توقيت القاهرة المحلي 19:05:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وسادة الملك فاروق

  مصر اليوم -

وسادة الملك فاروق

بقلم : داليا شمس

الشمس تمحو آثار الزمن، صار لون غطاء الوسادة الحريرى كالحًا بفعل أشعتها، وريش النعام وزغبه الذى كان يملؤها على مر السنين يتطاير يمينا وشمالا فى الهواء. لم تسأم صاحبتنا قط من إراحة رأسها على هذه الوسادة التى لازمتها منذ صباها، وسادة لها تاريخ قديم وهى وحدها تعرفه، فالأشياء أيضا لها ماضٍ وهى تحب تتبعه.
عاشت معجبة بفكرة أنها تنام على وسادة الملك فاروق، دون أن تدرى على وجه الدقة كيف وصلت إلى بيتها ولا هى متأكدة من صحة الأسطورة لأنه ليس هناك ما يدل على ذلك، فلا تُزين مثلا الأحرف الأولى من اسم الملك كيس الوسادة الحريرى الذى يتراوح لونه بين الزهرى والبرتقالى مثل سمك السلمون. وكان يتردد دوما أن القطع الأصلية التى تخص الملوك يُحفر أو يُكتب عليها فى مكان ما أنها صنعت لهم، يكفى أن تقلب المنضدة الخشبية فتجد منقوشا أسفلها اسم بلد المنشأ وصاحب القطعة. هذا الشرط لا يتوافر فى وسادتها، لكن هى على يقين أنها شهدت العديد من أسرار الرجال والنساء، إذ تجاوز عمرها الخمسين بكثير فى حين وسائد الريش الحديثة تتلاشى بعد خمس أو سبع سنوات.
***
صارت صاحبتنا مع الوقت مثل هؤلاء الأشخاص الذين يرفضون التخلى عن لعبة قديمة أو غطاء سرير استخدموه وهم أطفال، لأن هذا الشيء أو ذاك يعطيهم شعورا بالأمان أو ارتبط بذكريات حب وعطف ودلع أو ببساطة كان رمزا لفكرة الملكية... «أنا أمتلك هذا الشيء، هو يخصنى وأنا امتداد له، إذا أنا موجود».. بدايات تشَكُل الهوية.
الكثير من الناس لديهم مثل هذا الولع بشيء من الماضى، وربما سر تعلقهم به يظل غامضا، قد لا يفهمون بالضبط أسباب تفضيله على غيره، لكنه يحمل بداخله معنى وحيوية ما. تعنى الوسادة بالنسبة لصاحبتنا ليالى الثرثرة والدموع التى بللت وجهها وهى مستلقية على السرير، فهى الأقرب لنا حين ننام وننكفئ على أنفسنا آخر الليل... كاتمة الأسرار، النائمة إلى جوارنا، نسألها فلا تجيب، لأنها ليست مثلنا تعيش بدافع الفضول.
لا تريد أن تعرف المستقبل الذى ينتظرنا، ولا هى تشبه السيد النزق الذى لا ينسى الإهانات، بل لا نعرف بعد كل هذه السنوات إن كان صمتها إجباريا أم اختياريا.
***
كانت دائما موجودة بعد أن رحل من رحل، حتى لو ملت من انتظار الجحيم ومن كونها ضمن غير المرئيين الذين نمر بهم كل يوم دون التوقف عندهم أو عند الحياة التى يحملونها بداخلهم. سأمت من حمل روائح العرق والشعر والعطر الخاصين بالشخص نفسه لفترة طويلة، وربما أدمنتهم.
اهترأت وزادت ميولها الانتحارية وصارت توزع ريشها فى الهواء... ريش النعام الأغلى من ريش الأوز والبط المحشوة به معظم الوسائد التى تباع فى السوق حاليا، أما هى فتنتمى لعصر آخر... زائرة جاءتنا من بعيد واستقرت فى منزل صاحبتنا وأهلها بمحض المصادفة، ثم تحولت تدريجيا إلى جزء أصيل من حياة هذه السيدة التى تهوى الحكايات وتبحث فى آثار الأشياء عن الذاكرة المفقودة، تلك الآثار التى قد لا ترى لكنها لا تمحى وتشى بالكثير عن الحب والألم وصراعات البشر، ذلك فى وقت لم نعد قادرين على قراءة الإشارات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وسادة الملك فاروق وسادة الملك فاروق



GMT 03:05 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

دكتور حواس وماذا عن البلايا العشر؟

GMT 03:03 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

محاضرة فرنسية هامة.. وصريحة

GMT 03:02 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

وسحبت «أسترازينيكا» اللقاح؟!

GMT 03:01 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

مستوى خطابنا على صفحات التواصل!!

GMT 02:59 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

كان الله في عونك

نانسي عجرم بإطلالات خلابة وساحرة تعكس أسلوبها الرقيق 

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:38 2017 الجمعة ,04 آب / أغسطس

قانون للتواصل الاجتماعي

GMT 00:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غوارديولا يحذر السيتي وآرسنال من مصير ليفربول

GMT 23:31 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نصائح الخبراء للعناية بالبشرة في المنزل

GMT 05:39 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف إسبانية لعروس 2021 تعرف عليها

GMT 05:17 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

احذر خطورة اللقاح على من يتحسّس من البنسلين

GMT 03:43 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح وأفكار تُساعدك على اختيار "جبس" غرف نوم "مودرن"

GMT 12:29 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

"المنيرة الثقافى" يعرض الأربعاء "جيوش الشمس"

GMT 09:25 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

عالم صيني يزعم ولادة أول طفل مُعدّل وراثيًا في العالم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon