توقيت القاهرة المحلي 00:04:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عمليات التسليم العقلى

  مصر اليوم -

عمليات التسليم العقلى

بقلم - عبدالناصر سلامة

أستطيع التأكيد على أن الأزمة الخطيرة، التى يمر بها اليمن الشقيق الآن، سوف تكون حاضرة فى مباحثات ولى عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته الحالية لمصر، ذلك أن اليمن أرضاً وشعباً يمثل أهمية قصوى للأمن القومى المصرى، مثلما يمثل للسعودية سواءً بسواء، ناهيك عما تمثله كحضارة تليدة، ودولة واعدة، وهو ما جعله دوماً محط أنظار البعض، ممن يرون أنهم أمام لقمة سائغة يمكن هضمها ببعض المحفزات.

فى ستينيات القرن الماضى دارت مواجهات مصرية- سعودية، مباشرة وغير مباشرة على الأراضى اليمنية استمرت لعدة سنوات (١٩٦٢-١٩٦٧)، بعدها ظل اليمن ينقسم إلى دولة شمال ودولة جنوب، لمدة ٢٣ عاماً، إلى أن أصبحتا دولة واحدة تحت اسم «الجمهورية اليمنية» عام ١٩٩٠، كانت هذه الوحدة بمثابة انتصار للعقل اليمنى فى ذلك الوقت، نالت تقديراً عالمياً، حتى من بريطانيا، التى كان الجنوب (عَدَن) يمثل لها أولوية قصوى طوال فترة الاستعمار التى بلغت ٩٨ عاما (١٨٣٩- ١٩٣٧)، إلا أنه بدا واضحاً أن ذلك لم يكن يروق لبعض عواصم المنطقة، التى تخشى أن ترى اليمن قوياً لأسباب نفسية، لا أكثر من ذلك ولا أقل.

لم تستطع الجمهورية اليمنية أن تكون ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجى، التى تم إنشاؤها عام ١٩٨١، ذلك أن بعض دول الخليج، التى تخشى وحدة اليمن، تنزعج فى الوقت نفسه من تعبير (الجمهورية)، وسط أنظمة ملكية أو عائلية، مما جعل المملكتين الأردنية والمغربية أقرب إلى منظومة المجلس بصفة مراقب، عن اليمن الحارس الأمين لجنوب غرب شبه الجزيرة العربية، إلا أن ذلك لم يشكل أى أزمات نفسية بالنسبة لليمنيين، الذين كانوا يرون طوال الوقت أنهم أصحاب حضارة تؤهلهم للتفرد والاستقلال، بل كانوا طوال الوقت يسعون إلى علاقات سلام مع الدول المجاورة، حتى إنهم لم يحملوا السلاح يوماً ما، لاسترداد جزء كبير وعزيز من أرضهم فى جيزان ونجران وعسير.

ما يثير الدهشة هو أن اليمن لم يعد مسموحاً له، عربياً، أن يقرر مصيره، أو أن يقرر ديانته، أو حتى مذهبه، لمجرد أنه ينتمى للعرب والإسلام، ولو كان غير ذلك لما استطاع أحد أن يتجرأ عليه، كان الاستعمار الغربى فى سالف الزمان يتواجد عسكرياً فى هذا البلد أو ذاك، إلا أنه لم يسْعَ ذات يوم إلى فرض هذا الدين أو ذاك المذهب، الأزمات العربية الحالية فى معظمها أصبحت كذلك، تدخل سافر فى الشأن الدينى والمذهبى لم يكن مسبوقاً فى العالم فى أى من العصور، وهو الأمر الذى ينذر بمزيد من النكبات والانكسارات المتعلقة بمزيد من تقسيم المقسم وتفتيت المفتت، الذى فشل الاستعمار فى القيام به ذات يوم.

مخطط تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب لم يعد سراً، يسير الآن على أرض الواقع بخطى ثابتة، بذرائع لم تضع الشعب اليمنى نفسه فى الاعتبار، لم تضع إرادته فى الحسبان، وهو ما سيجعل الفشل أمراً لا مفر منه فى المستقبل، حتى وإن كان الاهتمام يدور حول الجنوب تحديداً، أى تنميته واستقراره على حساب الشمال، واعتماده فى المستقبل ضمن المنظومة الخليجية دون الشمال، المخطط أصبح معلناً أيضاً بإقامة أربع قواعد عسكرية هناك، وهو الأمر الذى يجعلنا أمام دولتين عدائيتين (شمال وجنوب)، سوف تدور المواجهات بينهما طوال الوقت من جهة، ومن جهة أخرى فإن شعب الجنوب على المدى البعيد لن يمكنه القبول بمثل ذلك الاستعمار الجديد، ليظل هاجس الوحدة ماثلاً، على اعتبار أن الشمال رغم فقره، إلا أنه الكيان المستقل.

أعتقد أن أى عاقل أو منصف، كما أى ضمير عربى، لا يجب أن يقبل ذلك الذى يجرى فى اليمن الآن، أكثر من عشرة آلاف قتيل من المدنيين هناك منذ بدء القصف- عربياً للأسف - فى مارس ٢٠١٥، أكثر من مليون أصيبوا بالكوليرا، نتيجة تلوث مياه الشرب، أكثر من ثلاثة ملايين نازح، البنية التحتية فى اليمن تم تدمير معظمها، المدارس والمستشفيات والأبنية الحكومية والمناطق الأثرية والأسواق وحتى المساجد لم تسلم من القصف، آلاف الألغام الأرضيّة سوف تحارب اليمنيين لسنوات وعقود مقبلة، تحذيرات الأمم المتحدة بشأن تردى الأحوال المعيشية، وتحذيرات منظمة الأغذية والزراعة بشأن نقص الغذاء، وتحذيرات منظمة الصحة العالمية بشأن نقص الدواء، كما تحذيرات اليونيسيف بشأن الأطفال، كلها لم تجد آذاناً عربية صاغية، فى النهاية نسمع بين العرب من يتحدثون عن مصلحة الشعب اليمنى، على اعتبار أنهم أدرى بشعابها!!.

آمل من دبلوماسية القاهرة أن تضع المصلحة العربية العليا فوق أى اعتبار، مصلحة اليمنيين كذلك، الأمن القومى للمنطقة ككل، كما آمل أن تتجه الصياغة السعودية نحو مزيد من الاندماج مع الشعوب لما فيه استقرار المنطقة مستقبلاً، ذلك أن الأطماع الخارجية تتعاظم، لا تستثنى أحداً، وهو ما يوجب نشر عقيدة التسامح وليس العكس، التكتلات وليس العكس، الوحدة وليس العكس، ليقرر اليمنيون مصيرهم بأنفسهم كما يشاءون، السوريون أيضاً، العراقيون كذلك، زمن الوصاية أصبح من الماضى، لم يعد يقبلها أفراد الأسرة الواحدة، ما بالنا بالأمم الحرة المستقلة، التى كان الشعب اليمنى فى طليعتها، منذ أن كان موحَّداً فيما قبل الرسالات السماوية، وموحِّداً فيما بعدها، بخصوصية فريدة، بفعل الحضارة الفريدة أيضاً

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عمليات التسليم العقلى عمليات التسليم العقلى



GMT 00:04 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!

GMT 00:00 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

استدراج إيران.. هدف نتانياهو الاستراتيجي

GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 01:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كيسنجر يطارد بلينكن
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 09:48 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

أستون فيلا ضيفًا على فولهام في الدوري الإنجليزي

GMT 23:11 2020 الثلاثاء ,08 أيلول / سبتمبر

البورصة العراقية تغلق التعاملات على تراجع

GMT 10:11 2020 الإثنين ,24 آب / أغسطس

عبد السلام بنجلون يتعافى من كورونا

GMT 20:36 2020 الأربعاء ,22 تموز / يوليو

حصيلة وفيات كورونا في المكسيك تتخطّى 40 ألفاً

GMT 21:47 2019 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

باسم مرسى يشعل السوشيال ميديا بصورة مع زوجته وابنته

GMT 20:14 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة 4 وإصابة 6 في انقلاب سيارة واشتعالها على طريق السويس

GMT 01:10 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

بلجيكا أول المتأهلين إلى نهائيات كأس أمم أوروبا

GMT 20:17 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

8 لاعبين في "أشرس صراع" على الكرة الذهبية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon