توقيت القاهرة المحلي 16:58:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مغامرة الحرب

  مصر اليوم -

مغامرة الحرب

بقلم : داليا شمس

 الضربة الأخيرة التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ضد النظام السوري ذكرتني بالحرب على العراق كما عشناها في القاهرة، مع الفارق أن وقتها كانت ردة الفعل أقوى لاختلاف بعض الظروف ولاعتيادنا حاليا الغارات والهجمات والهوان، فلم يعد عامل الصدمة بالإثارة والشدة نفسهما.

استرجعت فجأة ما كتبت حينها حول تحولات الأصدقاء وبعض المعارف، وكيف انعكس تفاعلهم مع الأزمة على شخصياتهم ورؤيتهم لكثير من الأمور. مظاهرات وتجمعات وفعاليات مختلفة تم تنظيمها واشتركت في بعضها، وكنت أرصد رغما عني التغيرات التي طرأت على من حولي، خاصة هؤلاء الذين كانوا في مراحل مفصلية من حياتهم أو الذين كانوا يبحثون عن هدف ومعني أو ببساطة عن ذواتهم، في خضم الأحداث. كان هناك من كتب قصيدة رددها الناس، ومن تداوي جراحها بعد علاقة حب فاشلة دفعتها لمراجعة حساباتها، ومن عاش هزيمة 67 ولا يستوعب فكرة الحرب على الهواء مباشرة فأصابته الكوابيس، ومن لم يعرف قط مثل هذه الصراعات المسلحة لأنه من جيل اتفاقات السلام، إلى ما غير ذلك، فهناك دائما ذاكرة أخرى غير رسمية للحروب تتكون وتترسخ لدى الأفراد، بعيدا عن الدوائر الرسمية التي تتعمد أحيانا طمس بعض عناصر الحكاية لتقدم الصورة التي تريد أو التي تظن أنها مناسبة.

وهو ما رأيناه مليا في الحربين العالميتين، عندما يكتفي التاريخ الرسمي للدول بالحديث عن المقاومة وبطولاتها، دون التعرض لوجود خونة ومتعاونين مع الخصم، وما قد ينطبق أيضا على موقفنا من القضية الفلسطينية وعلاقتنا ببدو سيناء. دوما هناك بعض المسكوت عنه، وبعض ما نفضل إغفاله وبعض ما لا يتوقف عنده المؤرخون. وغالبا هو ما أحب أن أتناوله بالملاحظة والبحث، جانب ثقافة وأنثروبولوجيا الحروب التي إذا جاء الاهتمام به فيأتي بعد سنوات وسنوات من محاولات تهدف إلى تحديد من المسؤول عن هذا وذاك وعلى من يجب أن يقع اللوم والعبء الأكبر، أو تهدف إلى الوقوف على تفاصيل العمليات العسكرية وأسرارها، دون الاهتمام بعقلية المقاتل مثلا أو ما الذي كان يدور في رأسه أثناء المعركة.

بمرور الوقت وشيء من الموضوعية، قد نكتشف أن كل الصراع كان عبثيا ونقول إننا ضيعنا الكثير في لامعنى وغرقنا في كواليس المؤامرات السياسية والدبلوماسية، لكن أثر الحرب في النفوس ومسارات البشر لا يمكن الرجوع فيه، فقد سبق السيف العذل. لأن الحرب التي تضعنا بين الحياة والموت هي لحظة حقيقة واختبار، تظهر خلالهما الطبيعة الإنسانية ومعادن الناس، بكل وضوح، دون مواربة، حيث لا ينفع الندم ولا الكذب. هي مغامرة خطرة ندخلها ونخرج كما ولدتنا أمهاتنا. يجسدها رسام مثل بيكاسو في جدارية "الجورنيكا" أو يصورها مخرج مثل فرانسيس كوبولا في فيلم "القيامة الآن" أو تجعل مصممة أزياء مثل كوكو شانيل تغير تماما من مظهر المرأة عندما تلبسها ثوب أسود بسيط أو جاكيت بدلة رجالي، وتبدو بشعر قصير كالغلامة بعدما خرجت للعمل لتحل مكان الرجال المشغولون بالمعركة على الجبهة... كل ذلك تجليات لتغير مجتمعي حدث بفعل الحرب التي حدثت بفعل فاعل تبدلت عقليته وصار القتل بالنسبة له بدافع قومي أو وطني مبرر، بل وواجب. الحرب هي زاوية للرؤية، منظار يسمح لنا أن نرى من خلاله تطور المجتمع وما اعتراه من تغيرات وانقسامات وتطلعات وأحلام كبيرة كانت أم صغيرة.

نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مغامرة الحرب مغامرة الحرب



GMT 03:05 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

دكتور حواس وماذا عن البلايا العشر؟

GMT 03:03 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

محاضرة فرنسية هامة.. وصريحة

GMT 03:02 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

وسحبت «أسترازينيكا» اللقاح؟!

GMT 03:01 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

مستوى خطابنا على صفحات التواصل!!

GMT 02:59 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

كان الله في عونك

نانسي عجرم بإطلالات خلابة وساحرة تعكس أسلوبها الرقيق 

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 05:21 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة
  مصر اليوم - بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

اليوم ينصحك الفلك ألا تعلن أخبارك ولا تتكلم عن حياتك

GMT 16:11 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

فيسبوك تسلك طريق أكثر تشدد بشأن شفافية الإعلانات

GMT 13:54 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

نصائح مهمة لاختيار أفضل عباءة شتوية للتمتع بالأناقة والدفء

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفال بمرور 18 عامًا على إقامة متحف النوبة في أسوان

GMT 02:18 2016 الخميس ,02 حزيران / يونيو

الاعلان عن قائمة منتخب بلجيكا في "يورو 2016"

GMT 15:03 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل تاجري مخدرات جراء مشاجرة بينهما في الشرقية

GMT 14:43 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

أبراج تدعمك وتقف بجانبك في المواقف الصعبة

GMT 15:49 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ضربة موجعة لـ منتخب بلجيكا قبل انطلاق يورو 2020

GMT 08:07 2021 الخميس ,25 آذار/ مارس

مصر تسجل 40 وفاة و641 إصابة جديدة بكورونا

GMT 17:37 2021 السبت ,23 كانون الثاني / يناير

افتتاح مشروعا ضخمًا "للأسماك" في مدينة بورسعيد

GMT 15:08 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

مصطفى فتحي يشارك في تدريبات سموحة استعدادا لبيراميدز
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon