توقيت القاهرة المحلي 13:14:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفساد وسحر التواطؤ

  مصر اليوم -

الفساد وسحر التواطؤ

بقلم - داليا شمس

"لا تصدق كل ما يأتي على ألسنة المسؤولين في الصحف، فهذا كلام جرائد"، ظللت أردد العبارة نفسها على مسامع والدي، خلال الستة أشهر الأخيرة، في كل مرة يطلعني فيها على تصريحات المحافظين ورؤساء الأحياء ومسؤولي الإدارة المحلية حول التصدي للفساد. هو كالغريق يتعلق بقشة ويحاول إقناع نفسه بأن هناك من سينفذ يوما القانون بفاعلية ويقوم بمعاقبة المخالف أو جارنا صاحب العقار السابق، الذي يرغب في استثمار الجراج دون ترخيص، بما قد ينعكس سلبا على حياة السكان. وأنا أرى بوضوح كيف يجاهر بعض المخالفين بأن لهم علاقات داخل الحي وأن هناك من يبلغهم مقدما بكل ما يحدث وما يجب اتخاذه من إجراءات لتنويم الموضوع والتحايل. كان أبي يستغرب من ردة فعلي أنا التي تعمل بالصحافة منذ أكثر من عشرين عاما، أما أنا فقد كنت استغرب من سحر التواطؤ الذي يجمع الفاسدين، هذا كان أكثر ما استوقفني في هذه التجربة برمتها، كيف كان ينبري كل من نلجأ إليه ومن المفترض أن يساهم في حل المشكلة دفاعا عن المخالف، قائلا ما معناه "إنكم تريدون خراب بيته"، بدلا من التصدي لشخص لا يبالي بأرواح الناس.

***

وجدتني أضحك من كلمات وعبارات الصحف الرنانة: سيف القانون الباتر، الخطر الداهم، التصدي لفساد الأحياء صار مطلبا شعبيا ملحا، استبعاد أي موظف تحوم حوله الشبهات، التلوث البصري، تشوه المدينة، إعداد الكوادر، اللامركزية، الحوكمة،... جميعها تتصدع وتفقد معناها أمام الموظفين عتاة البيروقراطية، ففي مثل هذه المواقف تتعامل فجأة مع أساطير يومية متحركة: المهندسة س. والموظفة ص. ورئيسهما الذي يلتقي بالمواطنين كل ثلاثاء، ثم تأخذك دوامة الخطابات التي لا تصل أبدا أو التي تصاغ بشكل خاطئ فترجع لصحابها كالشتيمة، ويتجلى سحر التواطؤ وينقلب الوضع إلى كوميديا سوداء، خاصة عندما أكتشف أن الحي الذي ولدت فيه والذي صار في أقذر حالاته تم تقييمه في نهاية نوفمبر الماضي كأفضل حي بالمنطقة الشرقية من قبل محافظ القاهرة. وقتها ينطلق صوت داخلي ليأمرني بأن أحمد الله، لأن هناك ما هو أسوأ بكثير، على الأقل لم يشهد حينا بعد برجا مائلا كعمارة الأزاريطة الشهيرة بالإسكندرية التي تصدرت صورها الجرائد المحلية والعالمية كأحد عجائب الدنيا السبع، في شهر يونيو الماضي. والمفارقة أن هذا العقار المخالف، الذي لم يكن مصرحا له سوى بإنشاء طابق أرضي ودورين علويين وصدر له قرار إزالة وإخلاء منذ عام 2004، كان يقع على بعد 120 مترا فقط من مقر حي وسط الإسكندرية، لكن كل ما ركز عليه الخبراء حينها كان ضرورة الانتهاء من قانون البناء الموحد والتبشير بمشروع قانون المحليات الجديد الذي تم تقديمه إلى مجلس الشعب والذي سيقضي على فساد المنظومة بشكل نهائي، لأن القانون القديم به عوار وينتمي للقرن الفائت.

***

نبسط المسائل ونقلل من شأن سحر التواطؤ الذي يجمع من يشبهون بعضهم البعض، في مجتمع صار الفساد جزءا من ثقافته، فأفضل قوانين العالم إذا ما قام على تنفيذها ذات الأشخاص بعلاقاتهم المتشابكة والمعقدة سنظل ندور في دائرة الفساد والبيروقراطية المفرغة، والنتيجة مزيد من المخالفات والكوارث ومزيد من أصحاب المشكلات الذين يحاربون طواحين الهواء إلى أن يموت أحدهم أو يشرد وتكتب عنه الصحف. دون دراسة جادة لهذه العلاقات الاجتماعية المعقدة، جنبا إلى جنب مع وضع القوانين، ستظل تنطبق علينا مقولة الكاتب جورج أورويل الذي يصف الكثير من أمور حياتنا كأنه تخيلها اليوم وليس قبل سنوات عديدة: " شعب يختار الفاسدين والمحتالين والكذابين والسارقين والخائنين ليس بضحية، بل هو متواطئ مع كل هؤلاء"، فسحر التواطؤ يوحي بنية الإصرار.

نقلا عن الشروق القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفساد وسحر التواطؤ الفساد وسحر التواطؤ



GMT 09:56 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

مهلة جانتس

GMT 09:54 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

السؤال الذى أبكى الملايين؟!

GMT 06:54 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

فى المشمش!

GMT 06:51 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

الأصدقاء وذكريات لا تعنيهم

GMT 06:48 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

كهفُ الفيلسوف.. وحبلُ الفيل

GMT 12:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك
  مصر اليوم - افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 12:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
  مصر اليوم - أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 10:57 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

مفاجآت كبيرة في فيلم "الست" لمنى زكي
  مصر اليوم - مفاجآت كبيرة في فيلم الست لمنى زكي

GMT 18:57 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

فنانة لبنانية أنهكها العمر ولم تعد تستطيع الحراك

GMT 05:22 2018 الإثنين ,26 آذار/ مارس

سان جيرمان يُغري أنطونيو كونتي براتب ضخم

GMT 05:34 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

كايا جيربر تخطف الأنظار بإطلالة من "شانيل"

GMT 11:10 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

لورا ويتمور تجذب الأنظار إلى إطلالاتها السوداء

GMT 09:40 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

تعرفي على كيفيّة العناية بالشعر القصير لينمو بكثافة

GMT 22:12 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

الإنتاج الحربي يتخطى دجلة بهدفين دون رد فريق

GMT 17:30 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

لوكاكو يتطلع لتوقيع عقد رعاية مع إحدى الشركات الرياضية

GMT 22:34 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجمة مسرح مصر ويزو تحتفل بزفافها في التجمع الخامس الإثنين

GMT 08:47 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

ماركو رويس يكشف عن طموح ألمانيا في يورو 2016
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon