توقيت القاهرة المحلي 13:00:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«تسييس» السياسات الاقتصادية

  مصر اليوم -

«تسييس» السياسات الاقتصادية

بقلم - أحمد جلال

كان لأحد أصدقائى، وهو متخصص فى اقتصاديات البنوك، وجهة نظر فى شرح ظاهرة «رسملة» البنوك العامة بشكل متكرر كل 10 سنوات تقريبا. «رسملة» البنوك هنا تعنى ضخ أموال حكومية لتصحيح خلل فى ملاءة البنوك المالية عندما يتآكل رأسمالها تحت وطأة الخسائر المتراكمة من جراء الإقراض السيئ. منطق جيرالد كابريو، أو جيرى كما كنا نسميه، أن الحكومات تستخدم البنوك العامة لتحقيق أغراض سياسية عن طريق إصدار توجيهات، مكتوبة أو غير مكتوبة، بإقراض أطراف بعينها.

بالطبع تنعكس هذه الممارسات على ربحية البنوك آجلا أو عاجلا، مما يحتم ضخ أموال جديدة لمساعدتها على استعادة توازنها المالى، أو ملء الإناء للاغتراف منه من جديد. يتحمل عبء هذا الفشل دافعى الضرائب بشكل مباشر، والاقتصاد بأكمله بشكل غير مباشر، فى شكل ضياع فرص استثمار مجزية، ومعها ما كان يمكن تحقيقه من فرص عمل وأرباح وإيرادات ضريبية للخزانة العامة.

القضية التى تثيرها هذه الظاهرة هى قضية «تسييس» القرارات الاقتصادية، أى اتخاذ قرارات اقتصادية بدوافع سياسية، سواء كانت نبيلة أو غير نبيلة. فى هذا الإطار، دعونا نتساءل: هل «تسييس» السياسات الاقتصادية ظاهرة تستحق التوقف عندها؟ وهل لنا فى مصر نصيب منها؟ وما هو السبيل لفض الاشتباك بين السياسة والاقتصاد، إن كان ذلك ممكنا؟

فيما يتعلق بانتشار ظاهرة «تسييس» السياسات الاقتصادية، هناك من الدلائل ما يؤكد حضورها فى الدول النامية والمتقدمة على حد سواء. على سبيل المثال، كيف لنا أن نفسر الحرب التجارية التى يشنها «ترامب» الآن على الصين دون ربطها بشعار «أمريكا أولا» الذى تبناه فى حملته الانتخابية لكرسى الرئاسة؟ وكيف لنا أن نفسر خروج إنجلترا من الاتحاد الأوروبى دون أن يكون ذلك مرتبطا باستجابة الساسة لتزايد حساسية الإنجليز تجاه الهجرة؟ وأخيرا، لماذا يلجأ الساسة فى الأرجنتين، وغيرها من الدول، إلى اتباع سياسات توسعية قبيل الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، حتى فى ظل ارتفاع معدلات التضخم، سوى إرضاء الناخبين؟ تتعدد القرارات الاقتصادية وتبقى الدوافع السياسية فى القلب منها.

بعيدا عن هذه الأمثلة المتناثرة وبالتركيز على مصر، يؤكد تاريخنا منذ عام 1952 أننا لسنا استثناء لهذه القاعدة. دون الحكم على الأشخاص أو التجارب ونتائجها، من الصعب إنكار أن عبد الناصر كان متحيزا للطبقتين الفقيرة والمتوسطة، ومن هنا كانت قرارات مجانية التعليم والخدمات الصحية، وقرارات التأميم، وضمان وظائف لخريجى التعليم فى الحكومة. فى فترتى السادات ومبارك، يبدو أنهما كانا متحيزين للطبقة الرأسمالية، الجيد منها والخبيث، ولم يكن لديهما الاستعداد لإغضاب الطبقتين الفقيرة والمتوسطة. ومن هنا كان الانفتاح الاقتصادى الذى صاحبته سياسات تفضيلية لمن ساندوا النظام، وإحجام عن تحريك للأسعار خوفا من رد فعل الشارع بعد مظاهرات 1977. بالنسبة للبنوك العامة، لم يتردد أى من الرؤساء الثلاثة فى استخدامها لإقراض شركات وهيئات عامة خاسرة، أو إقراض نخبة مختارة من القطاع الخاص منذ منتصف السبعينيات. النتيجة غير المدهشة، كما توقع كابريو، أن البنوك العامة حظيت بدعم مالى لرأسمالها دوريا، أحدها على ما أذكر فى أوائل التسعينيات، وثانيها فى منتصف العقد الأول من القرن الحالى.

هل يعنى هذا أن السياسة يمكن، أو يجب، فصلها عن القرارات الاقتصادية؟ لا أظن ذلك. نقطة البداية هى أن الرشادة الاقتصادية، بمعنى تخصيص الموارد بشكل يحقق أكبر منفعة للمجتمع، والرشادة السياسية، بمعنى تخصيص الموارد لصالح من يحكمون أو من يسعون إلى الحكم، لا يتوافقان فى كثير من الأحيان. لتقليل هذه الفجوة تبنت الدول المتقدمة والدول الناهضة منظومة سياسية تجبر الساسة على الاستجابة لمطالب الأغلبية والمساءلة عن الحيد عنها، فى إطار يحترم سيادة القانون، ويضمن استقلالية ومهنية الإعلام. فى المقابل، فشلت الدول غير المتقدمة فى تبنى مثل هذه المنظومة، بتنويعاتها المختلفة، مما تركها عُرضة لقرارات اقتصادية غير رشيدة.

عودة لظاهرة «رسملة» البنوك العامة، حتى وإن جاءت تحت عناوين براقة مثل الإصلاح المالى، فالحقيقة أن جذور المشكلة أعمق من مجرد سوء إدارة محافظها المالية. السبب الحقيقى للابتعاد عن معيار الرشادة الاقتصادية، فى هذه الحالة وفى غيرها، يكمن فى غياب الديمقراطية الناضجة، ومعها غياب المساءلة عما يتم اتخاذه من قرارات. مصر ليست استثناء لهذه القاعدة.

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«تسييس» السياسات الاقتصادية «تسييس» السياسات الاقتصادية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 17:19 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا
  مصر اليوم - لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا

GMT 11:25 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

شمس البارودي تهاجم الشللية في الوسط الفني بسبب نجلها
  مصر اليوم - شمس البارودي تهاجم الشللية في الوسط الفني بسبب نجلها

GMT 06:13 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 02 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 04:43 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تدعم حظر الهواتف المحمولة في المدارس الابتدائية

GMT 02:17 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

فيسبوك تقضي على Zoom بعد إطلاق App Lock

GMT 19:18 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حريق محدود بـ كابل كهرباء في الطالبية بمحافظة الجيزة

GMT 17:32 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

22 لاعبًا في قائمة الزمالك لمواجهة الإسماعيلي في الدوري

GMT 14:01 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

مقتل 18 جندياً في باكستان على يد مسلحين

GMT 10:28 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

إنفانتينو يقرب السعودية من تنظيم كأس العالم 2034

GMT 20:45 2022 السبت ,04 حزيران / يونيو

انطلاق كأس العالم للرماية الأحد المقبل

GMT 23:18 2021 الأربعاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

أبرز 5 سيارات كورية طرحت في السوق المصري لعام 2021

GMT 09:05 2021 الأربعاء ,10 آذار/ مارس

طريقة عمل الروستو

GMT 10:12 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

والدة طفلة التعرية ترفع قضية إثبات نسب جديدة

GMT 06:22 2020 الجمعة ,02 تشرين الأول / أكتوبر

السيسى يصدق على تعديل بعض أحكام قانون السجل التجارى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt