حول مبادرات ناجحة قام بها أفراد أو لقصص تحمل حلولا للمشكلات التى يتم عرضها، حتى لا يظل القارئ أسيرا لأنباء الحرب والكرب والقتل والإرهاب والكوارث، التى ملها وصارت تؤثر على حالته النفسية فأحجم عن شراء الصحف ومتابعة الأحداث، وفقا لبعض دراسات السوق والمبيعات. على سبيل المثال بدلا من الاكتفاء بتناول آثار إعصار أو فيضان، تنشر الصحف التى تتبنى هذا المفهوم موضوعات حول التعامل الإيجابى للمواطنين مع الكارثة الطبيعية، وكيف تغلبوا عليها، وبدلا من عمل ريبورتاج حول تأخر القطارات عن مواعيدها يتم طرح حلولا أو بدائل، مع فتح باب النقاش بمشاركة الجمهور، أو تخصص الصحف والبرامج أبوابا ثابتة تقدم من خلالها بورتريهات لأبطال هذا الزمن من البسطاء والناس العاديين الذين أحدثوا فرقا. أى أنها دعوة للتفاؤل والإيجابية أمام طوفان الكآبة الذى لم يعد يحتمله المتلقى. وقد تبنتها أكثر من 55 جريدة حول العالم تحتفل سنويا بيوم «صحافة التأثير«، رغبة منها فى إحداث تأثير بزيادة المبيعات واجتذاب المعلنين.

***

يقلب هذا التصور المفاهيم السابقة، فهو لا يرى أن العالم مجال مفتوح للصراعات، وأن مصائب قوم عند قوم فوائد، وينفى أيضا المقولة السائدة فى الصحافة التقليدية إن « نزيف الدماء يصنع الحدث« أو (If it bleeds, it leads). واللافت أن صحف مشهودا لها بالجدية والرصانة مثل الجارديان البريطانية أو ليبراسيون الفرنسية أو نيويورك التايمز الأمريكية تسير فى الآونة الأخيرة فى هذا الاتجاه، حتى أن الجارديان دشنت منذ أكثر من عام سلسلة من الموضوعات أطلقت عليها «نصف الكوب الممتلئ: حلول وابتكارات وإجابات«، كما قامت ليبراسيون بتخصيص أعداد متميزة على مدار العام لمثل هذا النوع من الموضوعات أسمته « حلول ليبيه« فزادت مبيعاتها بنسبة 22% عن الأعداد التقليدية، أما النيويورك تايمز فقد أثبتت دراسة تحليلية شملت سبعة آلاف موضوع نشر بها أن الإقبال كان أكبر بكثير على المواد التى تنتمى لصحافةــ الحلول، وذلك من خلال حصر المشاركات على البريد الإلكترونى أو شبكات التواصل الاجتماعى.

ينبرى البعض فى تفسير هذه الظاهرة بوصفها ضمن محاولات إعادة كسب ثقة القارئ وتحفيزه بعد أن انصرف عن الصحافة التقليدية، وسأم العاملين بها والتصاقهم بدوائر السياسة والمال، فلم يعد يصدقهم. فى حين يرجع البعض أصولها لتأثير الشركات المتعددة الجنسيات التى استخدمت الإعلام كأداة لبث أخبارها وإنجازاتها، وبالتالى كان من مصلحتها الترويج لهذه النوعية من الصحافة لإبراز هذا المشروع «الإيجابي« أو ذاك. وذهبت تحليلات آخرين إلى القول بأن انتشار شبكات التواصل الاجتماعى وسرعة تداول المعلومات أحدثا تغيرا فى الذوق العام، فلم يعد الناس يفضلون أخبار الحرب والإرهاب كما كانت تظهر الاستبيانات فى العام 2007، فبعد عشر سنوات صارت الأنباء الإيجابية والطريفة هى الأكثر ذيوعا ومشاركة. صحيح أن الأخبار السلبية تدفع بالناس إلى الشعور بالعجز والقلق والخوف والتقوقع، وبالتالى إلى رغبة فى الانفصال عن الواقع، لكن أهذا هو دور الصحافة؟ أتساءل كما يتساءل العديد من المتخصصين، وأرى مثلهم أن حصر الصحفى فى موضوعات إيجابية ووضع حلول للمشكلات يجعله يخرج عن دوره الحيادى، فيصير منخرطا فى قضية أو متبنيا لوجهة نظر، ويتحول بشكل أو بآخر إلى ناشط أو مندوب علاقات عامة، حسب الأحوال. لم يعد سلطة رابعة أو مراقب يقف على المسافة نفسها من جميع الأطراف، بل صار من أنصار هذه القضية أو تلك، ويريد أن يضرب الأمثال ويعطى حلول ويحفز المواطنين ويرفع مبيعات الجريدة، من خلال إقصاء ما هو سلبى والتركيز فقط على الإيجابى.

***

يوتوبيا خادعة، صحافة تقف فى الوسط بين الجد والتسلية، لكنها مطلوبة وفقا لما يحاول البعض إثباته، وهو أمر واجب دراسته، فبالطبع مطلوب إعادة تخيل المحتوى الصحفى على ضوء التغيرات التقنية والفكرية، وبالطبع سأم الناس الاحتيال والمزايدة ومتابعة عدد الضحايا والأموات الذين يسقطون كل يوم، لكن هذا لا يعنى أن نكف عن الكتابة عن اللاجئين لأن قصصهم حزينة وليس لها حل، بل يجب أن نفتح النقاش حول مسارات الصحافة وطرق تكيفها وأشكالها الجديدة وما يفعله بها المتلقى وما تفعله به.

نقلا عن الشروق القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصنع الأخبار الحلوة مصنع الأخبار الحلوة



GMT 03:05 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

دكتور حواس وماذا عن البلايا العشر؟

GMT 03:03 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

محاضرة فرنسية هامة.. وصريحة

GMT 03:02 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

وسحبت «أسترازينيكا» اللقاح؟!

GMT 03:01 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

مستوى خطابنا على صفحات التواصل!!

GMT 02:59 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

كان الله في عونك

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 05:21 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة
  مصر اليوم - بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

اليوم ينصحك الفلك ألا تعلن أخبارك ولا تتكلم عن حياتك

GMT 16:11 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

فيسبوك تسلك طريق أكثر تشدد بشأن شفافية الإعلانات

GMT 13:54 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

نصائح مهمة لاختيار أفضل عباءة شتوية للتمتع بالأناقة والدفء

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفال بمرور 18 عامًا على إقامة متحف النوبة في أسوان

GMT 02:18 2016 الخميس ,02 حزيران / يونيو

الاعلان عن قائمة منتخب بلجيكا في "يورو 2016"

GMT 15:03 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل تاجري مخدرات جراء مشاجرة بينهما في الشرقية

GMT 14:43 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

أبراج تدعمك وتقف بجانبك في المواقف الصعبة

GMT 15:49 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ضربة موجعة لـ منتخب بلجيكا قبل انطلاق يورو 2020

GMT 08:07 2021 الخميس ,25 آذار/ مارس

مصر تسجل 40 وفاة و641 إصابة جديدة بكورونا

GMT 17:37 2021 السبت ,23 كانون الثاني / يناير

افتتاح مشروعا ضخمًا "للأسماك" في مدينة بورسعيد

GMT 15:08 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

مصطفى فتحي يشارك في تدريبات سموحة استعدادا لبيراميدز
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon