توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصنع الأخبار الحلوة

  مصر اليوم -

مصنع الأخبار الحلوة

بقلم : داليا شمس

 طالعت فى الصحف خبر تنظيم مؤتمر حول الإعلام الإيجابى، نهاية شهر يناير الماضى، فى بيروت، ما جعلنى أتوقف مجددا عند هذا المفهوم الذى بدأ فى الانتشار مؤخرا، خاصة على يد جمعيات ومنصات مثل «مراسلو الأمل« التى ظهرت عام 2004 أو «سبارك نيوز« التى لم يتجاوز عمرها ست سنوات. الجمعية الأولى كانت وراء إطلاق المفهوم الذى يشار له أيضا بالصحافة البناءة أو ذات التأثير، أما المنصة الثانية فساهمت بفاعلية فى الترويج له، معلنة عن طموحها فى أن تشكل على المدى القصير الصحافة الإيجابية ما بين 5 و 10% من المحتوى الإعلامى السائد. الأمر يتعلق بالتصدى لأخبار إيجابية حول مبادرات ناجحة قام بها أفراد أو لقصص تحمل حلولا للمشكلات التى يتم عرضها، حتى لا يظل القارئ أسيرا لأنباء الحرب والكرب والقتل والإرهاب والكوارث، التى ملها وصارت تؤثر على حالته النفسية فأحجم عن شراء الصحف ومتابعة الأحداث، وفقا لبعض دراسات السوق والمبيعات. على سبيل المثال بدلا من الاكتفاء بتناول آثار إعصار أو فيضان، تنشر الصحف التى تتبنى هذا المفهوم موضوعات حول التعامل الإيجابى للمواطنين مع الكارثة الطبيعية، وكيف تغلبوا عليها، وبدلا من عمل ريبورتاج حول تأخر القطارات عن مواعيدها يتم طرح حلولا أو بدائل، مع فتح باب النقاش بمشاركة الجمهور، أو تخصص الصحف والبرامج أبوابا ثابتة تقدم من خلالها بورتريهات لأبطال هذا الزمن من البسطاء والناس العاديين الذين أحدثوا فرقا. أى أنها دعوة للتفاؤل والإيجابية أمام طوفان الكآبة الذى لم يعد يحتمله المتلقى. وقد تبنتها أكثر من 55 جريدة حول العالم تحتفل سنويا بيوم «صحافة التأثير«، رغبة منها فى إحداث تأثير بزيادة المبيعات واجتذاب المعلنين.

***

يقلب هذا التصور المفاهيم السابقة، فهو لا يرى أن العالم مجال مفتوح للصراعات، وأن مصائب قوم عند قوم فوائد، وينفى أيضا المقولة السائدة فى الصحافة التقليدية إن « نزيف الدماء يصنع الحدث« أو (If it bleeds, it leads). واللافت أن صحف مشهودا لها بالجدية والرصانة مثل الجارديان البريطانية أو ليبراسيون الفرنسية أو نيويورك التايمز الأمريكية تسير فى الآونة الأخيرة فى هذا الاتجاه، حتى أن الجارديان دشنت منذ أكثر من عام سلسلة من الموضوعات أطلقت عليها «نصف الكوب الممتلئ: حلول وابتكارات وإجابات«، كما قامت ليبراسيون بتخصيص أعداد متميزة على مدار العام لمثل هذا النوع من الموضوعات أسمته « حلول ليبيه« فزادت مبيعاتها بنسبة 22% عن الأعداد التقليدية، أما النيويورك تايمز فقد أثبتت دراسة تحليلية شملت سبعة آلاف موضوع نشر بها أن الإقبال كان أكبر بكثير على المواد التى تنتمى لصحافةــ الحلول، وذلك من خلال حصر المشاركات على البريد الإلكترونى أو شبكات التواصل الاجتماعى.

ينبرى البعض فى تفسير هذه الظاهرة بوصفها ضمن محاولات إعادة كسب ثقة القارئ وتحفيزه بعد أن انصرف عن الصحافة التقليدية، وسأم العاملين بها والتصاقهم بدوائر السياسة والمال، فلم يعد يصدقهم. فى حين يرجع البعض أصولها لتأثير الشركات المتعددة الجنسيات التى استخدمت الإعلام كأداة لبث أخبارها وإنجازاتها، وبالتالى كان من مصلحتها الترويج لهذه النوعية من الصحافة لإبراز هذا المشروع «الإيجابي« أو ذاك. وذهبت تحليلات آخرين إلى القول بأن انتشار شبكات التواصل الاجتماعى وسرعة تداول المعلومات أحدثا تغيرا فى الذوق العام، فلم يعد الناس يفضلون أخبار الحرب والإرهاب كما كانت تظهر الاستبيانات فى العام 2007، فبعد عشر سنوات صارت الأنباء الإيجابية والطريفة هى الأكثر ذيوعا ومشاركة. صحيح أن الأخبار السلبية تدفع بالناس إلى الشعور بالعجز والقلق والخوف والتقوقع، وبالتالى إلى رغبة فى الانفصال عن الواقع، لكن أهذا هو دور الصحافة؟ أتساءل كما يتساءل العديد من المتخصصين، وأرى مثلهم أن حصر الصحفى فى موضوعات إيجابية ووضع حلول للمشكلات يجعله يخرج عن دوره الحيادى، فيصير منخرطا فى قضية أو متبنيا لوجهة نظر، ويتحول بشكل أو بآخر إلى ناشط أو مندوب علاقات عامة، حسب الأحوال. لم يعد سلطة رابعة أو مراقب يقف على المسافة نفسها من جميع الأطراف، بل صار من أنصار هذه القضية أو تلك، ويريد أن يضرب الأمثال ويعطى حلول ويحفز المواطنين ويرفع مبيعات الجريدة، من خلال إقصاء ما هو سلبى والتركيز فقط على الإيجابى.

***

يوتوبيا خادعة، صحافة تقف فى الوسط بين الجد والتسلية، لكنها مطلوبة وفقا لما يحاول البعض إثباته، وهو أمر واجب دراسته، فبالطبع مطلوب إعادة تخيل المحتوى الصحفى على ضوء التغيرات التقنية والفكرية، وبالطبع سأم الناس الاحتيال والمزايدة ومتابعة عدد الضحايا والأموات الذين يسقطون كل يوم، لكن هذا لا يعنى أن نكف عن الكتابة عن اللاجئين لأن قصصهم حزينة وليس لها حل، بل يجب أن نفتح النقاش حول مسارات الصحافة وطرق تكيفها وأشكالها الجديدة وما يفعله بها المتلقى وما تفعله به.

نقلا عن الشروق القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصنع الأخبار الحلوة مصنع الأخبار الحلوة



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt