توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عالم بايدن القديم الجديد

  مصر اليوم -

عالم بايدن القديم الجديد

بقلم : عبد المنعم سعيد

قبل أسبوع، وفي حلقة من حلقات برنامج «أمانبور» على شبكة «سي إن إن» الشهير سألت صاحبته كريستيان أمانبور أحد رؤساء مراكز البحوث في موسكو، عما إذا كان الشعور العام في روسيا معبّأً لصالح الناشط السياسي أليكسي نافالني، وراحت تعدد المظاهرات التي خرجت في عدد من الميادين في روسيا مؤيدة للرجل الذي عاد تواً من ألمانيا بعد علاج، من حالة تسمم زعم أنها جاءت من سلطة الرئيس فلاديمير بوتين. وكان رد الرجل بارداً، لا ينكر أن هناك مظاهرات تجري مؤيدة للسيد نافالني، ولكنها مجرد قشرة صغيرة في بلد تعداده 150 مليون نسمة آثرت ألا يشغلها هذا الأمر.
تابعت المذيعة حشد الرأي العام العالمي بعد ذلك بسؤال الرجل عما يراه من صدور الكثير من بيانات الإدانة للسلطات الروسية وفلاديمير بوتين شخصياً، باعتباره موقفاً كونياً من قضية السلطة في روسيا؛ وجاءت الإجابة كسابقتها من أن بيانات الإدانة لم تأتِ من العالم، وإنما جاءت من دول غربية معدودة تنتمي إلى المعسكر الغربي، وعلى العكس فإنَّ بقية الدنيا وغالبيتها بقيت صامتة إزاء حدث رأى الرجل أن المعلومات بشأنه غير دقيقة ومتحيزة. هل هناك علاقة بين هذا الحديث التلفزيوني وإدارة بايدن؟
الإجابة هي نعم، فعندما حدث الانقلاب العسكري في ميانمار أو بورما السابقة إذا بواشنطن كلها تقف على أقدامها تطالب الرئيس بايدن باتخاذ خطوات حاسمة لوقف التغيير الذي جرى، واستعادة حرية السيدة سو كي من مسجنها، وهي الحاصلة على جائزة نوبل. صحيح أن تعريف رئيسة الوزراء السابقة كان يصحبه دائماً ذلك النقد الذي يدينها في قضية الإبادة الجماعية لشعب الروهينغا، أو الأقلية الإسلامية في الدولة «البوذية» الديانة؛ ولكن هذا النقد لم يؤدِ إلى معرفة التعقيد الذي يلم بالدولة، وإنما ضرورة تدخل الدولة الأميركية في قضية «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان». القائلون بهذا الأمر لم يكن لديهم الدرجة من «التواضع» الذي يجعلهم يتساءلون ما دخل الدولة الأميركية في قضية تجري في دولة آسيوية بعيدة ذات تاريخ عميق، وديانة وثقافة خاصة، وتقاليد قديمة لها علاقة بمؤسساتها المدنية والعسكرية.
حتى تكون الأمور واضحة، فلا يوجد هنا رأي مؤيد أو معارض لما حدث في ميانمار؛ وذاكرتي عن الدولة لا تزيد على شخصية رئيسها أونو، الذي أتي إلى مصر عندما كانت الدولة لا تزال «بورما»، وكواحد من قيادات الدول النامية، لا يختلف كثيراً عن نكروما في أفريقيا، وسوكارنو في آسيا. كان ذلك عهداً ويومنا هذا في عهد آخر، وما سبق كان مرحلة ما بعد الحقبة الاستعمارية، وأحلام العالم الثالث للتحرر واللحاق بالعالم المتقدم. الآن، فإن العالم كله يمر بمرحلة تغير لا يمكن تجاهلها، وهي أن تحدياً كبيراً قد تعرضت له ظاهرة «العولمة» بما فيها داخل الولايات المتحدة ذاتها. قوام هذا التحدي هو أن العولمة ليست ظاهرة أميركية، وإنما كما هو اسمها تعبّر عن ظاهرة عالمية تهم كل شعوب ودول الأرض التي بات عليها أن تتعامل مع قوى إنتاج معلوماتية وحيوية، كما تعاملت من قبل مع الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية، ومع طاقة البخار والنفط، والطاقة النووية. الرئيس بايدن وطاقمه، والنخبة الليبرالية العولمية في واشنطن لا يمكنها تجاهل الدرس المؤثر على النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأميركي الذي قدمه دونالد ترمب وانتهي بالنهاية المأساوية للهجوم على مبنى «الكابيتول»، وما أعقبه من إقامة الادعاء على الرئيس، ومحاكمته. نتيجة ذلك لا تزال في طريقها إلى الظهور، ولكنه أياً كانت النتيجة، فإنها لن تخص الرئيس المهزوم، وإنما عشرات الملايين الذين صوّتوا له، ووقفوا إلى جانبه، وأيّدوا قرارته المتعلقة بالهجرة والضرائب والتعامل مع العالم في الداخل والخارج. صحيح أن بايدن فاز في النهاية بالانتخابات، ولكن ذلك لا يعني في النهاية أنه جرى استبدال عصر بعصر آخر، وإنما أن نجاح الفائز لن يكون ممكناً، إلا إذا اعتبر أن ما جرى في الولايات المتحدة ليس أمراً عارضاً أو استثنائياً يمكن للشعب الأميركي أن يدوسه بأقدامه وينساه.
خارجياً، فإنَّ الأمر كله لا يقل تعقيداً؛ فما يجري الدفع له في واشنطن من زاوية عودة الولايات المتحدة إلى عمليات الهندسة السياسية لدول العالم مع اعتقاد جازم أن ما تتجه له العاصمة الأميركية من أفكار حول إدارة البشر لشؤون دنياهم هو الحقيقة التي ما بعدها حقيقة، لا يمثل عودة إلى قديم العقد الأول من القرن الواحد والعشرين الذي ظنت فيه واشنطن أن بقدرتها وحدها ليس قيادة العالم وإنما إعادة تشكيله. القديم لم ينجح، وكانت تكلفته العسكرية في حربين فقط - أفغانستان والعراق - سبعة تريليونات من الدولارات وضحايا ومدن وحضارات مدمرة لا يكفيها ثمن.
أصل المسألة منذ التاريخ القديم هو أن أمم ودول العالم مثلها مثل البشر متنوعة ومختلفة، وكل واحدة منها لها طريقتها في التكيف مع عملية التغيير تتماشى مع ما وصلت إليه تركيبتها المؤسسية من تعقيد وسلاسة، وما وصلت إليه نخبتها - وليس نخبة واشنطن - بما يلائمها من حلول لمشكلاتها ومعضلاتها. وفي عام 1648، وبعد حروب المائة عام والأخرى الثلاثين سنة، توصلت الدول الأوروبية إلى معاهدة «ويستفاليا» التي كان في صدارتها أهم مبادئ العلاقات الدولية، وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. هذا المبدأ كان هو الأساس الذي قامت عليه عصبة الأمم، ومن بعدها الأمم المتحدة، ومن خالفه طوال الوقت كانت الدول الاستعمارية تارة، وبادعاء العولمة العالمية تارة أخرى.
لا يوجد شك أن العالم أصبح أكثر اقتراباً من بعضه بعضاً، وأن البشرية تعيش مرحلة بات فيها التقارب وتبادل المنافع أكثر كثافة من أي وقت. ولكن تحقيق كيفية التعامل مع الداخل والخارج في كل دولة هو رهن بأهلها وما توصلوا إليه من قدرة ومعرفة. وإذا كان هناك من درس عرفته الولايات المتحدة من تاريخها القريب، فهو أن تدخلها في تغيير النظم السياسية بالقوة العسكرية مرة، وبالقوة الناعمة مرة أخرى، كانت له دائماً نتائج كارثية على أهالي البلدان التي أطلقت فيها تجاربها، وبالنسبة لواشنطن كانت النتائج عكسية سلّم أفغانستان لـ«طالبان»، والعراق لإيران، وفي الحالتين تفككت الدولتان. وحتى عندما بدا الغرب أكثر تجانساً في تجربة الاتحاد الأوروبي، فإن أميركا كانت هي التي قسمت أوروبا إلى أوروبا الجديدة والأخرى القديمة؛ وفي النهاية عندما لم تجد المملكة المتحدة لها مكانة تستحقها في الاتحاد الأوروبي، فإنها خرجت كليةً في عملية «بريكست». بايدن الجديد لن يكون جديداً باستعارة أدوات قديمة لعهد جرى تجاوزه؛ ولا بإقامة منصات جديدة للحكم والإدانة دون تحقيق جدي فيما يحدث في بلدان العالم المختلفة. الجديد هو استيعاب دروس المرحلة التي رحلت في مرحلة جديدة تتعامل مع حقائق دول العالم كما يراها أهلها وليس كما تراه واشنطن؛ وهم في النهاية الذين سيدفعون الثمن، أو يحصلون على المكافأة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم بايدن القديم الجديد عالم بايدن القديم الجديد



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt