توقيت القاهرة المحلي 20:40:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخطر الداخلي الذي يهدد أميركا!

  مصر اليوم -

الخطر الداخلي الذي يهدد أميركا

بقلم - عثمان ميرغني

من روسيا إلى الصين، توسع أميركا تحركاتها وخططها العسكرية والسياسية والاستراتيجية لمواجهة ومحاصرة ما تراه خطراً يتهدد مصالحها ونفوذها. هذا الكلام عن الخطر الخارجي يطغى على خطر آخر متعاظم يهدد أميركا من الداخل.
الرئيس جو بايدن تحدث عن هذا الخطر في خطابه هذا الأسبوع عن مذبحة بافالو بولاية نيويورك التي راح ضحيتها عشرة أشخاص من الأميركيين الأفارقة على يد مسلح مراهق متأثر بالأفكار المسمومة للتيار اليميني العنصري المتطرف. الإعلام الأميركي أيضاً في تناوله لهذه المذبحة حفل بالمقالات والتعليقات التي تحذر من تنامي خطر هذا التيار على السلم المجتمعي وعلى الديمقراطية الأميركية، لا سيما بعد تغلغل أفكاره بما فيها ما يعرف بـ«نظرية الاستبدال» في أوساط بعض السياسيين، ومنهم شخصيات بارزة في الحزب الجمهوري، والترويج الذي تجده من بعض الإعلاميين المحسوبين على تيار اليمين المتشدد.
بايدن الذي وصف هجوم بافالو بأنه إرهاب محلي دعا الأميركيين إلى مواجهة أفكار الكراهية ورفض «كذبة نظرية الاستبدال العنصري» التي يروج لها اليمين العنصري المتطرف، والتي غذت أفكار كثيرين، منهم مهاجم بافالو، بايتون جيندرون، الذي لم يتجاوز عمره 18 عاماً.
«نظرية الاستبدال» باختصار تقوم على أن هناك نخبة من الليبراليين تحاول تدمير الثقافة والأعراق البيضاء في الغرب، من خلال الاستبدال المنهجي للسكان البيض عبر استراتيجيات تشمل الهجرة الجماعية من آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية من ذوي الخصوبة العالية من غير البيض، للدول الغربية التي تعاني من خصوبة منخفضة وتراجع ديموغرافي وسط شرائح المواليد وصغار السن في الوقت الذي ترتفع فيه نسبة كبار السن. ووفقاً لهذه النظرية العنصرية، فإن استقبال أي مهاجرين يعني عملياً «إبادة جماعية للبيض» من خلال استبدال المهاجرين الملونين بالسكان البيض.
هذه الأفكار العنصرية غذت معظم العمليات العنصرية الإرهابية التي شهدتها أميركا وبعض الدول الغربية في السنوات الأخيرة. صحيح أن هناك البعض الذي يحاول التقليل من خطورة هذه الهجمات على أساس أنها كلها قامت بها «ذئاب منفردة» ولا تقف وراءها شبكة منظمة لها آيديولوجيتها وقياداتها وتمويل مركزي وأدوات إعلامية. لكن هذه الحجة لا تصمد أمام حقيقة أن غالبية الهجمات التي استهدفت شرائح عرقية ودينية معينة وسط الأميركيين أو في دول غربية أخرى يربطها خيط واحد مشترك وهو آيديولوجية تفوق العرق الأبيض، وأن المهاجمين الذين شنوا تلك الهجمات كانوا ناشطين على مواقع على الإنترنت تغذي تلك الأفكار.
ففي الهجوم على متجر وول مارت في إل باسو بولاية تكساس في أغسطس (آب) 2019 الذي أدى لمقتل 21 شخصاً، نشر المهاجم، وهو رجل أبيض يبلغ من العمر 21 عاماً، بياناً على شبكة «شان 8» يقول فيه إن الهجوم في المدينة الحدودية كان «رداً على غزو الهسبانك لتكساس».
وفي يونيو (حزيران) 2015، أدى هجوم على كنيسة للأميركيين الأفارقة في تشارلستون بولاية ساوث كارولينا، أيضاً من قبل شخص من أنصار نظرية تفوق العرق الأبيض، إلى مقتل تسعة أشخاص.
وفي أبريل (نيسان) 2019، وقع إطلاق نار على كنيس يهودي في سان دييغو بولاية كاليفورنيا قام به شاب عمره 19 عاماً كان ينشر أيضاً رسائل كراهية عنصرية على موقع «شان 8»، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخرين. وقال المهاجم إنه كان مدفوعاً بالهجوم الإرهابي على مسجدين في «كرايستشيرش» بنيوزيلندا، الذي نفذه متطرف يميني آخر اسمه برنتون تارانت، وراح ضحيته 51 مسلماً في مذبحة دموية روعت العالم.
ووفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي»، فإن جرائم الكراهية في أميركا ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ 12 عاماً، مع تزايد الاعتداءات، خصوصاً ضد الأميركيين من أصول أفريقية، والآسيويين على يد أنصار آيديولوجية سمو العرق الأبيض، والمؤمنين بنظرية الاستبدال السكاني.
لكن برغم التحذيرات من منظمات الحقوق المدنية، والنخب السياسية والثقافية والدينية، تظل الحلول الجذرية بعيدة المنال. فأحد الحلول المقترحة هو تحريم بيع الأسلحة الهجومية، مثل الرشاشات الآلية التي باتت تستخدم كثيراً في هذه الهجمات العنصرية والتي أدت إلى تزايد أعداد الضحايا بشكل هائل خلال السنوات الماضية. فمنذ 1968 وحتى 2017 قتل مليون ونصف المليون أميركي في هجمات بإطلاق النيران، ومع ذلك فإن لوبي السلاح في أميركا يقف بصرامة أمام أي محاولات لإصلاح تشريعات مبيعات الأسلحة الهجومية في أميركا. كما أن هناك حاجة لإعادة مراجعة قوانين حرية التعبير على الإنترنت التي لا يواجه بعضها خطاب الكراهية العرقية المنتشر بكثافة في الكثير من غرف الدردشة السرية.
صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت، يوم الاثنين الماضي، افتتاحية باسم مجلس تحرير صفحات الرأي، تحذر فيها من الفكر الذي يسمم عقول الناس من أمثال المراهق الذي ارتكب جريمة بافالو. وقالت إن «الحياة الأميركية تتخللها عمليات إطلاق نار جماعي توصف بشكل روتيني بأنها فردية. لكن هذه الهجمات ليست أعمالاً عشوائية. إنها جزء من التاريخ الأميركي الطويل للعنف السياسي الذي يرتكبه العنصريون البيض ضد السود وغيرهم من الأقليات». وأشارت إلى أن عدداً من السياسيين في الحزب الجمهوري بمن فيهم بعض كبار قادته يتبنون علانية نسخاً من «نظرية الاستبدال»، وهو ما يؤكد عمق الظاهرة وخطورتها، لا سيما بعدما أظهرت استطلاعات الرأي التي نشرت أخيراً أن ثلث الأميركيين عموماً وما يقرب من نصف مؤيدي الحزب الجمهوري يعتقدون أن المهاجرين يتم جلبهم إلى الولايات المتحدة في إطار هذه المؤامرة.
مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي وأجهزة الاستخبارات في عدد من الدول الغربية تعتبر الإرهاب اليميني المتطرف خطراً جدياً، وأن الأفكار العنصرية المتطرفة التي يبثها هذا التيار لا تثير الانقسامات فحسب، بل كانت المحفز للعديد من الهجمات والمذابح العنصرية التي وقعت خلال العقد الأخير، واستهدفت الأقليات والمهاجرين لأسباب عرقية أو دينية.
أميركا كانت مسرحاً لأكثر هذه العمليات، وأرضاً خصبة لأفكار اليمين العنصري المتطرف وأصحاب «نظرية الاستبدال»، وظاهرة الانقسام المجتمعي فيها تتعمق، والخطر ماثل أمام العيان ويكبر سواء من خلال تزايد الهجمات أو في حجم التحدي للدولة ومؤسساتها الديمقراطية مثلما ظهر في الهجوم على مقر الكونغرس بداية العام الماضي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخطر الداخلي الذي يهدد أميركا الخطر الداخلي الذي يهدد أميركا



GMT 20:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 20:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 20:49 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 20:45 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 08:11 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

رحلة سياحية لاكتشاف فرنسا بعيون جديدة في عام 2026
  مصر اليوم - رحلة سياحية لاكتشاف فرنسا بعيون جديدة في عام 2026

GMT 08:26 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

نباتات تضيف لمسة طبيعية إلى ديكور منزلكِ في 2026
  مصر اليوم - نباتات تضيف لمسة طبيعية إلى ديكور منزلكِ في 2026

GMT 17:18 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يوضح موقفه من المناورات الصينية حول تايوان
  مصر اليوم - ترامب يوضح موقفه من المناورات الصينية حول تايوان

GMT 19:58 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يحذر من عرقلة المساعدات الإنسانية إلى غزة
  مصر اليوم - الاتحاد الأوروبي يحذر من عرقلة المساعدات الإنسانية إلى غزة

GMT 15:15 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

الثوم يعزز المناعة ويخفف أعراض الزكام
  مصر اليوم - الثوم يعزز المناعة ويخفف أعراض الزكام

GMT 09:48 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:52 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الدلو الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 04:54 2020 الثلاثاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

وصفات طبيعية لحماية بشرتك من الجفاف

GMT 08:44 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 07:58 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

البشير يهدي جزيرة سواكن لأردوغان لخدمة أغراض عسكرية

GMT 07:18 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يوقع قانون حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt