توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مأزق التصنيع الرأسمالى الوطنى (3)

  مصر اليوم -

مأزق التصنيع الرأسمالى الوطنى 3

بقلم - د. طه عبد العليم

تشكلت لجنة التجارة والصناعة في مارس 1916, وضمت ممثلي الرأسمالية في الصناعة المصرية، وكان تشكيلها تعبيرا عن تطلع الرأسمالية في مصر بجميع أقسامها ـ الأجنبية الوافدة، والمقيمة المتمصرة، والوطنية المصرية- الي مضاعفة مكاسبها من الأرباح الصناعية، في ضوء ما أبرزته الحرب العالمية الأولي من فرص متاحة وامكانات كامنة. وعقب ثورة 1919، التي مثلت المقدمة السياسية للانقلاب الصناعي الرأسمالي الوطني تحت قيادة بنك مصر، أخذت الحكومات المتعاقبة بكثير من توصيات اللجنة.

وأسجل، أولا، أنه امتدادا لدور بريطانيا في تصفية مشروع محمد علي لتصنيع مصر، أعلن لورد كرومر، ممثل سلطات الاحتلال البريطاني والحاكم الفعلي لمصر تحت الاحتلال: أن سياسة الحكومة تتلخص في: أولاً, تصدير القطن الي أوروبا، وثانياً، استيراد المنسوجات القطنية من الخارج؛ مضيفا أنه ليس في نية الحكومة أن تحمي صناعة القطن المصري، لما في ذلك من ضرر ومخاطر!! متجاهلا أنه لا صناعة حديثة بغير زراعة متطورة. وفي ظل السياسة الاستعمارية، كان منطقيا أن تتراكم خسائر الشركة المصرية الانجليزية ولم تنج من الانهيار إلا بزوال النظام المعادي للصناعة الذي نشأت في ظله. وثانيا، أن لجنة التجارة والصناعة في تقريرها، الذي صدر في ديسمبر 1917، لخصت أهم المشكلات التي تواجه تأسيس وتطوير الصناعة الحديثة، وأبرزت غياب حماية الانتاج المصري باعتباره أهم المشكلات، وطالبت اللجنة بتعديل النظام الجمركي الذي لم يستهدف سوي زيادة الدخل وتجاهلت احتياجات تنمية الإنتاج القومي. كما قدمت اقتراحات استهدفت فتح الطريق أمام تأسيس وتطوير الصناعة الحديثة في مصر، وابرزت مشكلات تمويل الصناعة، وارتفاع نفقات الوقود، وضيق سوق استهلاك المصنوعات، ونقص العمالة الفنية. وإقرار اعفاءات ضريبية للصناعة، وخفض أجور النقل بالسكك الحديدية، ومنح الأفضلية في المناقصات الحكومية للمصنوعات المصرية، وفتح مدارس ومعاهد صناعية, وتقديم القروض لإنشاء وتطوير بعض الصناعات، والتوسع في منح المساعدات المالية للمشروعات العامة المفيدة للصناعة، وانشاء بنك لمساعدة الصناعة، واحلال محركات الديزل المستهلكة للمازوت محل المحركات البخارية، وانشاء مصلحة حكومية للاشراف علي تطور التجارة والصناعة.

وثالثا، أن بريطانيا- تحت ضغط ثورة 1919- قد اضطرت إلي إصدار تصريح 22 فبراير 1922، الذي اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة. ورغم ما عرف بـالتحفظات الأربعة، التي جعلت هذا الاستقلال شكليا، فقد تمكنت مصر استنادا اليه من إصدار دستور 1923. وفي إطار ما انتزعته مصر من حقوق السيادة ومن زاوية التحول في السياسة الاقتصادية وتعزيز الادارة الوطنية للاقتصاد تضمنت نصوص الدستور مواد عززت الرقابة البرلمانية علي ميزانية الدولة، واستهدفت حماية الموارد الوطنية، وقننت فرض الضرائب. كما جري انتخاب أول برلمان في مصر في عام 1924, وحازت فيه قيادة الثورة- ممثلة في حزب الوفد- علي 195 مقعدا من 214 مقعدا، وأصدر البرلمان قرارات منها: وقف اختيار الأجانب كممثلين للحكومة بالشركات الأجنبية، وتأكيد أفضلية المنتجات والشركات الوطنية في المشتريات والعطاءات الحكومية، وزيادة التمويل الحكومي للتعليم.. الخ.

ورابعا، أن الدستور قد نص علي أنه لا يجوز إنشاء ضريبة أو تعديلها أو الإعفاء منها إلا بقانون، وفي مواجهة عقود الامتياز التي منحت بلا ضابط، نص الدستور علي أن كل التزام موضوعه استغلال مورد من موارد الثورة الطبيعية في البلاد أو مصلحة من مصالح الجمهور العامة لا يجوز منحه إلا بقانون ولزمن محدود. وإن ظل النصان مقيدين حتي انتهاء الامتيازات الأجنبية في عام 1937. واتخذ البرلمان قرارات استهدفت إعادة السيادة القومية في مجال صنع السياسات الاقتصادية، خاصة النقدية والمالية، واتجهت الي دعم الرأسمالية الصناعية والزراعية الوطنية الصاعدة. وقد ساند حزب الوفد مطالب بنك مصر تحت قيادة مؤسسة طلعت حرب، وأعلن موقفه الداعم للصناعة القومية بنداء وجهه إلي الشعب في عام 1992؛ داعياً المصريين إلي إيداع أموالهم في بنك مصر وشراء أسهمه ليتسني له أن يساعد في إحياء المشروعات الوطنية، وتفضيل المصنوعات الوطنية والإعلان عنها وتشجيع الإقبال عليها، وتفعيل التعامل مع التاجر المصري ومقاطعة التاجر الإنجليزي مقاطعة تامة.

وخامسا، أن الحكومة قد منحت الأولوية في المشتريات الحكومية لمنتجات الشركات الصناعية المحلية، وقدمت قروضا للصناعة، وأودعت لدي بنك مصر مبالغ بهدف إقراض الصناعة، ثم قررت تأسيس البنك الصناعي واكتتبت بأغلبية في أسهمه. واستجابة لتهديد أصحاب مصانع النسيج بوقف الانتاج بسبب تراجع أرباحهم- نتيجة لأزمة الثلاثينيات الاقتصادية، ثم فرض التسعيرة الجبرية للأقمشة خلال الحرب العالمية الثانية- قررت الحكومة تقديم دعم من القطن الرخيص. وتحت ضغط اتحاد الصناعات جاءت التعريفة الجمركية موفقة الجهد بين مقتضيات حماية وتطور الانتاج المحلي وحاجات الخزانة المتزايدة، ثم تقرر منح إعفاءات للسلع الانتاجية والمواد الأولية المستوردة، وزيادة الرسوم علي الواردات من غزل ونسج القطن السميك والمتوسط، وفرض رسوم أعلي علي تشكيلة كبيرة من السلع الاستهلاكية المستوردة. وزادت عناية الحكومة بالتعليم الصناعي فتضاعف نحو عشر مرات معدل النمو السنوي لأعداد طلاب المدارس والمعاهد الصناعية. ورغم شروط العمل القاسية وظروفه الصحية السيئة وانعدام الحماية القانونية لعمال الصناعة قاوم اتحاد الصناعات المصرية- وساندته الحكومة- صدور التشريعات العمالية الاجتماعية والنقابية.

وباختصار، فان النظام البرلماني الليبرالي في فترة ما بين ثورة 1919 وثورة 1952 لم يكن مجرد واجهة شكلية أقامها الاستعمار والقصر، وإنما انتزعته الحركة الوطنية في غمار صراعها ضدهما. وفي ظله استجابت السياسة الاقتصادية- وإن جزئيا وتدريجيا- لاحتياجات التصنيع الرأسمالي الوطني كما عبرت عنها مجموعة بنك مصر تحت قيادة طلعت حرب.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مأزق التصنيع الرأسمالى الوطنى 3 مأزق التصنيع الرأسمالى الوطنى 3



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt