توقيت القاهرة المحلي 00:30:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصوت مرآة روحي

  مصر اليوم -

الصوت مرآة روحي

بقلم : داليا شمس

 أحب الأصوات ما رن منها وما غلظ. هى الوجه السمعى للبنى آدم الذى نادرا ما يكذب. ونبرة الصوت مثلما بصمة اليد ونظرة العين لا تتكرر، يتفرد بها كل شخص. أحيانا تفضح صاحبها وتبوح بأكثر مما يريد التصريح به وما ينتوى قوله. لحظات الصمت لها معنى، ووقفات الكلام لها دلالاتها، وسرعة الإيقاع أيضا.. فقط على المستمع أن يفسر ما يصله من رسائل مشفرة.

عندما يصلنا صوت أحدهم عبر الهاتف أو المذياع، نتخيل شكلهــ لو لم يكن لنا به سابق معرفة. كنت أتخيل مثلا أبلة فضيلة، مقدمة برامج الأطفال الشهيرة فى الراديو، على هيئة سندريلا تشبه ليلى مراد بفساتينها الطويلة وهى تشدو وترقص الفالس أو التانجو، وأحيانا فى شكل ساحرة طيبة تغير العالم بحركة من عصاها ومن خلال حواديتها. وفى بعض الأوقات، يبادر صديق بقول «ألو« على التليفون، فتعرف فورا إن كان سعيدا أو حزينا أو محملا بالزوابع والرياح، بمجرد أن ينطق. لأن الصوت يحمل ملامح حياتنا وما عشناه، يروى تطورنا وما حدث لنا خلال السنوات، وعندما يضعف ويشيخ، ينم على أنه لم يبق لنا عمر طويل، بل صار الصوت عجوزا وهنا على شاكلتنا. يتبدل الصوت بتغير صاحبه، فقد يشى بثقة أكبر فى النفس، أو خذلان أو خجل وخضوع أو قوة وفخر أو خوف، لذا يقول المثل «تكلم حتى أراك«، وفى حالة الحديث نجد أن الصوت يعبر عن اللاوعى أكثر بكثير من العبارات الملونة والمنمقة التى نحاول اختيار كلماتها.
***

نأخذ نفسا عميقا يملأ الرئتين وتخرج الأصوات التى تلازمنا منذ لحظة الميلاد، فالطفل يصيح بمجرد أن يخرج من بطن أمه، ينتصر للحياة وهو لا يعرف الكلمات، يتأثر بما كان قد سمعه وهو فى بطن أمه، لذا ينصح البعض بالإكثار من سماع الموسيقى خلال فترة الحمل. يتعلم بالفعل الطفل مما يسمعه من أصوات، يتأثر بصوت أمه والأقرباء، ويكتسب طريقة كلامهم ولغوتهم ولهجتهم، فنعرف إذا كان من بحرى أم من قبلى.

يشى الصوت بأصول الشخص، حتى لو حاول التحايل فى مرحلة من العمر ليبدو بما ليس منه، لكن مع الكبر يرجع العجائز للحديث بلهجة الآباء. تشبه أصواتهم الأمهات والأجداد، فالصوت ميراث عائلى فى جزء منه، فيما الجزء الآخر مكتسب بحكم العوامل الثقافية والنفسية وبحكم تغير البيئة.

يبدأ الشخص فى تكوين صوته الخاص من سن الخامسة، كما يقول الخبراء. ثم تأتى فترة المراهقة بكل تطوراتها، سنوات محورية فى حياة الفرد وبالنسبة لصوته. يعرف من حولك أنك قد بلغت من بحة فى الصوت، كعلامة من علامات الرجولة المبكرة. تبرز تفاحة آدم، وتتمدد الأحبال الصوتية بسبب الهرمونات. وتبدأ رحلة جديدة للصوت بوصفه أداة جذب وإغواء، لدى النساء والرجال. يستخدموها كلما سنحت الفرصة واوتت الظروف، فتصيح فرحا وولعا أحيانا، مبشرة ببداية قصة.
***

ورغم أن الصوت يلازمنا على هذا النحو، إلا أننا لا نعيره اهتماما كافيا، إلا فى حالات قليلة مثل احتراف الغناء أو السياسة والعمل العام أو عندما نفقده تمام فنعرف قيمته. يلعب السياسى دورا آخر، ربما يلون صوت بغير حقيقته، خلال لحظات، هى مدة المداخلة التى ستذاع على الهواء مباشرة، يحاول أن يسيطر على الطفل بداخله فلا تظهر على صوته علامات الغضب. وعندما نغنى يأخذ كذلك الصوت مداه، نصبح شخصا آخر للحظات ونقول ما يريده هو وربما ما لا نقدر أن نفعله، يتقبلنا الناس ويحبوننا رغم كل شيء، ما قد يساعد فى التغلب على الخجل وقبول أنفسنا بأشكالها المختلفة. نشتغل على أصواتنا فنعرف أنفسنا بشكل أفضل. وتستمر أصوات العالم الخارجى فى ملاحقتنا مدى الحياة. أبواق السيارات وشدو البلابل ونعيق الغربان ولغط الكلام...

أصوات فى أصوات فى أصوات، مضروبة فى أعداد لا متناهية، تأتينا كل يوم، من ضمنها صوت صباح تغنى بفخر: «حالو يا حالو، رمضان كريم يا حالو. حل الكيس وإدينا بقشيش، لا نروح منجيش يا حالو. لياليك الحلوة الزينة، عالجمهورية هلوا. حالو يا حالو رمضان كريم يا حالوا (...) وأرضنا الحبيبة ما فيهاش أيد غريبة. والمجد للعروبة طول السنين يا حالو«، فتذكرنا بفترة حلم الاستقلال وأيام عاشها العرب كانوا يهددون بعدم حل الكيس والذهاب بلا عودة. فكرتنا بأيام كان هنالك ما يمكن أن نسميه عروبة. صوت من الأصوات التى تحمل ذاكرتنا.

نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصوت مرآة روحي الصوت مرآة روحي



GMT 22:58 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

شرارة كولومبيا!

GMT 22:58 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

نزار قباني العاشقُ بالنيابةِ عنّا!

GMT 22:58 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

من يحمي تراثنا المعماري والحضاري؟

GMT 22:58 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

العميد.. ومنهج البحث العلمي

GMT 22:58 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

وسام شعبي لمن يصنع المليار

GMT 03:09 2021 الجمعة ,26 آذار/ مارس

طريقة عمل السلمون بالزبدة

GMT 23:17 2020 الأحد ,20 أيلول / سبتمبر

البورصة العراقية تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 01:33 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

"غوغل" تعلن عن 100 ألف منحة دراسية تعادل الشهادات الجامعية

GMT 10:57 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

3 طرق سريعة لتسليك مواسير مطبخك

GMT 10:22 2020 الأربعاء ,11 آذار/ مارس

قرار عاجل من محافظة القاهرة بسبب كورونا

GMT 02:06 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

أب يغتصب طفلته لمدة 4 أعوام في البرازيل

GMT 00:28 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

تخلص من اسمرار البشرة بمكونات طبيعية

GMT 22:30 2019 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

مؤشر الأسهم البريطانية يغلق على ارتفاع الاثنين

GMT 14:23 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

مصر تتسلح لـ"أمم أفريقيا" بـ23 لاعبًا بينهم 7 محترفين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon