بقلم - جودة عبد الخالق
سبع سنوات مضت منذ اندلاع شرارة الثورة فى كل من تونس و مصر. ثورتا الياسمين و اللوتس، كما شاعت تسميتهما. فما الذى تحقق؟ وتقتضى الإجابة عن هذا السؤال التوصيف العلمى لهذين الحدثين المُزَلْزِلَين. علميا، ما حدث هو انطلاق ثورة و ليس اندلاع فوضى أو نكبة أو هوجة كما تروج بعض الأوساط. فـ “الثورة” فى نطاق تطور الأمم هى عملية تغيير جذرى فى أوضاع المجتمع- تغيير واسع و عميق. و للثورات قانون عام يحكم حركتها. منطوقه: الثورة تستغرق وقتا طويلا. و تمر بعدة مراحل من المد و الجذر و الفوضى. و تتبادل خلالها قوى الثورة و القوى المضادة المواقع بين الانتصار و الانكسار. و لها دائما ضحاياها؛ بل إنه كثيرا ما أكلت الثورة أبناءها! على سبيل المثال، الثورة الإنجليزية استمرت أكثر من ثمانين عاما (1603- 1688)، و مرت بأربع مراحل. و الثورة الفرنسية استغرقت أكثر من ربع قرن (1789-1815)، و مرت بست مراحل عادت فى إحداها أسرة البوربون إلى السلطة.
والملاحظ أن الدوائر الغربية تُرَوِّجُ لمقولة أن تونس نجحت فى إنجاز تحول ديمقراطى و أن مصر فشلت فى ذلك. و الصحيح هو أن تونس ربما قطعت خطوات أكبر من مصر على طريق التحول الديمقراطى. لكن هذا لا يعنى أن تونس نجحت و مصر فشلت. فالمقارنة بين الحالتين لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار ما يسمى الشروط الأولية. ففى حالة تونس، كان للإجراءات الاجتماعية التى طبقها بورقيبة مثل نشر التعليم و تمكين المرأة فضل كبير فى تقوية المجتمع المدنى. كما أن النقابات العمالية فى تونس ظلت مستقلة عن السلطة إلى حد كبير. أما فى مصر، فقد نتج عن التأميمات واسعة النطاق فى عهد عبدالناصر إخضاع التنظيمات العمالية لنفوذ الدولة. و بينما بقى الجيش فى تونس بعيدا عن حلبة السياسة، لعبت القوات المسلحة فى مصر دورا مهما فى الحياة العامة.
وبعد انتصار أَوَّلِى لقوى الثورة فى كلا البلدين، فإن القوى المضادة استعادت الزمام فى المرحلة الحالية. يجسد ذلك فى تونس سيطرة حركة نداء تونس بالشراكة مع حزب النهضة، و فى مصر هيمنة إئتلاف دعم مصر. و هى قوى يمينية مضادة للثورة. و لذلك هناك إحساس بالإحباط الشعبى فى البلدين لأن شعار العدالة الاجتماعية الذى رُفِعَ عاليا فى المرحلة الأولى لم يتحقق. وبينما وجدت حالة الإحباط فى تونس تعبيرا لها فى المظاهرات التى اندلعت مؤخرا، حالت القبضة الأمنية الشديدة فى مصر مؤقتا دون اندلاع مظاهرات كمتنفس لحالة الإحباط. من هنا تبدو أهمية رصد طبيعة المسار العام فى البلدين منذ اندلاع الشرارة الأولى، و فهم حقيقة ما يجرى. و بناء عليه، فإن من السابق لأوانه القول بأن الثورة قد فشلت لمجرد أن قوى الثورة المضادة قد استعادت السيطرة. فكما يحدثنا تاريخ الثورات، هذه مجرد مرحلة ستعقبها مراحل أخرى، و ليست نهاية المطاف.
منذ سبع سنوات، هتفت الجماهير فى كل من مصر و تونس “الشعب يريد إسقاط النظام” و “عيش.. حرية.. عدالة إجتماعية”. وقد نجحت قوى الثورة فى إسقاط رأس النظام فقط، و لم تتغير السياسات الاقتصادية والاجتماعية التى ثار الناس ضدها. و تمت سرقة الثورة مرتين حتى الآن. فى الأولى كان السارق هو قوى الإسلام السياسى اليمينية (بقيادة حزب النهضة فى تونس و جماعة الإخوان فى مصر). و فى الثانية كان السارق هو عناصر النظام القديم بعد استعادتها مواقع السلطة و اتخاذ القرار. لذلك بقى استحقاق العدالة الاجتماعية فى البلدين حتى الآن ينتظر الإنجاز. وسيكون هذا دافعا لفوران اجتماعى فى صورة موجات ثورية متكررة. فالبندول لن يظل طويلا فى خانة الظلم والطغيان. الخلاصة أن ثورتى مصر وتونس ما زالتا فى مراحلهما الأولى. ومن الخطأ إصدار حكم عليهما بعد مرور سبع سنوات فقط. و سنظل نتلقى العزاء فى الثوار، لكن لن نتلقى العزاء فى الثورة. فالثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها.
حكمة اليوم:
(من قصيدة “نَكْبَةُ دمشق” لأمير الشعراء)
وللأوطانِ فى دَمِ كُلِّ حُرٍّ
يدٌ سَلَفَت و دَيْنٌ مُسْتَحَقُّ
ولا يَبْنِى المَمَالِكَ كالضحايا
و لا يُدْنِى الحُقوقَ و لا يُحِقُّ
وللحريةِ الحمراءِ بابٌ
بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
نقلا عن الاهالي القاهريه