توقيت القاهرة المحلي 00:49:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حرب الخرائط العربية

  مصر اليوم -

حرب الخرائط العربية

بقلم - عبدالناصر سلامة

أزمة عربية غريبة فى أكثر من موقع الآن، محورها صناعة الخرائط المزيَّفة، أو بمعنى آخر صناعة الحدود المزيَّفة، خرائط تتضمَّن حدوداً جديدة للدول ذات الصِّلة، أزمات جديدة لا تتعلق بمناطق النزاع فقط، كحلايب وشلاتين بين مصر والسودان، أو جيزان ونجران وعسير بين السعودية واليمن، أو الصحراء فيما يتعلق بالمغرب، أو حتى جزر فوكلاند فى النزاع بين بريطانيا والأرجنتين، أو النزاع التاريخى القبرصى بين تركيا واليونان، وغير ذلك من المناطق التى كانت ومازالت ملتهبة، على اعتبار أن الخلافات بشأنها متجذِّرة، وقد ترتفع أو تهدأ حدَّتها بين وقت وآخر، طبقاً لأى أحداث طارئة.

الغريب هو أنه كما فى تزييف السلع تماماً من خلال مصانع بير السلم، أصبحت هناك مصانع بير سلم لتزييف الحدود بين الدول، من خلال تزييف هذه الخرائط، التى يتم تدريسها أحياناً لطلاب المدارس، وأحياناً أخرى تتم الاستعانة بها فى وسائل الإعلام، إلا أن الجديد فى الأمر هو وضعها فى المتاحف بما يفجِّر أزمات غير محسوبة العواقب، ذلك أن الطرف الآخر المُضار يقوم هو الآخر على الفور بإنشاء مصنع بير سلم لهذا الغرض، أى لصناعة خرائط مزيَّفة على النقيض من الأولى، بما يجعل الأجيال المتعاقبة تعيش حالة من التزوير على كل الأصعدة، دراسياً، وإعلامياً، وتراثياً، وهو أخطر ما تتوارثه على المدى البعيد.

الجديد فى عالم تزييف وتزوير الحدود هو صناعة خرائط مستحدثة، بأزمات مستحدثة أيضاً، أى لمناطق كانت آمنة ومستقرة، بما يفتح الباب أمام نزاعات جديدة لم يكن لها وجود، وهو الأمر الذى تتسارع معه ردود الأفعال التى لم تعد تتوقف على الرسمى منها فقط، بحكم تطور وسائل الاتصال، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعى التى تلتقط من خلالها الشعوب أطراف القضية- أى قضية- لتبدأ سجالات ساخنة وحروب من نوع جديد، ربما لا تقل خطراً من المواجهات على الأرض، ذلك أنها تخلق فجوة بين الشعوب قد يصعب تداركها فى المستقبل، نتيجة استخدام تعبيرات صارخة تصل إلى حد الخوض فى الأعراض، وغيرها من أساليب السب والقذف المتبادل.

تابعنا خلال الأسابيع الأخيرة أزمة فجَّرتها خريطة جديدة بأحد متاحف أبو ظبى، لم تتضمن وجوداً لدولة قطر من الأساس، أى أنه لا وجود فى شبه الجزيرة العربية لدولة قطر، وهو ما اعتبره القطريون تمهيداً لشىء ما فى المستقبل، أو لتحقيق أطماع معينة، وعلى الفور ظهرت خرائط من الماضى على الجانب القطرى تشير إلى ساحل عُمان بدون دولة الإمارات، يمتد من حدود اليمن على المحيط الهندى حتى مضيق هرمز مع إيران، وهو الأمر الذى ثارت معه تعليقات مواطنى دولة الإمارات، بينما كان المواطن العُمانى هو الآخر ينتفض تعقيباً على ظهور خريطة بالمتحف تبتلع محافظة مسندم العمانية التاريخية، الواقعة على مضيق هرمز مباشرةً.

أعتقد أننا أمام ألعاب نارية أكثر منها مكائد سياسية، لم يفطن صانعوها إلى ما يمكن أن تسفر عنه مستقبلاً على الأقل، وليس الآن فقط، إما فى إطار المراهقة السياسية، وإما فى إطار تنفيذ مخططات خارجية تستهدف إحداث مزيد من الوقيعة بين شعوب ودول المنطقة، وإما أن هناك من الأنظمة من يرى فى الحروب نزهة ترفيهية، أو أن صفقات السلاح بأنواعها تمثل حماية من مخاطر وأهوال الحروب بشكل عام، وجميعها تصورات تحتاج إلى إعادة نظر، ذلك أنها لا تعدو كونها خيالات وأوهاماً لا أكثر من ذلك ولا أقل.

هذه الأزمة التى تعيشها بعض العواصم والشعوب العربية فى حاجة إلى تدخل سريع من جامعة الدول العربية على الجانب العربى، ومن منظومة مجلس التعاون على الجانب الخليجى، تضع فى الاعتبار عوامل كثيرة، أهمها اعتبارات المستقبل وما يتم تصديره للأجيال المقبلة من أزمات، ناهيك عن أواصر التداخل بين هذه الدول من جوانب كثيرة، تتصدَّرها صلات القربى والنسب والمصاهرة والعائلة الواحدة والقبيلة الواحدة، وبصفة خاصة على امتداد المناطق الحدودية، أى أن الأمر لا يتعلق بالاعتبارات السياسية والعلاقات الثنائية فقط، إنما يتعداه لاعتبارات كثيرة ربما لا تتوافر فى بقاع أخرى من العالم.

المتابع للشأن العربى فى هذه المرحلة، والخليجى منه بصفة خاصة، سوف يكتشف أن علاقات الشعوب أصبحت الأسوأ عبر التاريخ، بعد أن كانت هذه الشعوب تنظر لخلافات الحكام أو الحكومات فى أزمنة سابقة على أنها لا تعنيهم من قريب أو بعيد، كانوا يتندرون عليها باعتبارها أزمات طارئة، أما وقد حملت وسائل الإعلام هنا وهناك على عاتقها توسيع هذه الهوة، ناهيك عن تصريحات المسؤولين غير المدروسة، فإن الأمر فى حاجة إلى وقفة جادة من النُّخب المشهود لها على الساحة الثقافية على الأقل.

كنا نتمنى مع التوجُّهات العالمية فى القارات المختلفة نحو سياسة التكتلات والأحلاف والتجمعات أن نرى مناهج دراسية عربية مشتركة، من حيث التاريخ والجغرافيا بشكل خاص، ذلك أننا أمام شعب واحد، وتاريخ واحد، وجغرافيا واحدة، ناهيك عن وحدة الدين واللغة، وهو الأمر الذى يجعل من مثل هذا التوجه أمراً يسيراً، بل يمنحه زخماً لا يتوافر أيضاً لأقطار أخرى فى العالم، الأمر لا يحتاج إلا إلى إرادة سياسية فقط، وهو أمر يسير، إلا أنه يتطلب أيضاً استقلالية فى اتخاذ القرار، وهذه هى المعضلة التاريخية!!.

نقلا عن المصري اليوم القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب الخرائط العربية حرب الخرائط العربية



GMT 00:10 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

قواعد اللعبة تتغير من حولنا!

GMT 00:04 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!

GMT 00:00 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

استدراج إيران.. هدف نتانياهو الاستراتيجي

GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 00:49 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

محمد ثروت ينضم لـ«عصابة المكس» بطولة أحمد فهمي
  مصر اليوم - محمد ثروت ينضم لـ«عصابة المكس» بطولة أحمد فهمي

GMT 09:48 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

أستون فيلا ضيفًا على فولهام في الدوري الإنجليزي

GMT 23:11 2020 الثلاثاء ,08 أيلول / سبتمبر

البورصة العراقية تغلق التعاملات على تراجع

GMT 10:11 2020 الإثنين ,24 آب / أغسطس

عبد السلام بنجلون يتعافى من كورونا

GMT 20:36 2020 الأربعاء ,22 تموز / يوليو

حصيلة وفيات كورونا في المكسيك تتخطّى 40 ألفاً

GMT 21:47 2019 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

باسم مرسى يشعل السوشيال ميديا بصورة مع زوجته وابنته

GMT 20:14 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة 4 وإصابة 6 في انقلاب سيارة واشتعالها على طريق السويس

GMT 01:10 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

بلجيكا أول المتأهلين إلى نهائيات كأس أمم أوروبا

GMT 20:17 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

8 لاعبين في "أشرس صراع" على الكرة الذهبية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon