توقيت القاهرة المحلي 12:28:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حذار.. فكيدهم عظيم

  مصر اليوم -

حذار فكيدهم عظيم

بقلم:جميل مطر

مع اقتراب موعد إلقاء كلمتى عدت، كعادتى، أتفحص القاعة مرة أخيرة. أردت دائما الاطمئنان إلى أن مزاج الحاضرين يناسب روح خطابى الذى أعددت، أردت أيضا التعرف بصفة خاصة على وجه شخص أتبادل معه الاهتمام فلا يتوه البصر ويتشتت التركيز. كانت الإطلالة على القاعة كافية لأعرف أن النساء حاضرات بنسبة أقل مما توقعت وتوقع منظمو المؤتمر، وكانت كافية لاستخلص أن عددا معتبرا من الرجال احتشد فى شكل قوة مناوئة لتوجهات غالبية المتحدثين وغالبية النساء.

شئت أن أقدم نفسى لجمهور بعضه، وربما أغلبه، لا يعرف الكثير عن علاقتى بموضوع المؤتمر. استأذنت رئيس الجلسة ومن خلاله الضيوف أن أبدأ بعرض مؤهلاتى لخوض تجربة التحدث فى تمكين المرأة، موضوع هذا الاجتماع. قلت «يا سيادة الرئيس، أنا مؤهل للجلوس على هذه المنصة لمخاطبة هذا الجمع الكريم والتحدث فى موضوع هذا المؤتمر. مؤهلاتى التى شجعتنى على خوض هذه التجربة ثلاثة. الأول حصلت عليه حين أقدمت قبل حوالى ربع قرن على تنظيم مؤتمر موسع انعقد هنا فى هذا البلد المحافظ للغاية. وقتها كان المتحمسون لفكرة تمكين المرأة لا يزيدون عن أصابع اليد الواحدة وبينهم رئيس الدولة وحرمه.

أحمل المؤهل الثانى منذ أن انتسبت فى مصر إلى مؤسسة قضايا المرأة عضوا فى مجلس أمنائها. رأيت بكل الفخر المتاح والإعجاب الممكن شبابا متطوعا من الفتية والفتيات يجوب المحاكم باسم هذه المؤسسة ويدور على البيوت فى عشوائيات مصر يستعيد لنساء حقوقا مسلوبة أو يمسح بكفوفه فوق جباه تعقدت تجاعيدها تحت ضربات الظلم والتقاليد والجهل. سمعت وقرأت تقارير هذا النفر من الشباب عن حيوات جديدة لفتيات قصر جرى اغتصابهن وتنكر لهم المغتصبون وأهاليهن وأقسام الشرطة بل وفى حالات كثيرة تجاهلهن المجتمع ورجال الدين من أهل الحى.

أما ثالث المؤهلات التى حمستنى للمجىء إلى هنا والتحدث فى هذا الموضوع الملتهب، فهو حبى للمرأة. أقولها مدوية. لم يعلمنى أحد معنى الحب ومضمونه. لم أتدرب على تبنيه أو ممارسته، خلقنا معا من أم واحدة وفى يوم واحد».

«سيدى رئيس الجلسة. أقرأ كثيرا فى بلدكم وفى بلدى وبلاد أخرى عديدة عن قوانين تصدر بالعشرات بهدف تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة. واليوم اطلعت على إحصائيات تؤكد أنه فى مؤسسة حكومية بعينها صارت المرأة بفضل جهود تمكينها تحتل 66 % من وظائفها وفى مؤسسة أخرى احتلت 75 %. هنا أتوقف لأجدد قناعتى بأن كل إنجاز تحققه المرأة يجعلنى رجلا أسعد. ولكنى وقد اطلعت على تقارير بعضها يبعث بإشارات واضحة عن صعوبات طرأت فى مواقع عمل وزيادة مقلقة فى حوادث التحرش وأرقام مزعجة عن ممارسات العنف الأسرى أعود فأحذر من المبالغة والتمادى فى صنع التطور المنشود. حذرت، أو بمعنى أدق، نقلت تحذير امرأة عصرية ووقورة وتحتل منصبا رفيعا فى شركة أمريكية عملاقة. قالت أحذركم، يا أصحاب النوايا الحسنة من المبالغة فى إصدار تشريعات توسع من مضمون فعل التحرش. قالت، فيما أذكر، ما معناه أن أجواء العمل فى كثير من الشركات والإدارات الحكومية أصبحت لا تطاق. انتهى، فى نظرها، عصر المجاملات الرقيقة بين الرفاق فى العمل. صار الجو كئيبا والنزاعات تنشب لأسباب واهية والشكوك المتبادلة تزكم الأنوف. قالت، من فضلكم لا تبالغوا ولا تتمادوا».

«أنا الآن، ومن فوق هذا المنبر وفى حضور ناشطات ووزيرات يحملن مسئولية الوصول بالتمكين إلى أقصى الممكن، أوجه تحذيرا ثانيا. لا أدعو ولن أدعو إلى وقف جهود تمكين المرأة، ولكنى أدعو إلى ترشيد الجهود. أقولها صريحة، احذروا غضب الرجال. أنا من هؤلاء فأنا بالتالى أعرفهم جيدا. أنا وأنتن قضينا بعض نهار يومنا هذا نشاهد نماذج شديدة التهذيب من غضب ذكورى ناعم. سمعنا اليوم وقرأنا على امتداد شهور تقارير عن صعوبات أكثر فى العمل، عن منافسة غير مشروعة، حسب رأى بعض الرجال، بين النساء والرجال على وظائف محدودة. يتهمون الدولة بإرضاء دول الغرب ومؤسساته الدولية بالتغاضى عن قواعد التعيين فى الوظائف الكبرى لصالح النساء. حتى ازدحام المرور ووسائل النقل وتدهور تعليم الأطفال وتراجع التزامهم الأخلاقى صارت مع تدهور الحياة المنزلية وانحسارات أخرى من عواقب تمكين المرأة».

«أقول للناشطات لا تبالغن فى قوة المرأة ودهائها وحنكتها وفى الوقت نفسه الاستهانة بدهاء الرجل. وأقول للمسئولين والمشرعين والمؤسسات الدولية لا تبالغوا فى تسريع التمكين فالرجال متربصون. وأدعو النساء أن يحذرن كيد الرجال فكيدهم إن خفى عليكم فعظيم. كلكن، أو الأغلبية فيكن، تشكو من إهمال متصاعد من جانب الرجل فى الاهتمام بشئون الأسرة وبخاصة تربية الأطفال. الشكوى أيضا عارمة من الاستغراق المتصاعد من جانب الرجل فى ممارسة السوشيال ميديا. يتردد بشكل ملحوظ أن العلاقات بين النساء والرجال عموما أصيبت بالتوتر سواء عند استخدام الخدمات العامة أو فى الحياة الخاصة. أسمع من أصدقاء وباحثين أن الشبان يعزفون عن الزواج بنسب متزايدة بسبب أسبقية تسكين الخريجات وقضاء الشبان فترة فى الجندية. أضف الزيادة المتصاعدة فى هجرة الرجال واغترابهم بالسفر أو بالانعزال. أهو الكيد بالنية المبيتة أو سلوكيات بطعم الكيد؟».

أحذر من إضافة المزيد إلى مشاق المرحلة الانتقالية التى نمر فيها. أعرف عن ثقة بأن نسبة غير بسيطة من أبناء الجيل الجديد، وغير الجديد، يعيش حالة جفاف عاطفى. أسباب الحالة عديدة، وبينها كما يقول خبير أعرفه، الشعور بالغبن. أحذر أيضا من تجاهل واقع جديد جارٍ صنعه فى معامل الإبداع والذكاء الصناعى. هناك صنعوا بالفعل نساء بمقاس وطلب «الزبون». رأينا على الشاشات نماذج، نساء يتكلمن بذكاء خارق أو لا يتكلمن إلا بالأمر، نساء مدربات على المداعبة والملاعبة ونساء يصلحن ربات بيوت. أقول للصديقات والناشطات فى مجال تمكين المرأة لا تبالغن أو تتسرعن فكيد الرجال ككيدكن عظيم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حذار فكيدهم عظيم حذار فكيدهم عظيم



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:38 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

سمير صبري يُطمئن الجمهور بعد تعرضه لحادث

GMT 16:11 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

آيس كريم الفانيلا

GMT 09:05 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على طقس الثلاثاء في مدن ومحافظات مصر

GMT 16:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

اليونايتد يرفض طلب مانشيتر سيتي قبل الديربي

GMT 03:55 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

خنازير البحر أبرز الأنواع المعرّضة إلى خطر الانقراض

GMT 22:56 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

رجل مقنّع يثير الرعب بين نساء مدينة بريطانية

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

بعثة المنتخب تصل القاهرة بعد أداء مناسك العمرة الأربعاء

GMT 22:00 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ندوة "لا تغضب" عن الإعجاز العلمي في صيدلة الفيوم

GMT 04:18 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

المصمم اللبناني إيلي صعب يطرح مجموعته لربيع وصيف 2017
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon