توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مغامرة الحرب

  مصر اليوم -

مغامرة الحرب

بقلم : داليا شمس

 الضربة الأخيرة التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ضد النظام السوري ذكرتني بالحرب على العراق كما عشناها في القاهرة، مع الفارق أن وقتها كانت ردة الفعل أقوى لاختلاف بعض الظروف ولاعتيادنا حاليا الغارات والهجمات والهوان، فلم يعد عامل الصدمة بالإثارة والشدة نفسهما.

استرجعت فجأة ما كتبت حينها حول تحولات الأصدقاء وبعض المعارف، وكيف انعكس تفاعلهم مع الأزمة على شخصياتهم ورؤيتهم لكثير من الأمور. مظاهرات وتجمعات وفعاليات مختلفة تم تنظيمها واشتركت في بعضها، وكنت أرصد رغما عني التغيرات التي طرأت على من حولي، خاصة هؤلاء الذين كانوا في مراحل مفصلية من حياتهم أو الذين كانوا يبحثون عن هدف ومعني أو ببساطة عن ذواتهم، في خضم الأحداث. كان هناك من كتب قصيدة رددها الناس، ومن تداوي جراحها بعد علاقة حب فاشلة دفعتها لمراجعة حساباتها، ومن عاش هزيمة 67 ولا يستوعب فكرة الحرب على الهواء مباشرة فأصابته الكوابيس، ومن لم يعرف قط مثل هذه الصراعات المسلحة لأنه من جيل اتفاقات السلام، إلى ما غير ذلك، فهناك دائما ذاكرة أخرى غير رسمية للحروب تتكون وتترسخ لدى الأفراد، بعيدا عن الدوائر الرسمية التي تتعمد أحيانا طمس بعض عناصر الحكاية لتقدم الصورة التي تريد أو التي تظن أنها مناسبة.

وهو ما رأيناه مليا في الحربين العالميتين، عندما يكتفي التاريخ الرسمي للدول بالحديث عن المقاومة وبطولاتها، دون التعرض لوجود خونة ومتعاونين مع الخصم، وما قد ينطبق أيضا على موقفنا من القضية الفلسطينية وعلاقتنا ببدو سيناء. دوما هناك بعض المسكوت عنه، وبعض ما نفضل إغفاله وبعض ما لا يتوقف عنده المؤرخون. وغالبا هو ما أحب أن أتناوله بالملاحظة والبحث، جانب ثقافة وأنثروبولوجيا الحروب التي إذا جاء الاهتمام به فيأتي بعد سنوات وسنوات من محاولات تهدف إلى تحديد من المسؤول عن هذا وذاك وعلى من يجب أن يقع اللوم والعبء الأكبر، أو تهدف إلى الوقوف على تفاصيل العمليات العسكرية وأسرارها، دون الاهتمام بعقلية المقاتل مثلا أو ما الذي كان يدور في رأسه أثناء المعركة.

بمرور الوقت وشيء من الموضوعية، قد نكتشف أن كل الصراع كان عبثيا ونقول إننا ضيعنا الكثير في لامعنى وغرقنا في كواليس المؤامرات السياسية والدبلوماسية، لكن أثر الحرب في النفوس ومسارات البشر لا يمكن الرجوع فيه، فقد سبق السيف العذل. لأن الحرب التي تضعنا بين الحياة والموت هي لحظة حقيقة واختبار، تظهر خلالهما الطبيعة الإنسانية ومعادن الناس، بكل وضوح، دون مواربة، حيث لا ينفع الندم ولا الكذب. هي مغامرة خطرة ندخلها ونخرج كما ولدتنا أمهاتنا. يجسدها رسام مثل بيكاسو في جدارية "الجورنيكا" أو يصورها مخرج مثل فرانسيس كوبولا في فيلم "القيامة الآن" أو تجعل مصممة أزياء مثل كوكو شانيل تغير تماما من مظهر المرأة عندما تلبسها ثوب أسود بسيط أو جاكيت بدلة رجالي، وتبدو بشعر قصير كالغلامة بعدما خرجت للعمل لتحل مكان الرجال المشغولون بالمعركة على الجبهة... كل ذلك تجليات لتغير مجتمعي حدث بفعل الحرب التي حدثت بفعل فاعل تبدلت عقليته وصار القتل بالنسبة له بدافع قومي أو وطني مبرر، بل وواجب. الحرب هي زاوية للرؤية، منظار يسمح لنا أن نرى من خلاله تطور المجتمع وما اعتراه من تغيرات وانقسامات وتطلعات وأحلام كبيرة كانت أم صغيرة.

نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مغامرة الحرب مغامرة الحرب



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt