توقيت القاهرة المحلي 18:24:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل من دولة نقتفى أثرها؟

  مصر اليوم -

هل من دولة نقتفى أثرها

بقلم-أحمد جلال

ما زلت أذكر، بعد أكثر من عشر سنوات، سؤالا طرحه على محاور جاد فى أحد برامج التليفزيون المصرى: لماذا لا نحذو حذو دبى فى جذب الاستثمار؟ وكان ردى أن هذه المقارنة فى غير محلها، على خلفية أن دبى تشبه «فلوكة» صغيرة فى عرض  النيل، ومصر تشبه سفينة كبيرة فى عمق البحر الأبيض المتوسط. ضربة واحدة من المجداف كفيلة بتحويل مسار «الفلوكة» إلى اليمين أو اليسار، أما حركة السفينة فتتطلب وقتا وجهدا كبيرين، فضلا عن معرفة جيدة بعمق المياه، وما بها من تضاريس صخرية وأعشاب مرجانية. لم يكن قصدى من هذا التشبيه عدم تقديرى لتجربة «دبى» المبهرة، وإنما التأكيد على أن مصر ليست دبى.
مرت الأيام والسنوات وما زال السؤال يتردد هنا وهناك، ومعه يتم طرح أسماء دول تصلح، من وجهة نظر قائليها، أن تكون نبراسا لنا. أمام هذا الإصرار، هل هناك حقا دولة يمكن أن نقتفى أثرها كى نتقدم؟ أم أن مصلحة مصر تقتضى الاعتماد على التراكم المعرفى والدروس المستفادة من تجارب التنمية بشكل عام؟ وإذا كانت الإجابة على هذين السؤالين بالنفى، هل هناك رأى ثالث أكثر رجاحة؟

فيما يخص السؤال الأول، ظنى أن الدولة التى يجب أن نقتفى أثرها غير موجودة على ظهر البسيطة. هذه الدولة ليست الصين أو الهند، وليست ماليزيا أو هونج كونج، وليست البرازيل أو المكسيك، وليست فرنسا أو أمريكا. مصر، كغيرها من الدول، لها من السمات الخاصة ما يمنع استنساخ تجارب أى من هذه الدول. بالطبع نشترك مع بعض الدول فى بعض السمات، مثل حجم السكان، أو مستوى التنمية، أو تميز الموقع الجغرافى. لكن من المؤكد أيضا أننا نختلف فى بعض النواحى الأخرى، على الأقل بحكم التاريخ، والجغرافيا، ووفرة الموارد الطبيعية، ومعطيات الواقع الاقتصادى، وكفاءة المؤسسات. هذه الاختلافات تطيح بفكرة اتخاذ أى دولة نبراسا لنا على طريق التقدم.

ماذا عن الاعتماد على التراكم المعرفى والدروس المستفادة من تجارب التنمية بشكل عام؟ وجاهة هذا الرأى تتأتى من أنه يختصر الطريق علينا، ويجنبنا مشقة اختراع العجلة، وقد تم اختراعها. والحقيقة أن هناك ثروة معرفية متاحة لكل من يريد الحصول عليها فى شتى القضايا، بدءا من الاستثمار والنمو، مرورا بقضايا البطالة والتضخم، إلى قضايا الحماية والعدالة الاجتماعية. ومع ذلك، يبدو أن اتباع ما تم التوافق عليه بحذافيره يقوم على فرضية أن الروشتة التى تصلح للسعودية هى نفس الروشتة التى تصلح لتونس، رغم اختلاف الدولتين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. تطبيق نفس الروشتة على الدول رغم اختلافها، يفترض أن هناك مقاسا واحدا يصلح للجميع، وهذا غير صحيح. هل هذا ما يفعله صندوق النقد الدولى فيما يقترحه على الدول التى تواجه مشاكل حادة من برامج؟ هذا سؤال جاد يستحق إجابة جادة، لكن ذلك أمر متروك لمقال آخر.

ما يهمنا هنا، هل من سبيل للتوفيق بين الرأيين السابقين، أى بين خصوصية كل دولة وعمومية الدروس المستفادة من خبرات الدول؟ المنطق يقول إن الدول الطامحة إلى تحقيق قفزة تنموية ليس أمامها سوى الاستفادة من الخبرات المتراكمة، مع تعديل هذه الخبرات طبقا لظروفها الخاصة. تطبيقا لهذا المبدأ فى مسألة مناخ الاستثمار، المعروف أن المستثمر يذهب حيث يكون العائد على الاستثمار مرتفعا والمخاطر منخفضة. من المعروف أيضا أن العوامل المؤثرة فى عوائد الاستثمار والمخاطر تشمل الاستقرار السياسى والاقتصادى، ووفرة البنية الأساسية، وانخفاض تكلفة المعاملات، وغياب المفاجآت غير المحسوبة، وليس بالضرورة ما تقدمه الدول من إعفاءات ضريبية أو جمركية. ترجمة هذه المعرفة لروشتة إصلاح محددة فى الحالة المصرية فى ظل الظروف الراهنة يعنى أننا فى حاجة للتركيز على حل مشاكل البيروقراطية، والامتناع عن منح إعفاءات لا مبرر لها، وإنعاش الحياة السياسية، خاصة أننا قطعنا شوطا معقولا نحو الاستقرار الأمنى، وتوازن الاقتصاد الكلى، ووفرة البنية الأساسية.

عودة للسؤال المطروح فى البداية، ظنى أن البحث عن دولة مثلى لاقتفاء أثرها ليس مفيدا، وقد حان وقت الإقلاع عنه. وظنى أيضا أن فرصتنا فى النجاح تتزايد بالاعتماد على الدروس المستفادة من التجارب الدولية، لكن بعد تطويع هذه التجارب لتتلاءم مع ظروفنا الخاصة.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل من دولة نقتفى أثرها هل من دولة نقتفى أثرها



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 15:42 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
  مصر اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 09:48 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

أستون فيلا ضيفًا على فولهام في الدوري الإنجليزي

GMT 23:11 2020 الثلاثاء ,08 أيلول / سبتمبر

البورصة العراقية تغلق التعاملات على تراجع

GMT 10:11 2020 الإثنين ,24 آب / أغسطس

عبد السلام بنجلون يتعافى من كورونا

GMT 20:36 2020 الأربعاء ,22 تموز / يوليو

حصيلة وفيات كورونا في المكسيك تتخطّى 40 ألفاً

GMT 21:47 2019 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

باسم مرسى يشعل السوشيال ميديا بصورة مع زوجته وابنته

GMT 20:14 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة 4 وإصابة 6 في انقلاب سيارة واشتعالها على طريق السويس

GMT 01:10 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

بلجيكا أول المتأهلين إلى نهائيات كأس أمم أوروبا

GMT 20:17 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

8 لاعبين في "أشرس صراع" على الكرة الذهبية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon