توقيت القاهرة المحلي 10:05:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفقراء والقطط السمان

  مصر اليوم -

الفقراء والقطط السمان

بقلم - أحمد جلال

فى أول زيارة لى لمدينة «ريو دى جانيرو» البرازيلية، منذ أكثر من ربع قرن، كنت شديد الانبهار بحيوية هذه المدينة، ومبانيها الشاهقة، وكورنيش «كوبا كابانا»، وتمثال المسيح المطل على الساحل من قمة جبل عالية فى البحر. فى نهاية اليوم الأول للزيارة قررت، مع صديقين آخرين، التريض على الشاطئ. وما إن عرف «كونسيرج» الفندق خطتنا حتى تطوع بنصيحة صادمة، فحواها أنه من الأفضل أن نترك محافظنا فى الفندق، وأن نحمل معنا 20 دولارا، لأنه من الوارد أن نتعرض لمحاولة سرقة بالإكراه. خياراتنا إذا ما حدث ذلك كانت إما إعطاء ما لدينا لنمر بسلام، أو الرفض وتحمّل ما يمكن أن يصيبنا من أذى على يد أحد ممن يعيشون على أطراف المدينة. علمت بعد ذلك أن المدينة محاطة بما يسمى «الفافيلاز» أو العشوائيات، وأن «ريو» المبهرة كان لها وجه آخر.

هذه القصة ليست حكراً على «ريو»، ولكنها سمة مشتركة لكثير من المدن الكبرى فى العالم، من القاهرة إلى نيويورك. إذا أرجأنا مناقشة قضية العدالة الاجتماعية، لا شك أن ظاهرة الفقر فى حد ذاتها تثير العديد من الأسئلة، منها: هل هذه الظاهرة حتمية؟ وهل يمكن التعايش معها مؤقتاً حتى يأتى الفرج؟ وما هى مسؤولية الدولة فى الحد منها؟

بداية، تؤكد البيانات أن ظاهرة الفقر ليست حتمية. الدول الإسكندنافية ليس بها فقراء، ولا يرجع ذلك فقط لثرائها، وإنما لأنها قررت أن توفر شبكة حماية شاملة ضد مخاطر فقر الدخل، والبطالة، وكبر السن، والمرض، والإعاقة. فى المقابل، يظهر الفقر بوجهه القبيح فى دول بثراء أمريكا، ربما لقناعة بما قاله «رونالد ريجان» فى ثمانينيات القرن الماضى من أن الفقراء هم أنفسهم من اختاروا ذلك.

مقولة عدم حتمية الفقر تنطبق أيضا على الدول ذات الدخول المتوسطة، وهى المجموعة التى تنتمى إليها مصر، حيث تشير بيانات البنك الدولى إلى تواضع نسبة من يعيشون على أقل من 1.9 دولار فى اليوم (مقاساً بالقوة الشرائية للأسعار فى 2011) فى الأردن (0.1%) وماليزيا (0.3%) والأرجنتين (1.7%)، مقارنة بالبرازيل (4.3%) وإندونيسيا (6.8%) والفلبين (8.3%).

إذا كانت ظاهرة الفقر ليست حتمية، هل يمكن القبول بها مؤقتاً حتى تتحسن الأمور؟ لا أظن ذلك لأسباب عديدة، منها ما هو أخلاقى، ومنها ما هو اجتماعى، ومنها ما هو فردى. من الناحية الأخلاقية، لن أخوض فيما قاله الفلاسفة، ويكفى الإشارة هنا إلى أن جميع الأديان تحض على التكافل الاجتماعى، وقد وصل الحد بعلى بن أبى طالب أن قال: لو كان الفقر رجلاً لقتلته. من ناحية السلام الاجتماعى، من المعروف أن المجتمعات التى يستشرى فيها الفقر تتزايد فيها معدلات الجريمة وعدم الاستقرار، وما علينا هنا إلا أن نتذكر مقولة أبى ذر الغفارى: عجبت لرجل بات جائعاً ولم يخرج على الناس شاهراً سيفه. من الناحية الأنانية البحتة، من الصعب على الأغنياء أن ينعموا بثرواتهم فى مجتمع من الحاقدين، وخير مثال على ذلك ما ذكرته عن مدينة «ريو».

إذا كانت هذه الحجج فى محلها، ظنى أن مواجهة الفقر يجب أن تحتل مرتبة عالية فى سلم أولويات أى حكومة، بحكم أنها تحتكر استخدام القوة، وسن القوانين، وصنع السياسات، وتخصيص الموارد. وإذا كان ذلك كذلك، فلدى حكومتنا من تجارب الدول الأخرى ما يمكنها الاستعانة به. أولاً، يمكنها تبنى سياسات تدفع بالنمو الاحتوائى إلى آفاق عالية، كما فعلت الصين. كما أنها تستطيع إعادة النظر فى منظومة المعاشات، والتأمين الصحى، والتأمين ضد البطالة، وتحفيز القطاع غير الرسمى على الاندماج فى الاقتصاد. وتستطيع أن تتبنى من الحوافز ما يشجع الأغنياء على العمل الخيرى، والتأكد من أنهم يدفعون نصيبهم العادل من الضرائب. لدينا بعض المحاولات الجادة على هذه المحاور، لكنها لا ترقى لطموحات الفقراء، وقد وصل عددهم لما يقرب من ثلث السكان طبقاً لآخر إحصاء للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

خلاصة القول: الفقر ليس قدراً لا مفر منه، وليس هناك ما يبرر قبوله على المستوى الأخلاقى، أو الاجتماعى، أو الفردى. صحيح أن القضاء عليه ليس ممكناً بين يوم وليلة، لكن إرادة التغيير والعمل الدؤوب لا يجب أن يغيبا عن الأفق.

نقلا عن المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفقراء والقطط السمان الفقراء والقطط السمان



GMT 09:13 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

مبروك للأبيض.. عقبال الأحمر

GMT 09:11 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

ماذا بعد رئيسى؟

GMT 02:27 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

تحشيش سياسي ..!

GMT 02:21 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

السلطة والدولة في إيران

GMT 12:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك
  مصر اليوم - افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 12:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
  مصر اليوم - أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 07:07 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

مندوب مصر يؤكد رفض بلاده العدوان على رفح
  مصر اليوم - مندوب مصر يؤكد رفض بلاده العدوان على رفح

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

تكريم نيللي كريم على جهودها لنشر الوعي الصحي
  مصر اليوم - تكريم نيللي كريم على جهودها لنشر الوعي الصحي

GMT 02:55 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

نيللي كريم تتحدث عن ظهورها في فيلم "كازابلانكا"

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

دي ليخت بين مطرقة عمالقة أوروبا وسندان برشلونة

GMT 18:43 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

خبير أرصاد يُحذّر من استخدام الكمامات في العاصفة

GMT 12:42 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

خطرٌ يُهدد حياتك بسبب النوم أكثر أو أقل من 8 ساعات يوميًا

GMT 02:16 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

بدران يؤكد أن الموز يُخفّف حموضة المعدة

GMT 12:55 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

مباراة توتنهام ضد تشيلسي تخطف الأضواء في الدوري الإنكليزي

GMT 03:34 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

مميزات استخدام ديكور الجدران الخرسانية في غرف النوم

GMT 21:44 2018 الأحد ,09 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جديدة مثيرة في واقعة "مذبحة الشروق"

GMT 23:32 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

صخرة برشلونة مهددة بالغياب عن مواجهة فياريال

GMT 15:00 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

محمد الحنفى يؤكد انتظاره إدارة القمة منذ 3 سنوات

GMT 05:38 2018 الجمعة ,20 إبريل / نيسان

انطلاق أول رحلة لطائرة في الصيف "Stratolaunch"

GMT 10:06 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

هادجنز تتألق في تقديم مجموعة "سينفول كلورز"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon