توقيت القاهرة المحلي 08:23:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

علقة موت!

  مصر اليوم -

علقة موت

بقلم - ســناء صليحــة

 «من يجسر أن يفعل هذا برجل له قيمة وقامة، وتجاوز التسعين من عمره؟!. من هؤلاء؟!. سؤال يشي باستنكار ودهشة وغضب يتجاوزان المعنى الحرفى لصيغة تنتهى بعلامة استفهام أو لإجابة شبه معروفة مسبقا بالنظر لطبيعة المسروقات والاعتداء وكيل اللكمات للكاتب الصحفى والمؤرخ وديع فلسطين.

فرغم الدهشة والغضب اللذين اثارهما خبر الاعتداء على شيخ الصحفيين الذى ارخ لأعلام عصره من واقع علاقته الشخصية بهم خلال عمله الصحفى ونشاطه الثقافي، ورغم أن القضية حتى لحظة كتابة هذه السطور قيد التحقيق، فإن طبيعة الاعتداء على رجل مسن تؤكد صور منزله والأخبار المتداولة فى الصحف عن معاناته للحصول على معاشه أنه ليس من اصحاب الملايين او الموسرين الذين تداعب مقتنياتهم خيال اللصوص فيقدمون على مخاطرة غنيمتها تستحق المغامرة، لا تكشف فقط حالة قسوة غير مبررة ومتغير اخلاقى يعكس اندثار قيم الرحمة واحترام الكبار الذين اعتدنا ان ندعوهم فى سالف العصر والأوان الخير والبركة، ووظفهم الكتاب مثل فيكتور هوجو فى البؤساء ونجيب محفوظ فى اللص والكلاب وطاهر ابو فاشا فى أوبريت رابعة العدوية وغيرهم من الكتاب، ليكون ظهورهم فى حياة الاشرار لحظة التنوير ويقظة الضمير ومراجعة النفس، بل إن اختفاء مخطوطات وديع فلسطين من منزله يفرض علينا أيضا التفكير فى احتمالية حلقة جديدة من مسلسل متوالية العنف بسبب الاختلاف الفكرى والسياسى والتعصب.

فصفحات التاريخ وإن وثقت صورا مأساوية لمواجهة الفكر بالعنف بدرجات مختلفة بدءا من مقتل هيبثيا عالمة الاسكندرية واغتيال عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب (رضى الله عنهم) وإجبار سقراط ان يتجرع السم وإحالة جاليليو إلى محاكم التفتيش وملاحقة فولتير وسجنه ونفى الطهطاوى ومحمد عبده واضطهاد قاسم امين ومحاكمة الشيخ على عبد الرازق وتجريده من درجته العلمية وصولا لاغتيال الشيخ الدهبى ومن بعده فرج فودة، ومحاولة اغتيال نيب محفوظ فى التسعينيات والاعتداء أخيرا على الشاعر والأكاديمى الكردى فرهاد بيربال فى وسط مدينة أربيل، كلها تؤكد أن هذا العنف ما هو إلا محاولة لوأد الكلمة واختلاق تاريخ بعينه. فالصفحات نفسها تؤرخ لحريق مكتبة «سيرابيوم» فى الاسكندرية بأمر من الإمبراطور ثيودوسيوس قبل ثلاثة قرون من حريق مكتبة الإسكندرية الشهير، ومكتبة قرطبة عقب سقوط الاندلس وتدمير المغول مكتبة بيت الحكمة ستة وثلاثين مكتبة عامة أخرى فى بغداد ومكتبة دار العلم بالقاهرة وإحراق الصليبيين مكتبة بنى عمار فى القرن العاشر الميلادي. وفى هذا الصدد تقول المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه فى كتابها «شمس العرب تسطع على الغرب»:»وهكذا حرقت يد التعصب مليونا وخمسة آلاف من المجلدات، هى مجهود العرب فى الأندلس وثمرة نهضتهم فى ثمانية قرون».كذلك فقد وثق المؤرخ ابن إياس الذى عاصر الفتح العثمانى الكثير من أحداث التخريب وتدمير وحرق الكتب ،فقد نُهبت مكتبة السلطان حسن، وأحُرقت مكتبة جامع الأمير شيخو عن بكرة أبيها وغيرها من المكتبات ونُقلت الألوف من المخطوطات العربية إلى إسطنبول. ولم تقتصر محرقة الكتب على القرون الخوالي، ففى القرن العشرين كان للمكتبات والكتب نصيبها من النار. بعد مرور أربعة أشهر على وصول هتلر الى السلطة وتحديدا فى العاشر من مايو 1933 حمل طلاب وأساتذة جامعيون وقادة نازيون عشرات الألوف من الكتب ليحرقوها فى ميدان الأوبرا فى وسط برلين. كما شهدت بدايات القرن الحادى والعشرين عمليات ممنهجة لإتلاف المكتبات وحرق الكتب ونهب المتاحف فى العراق وليبيا وسوريا، بما يؤكد مقولة سيمون شاما استاذ التاريخ المعاصر بجامعة إكسفورد «اذا أردت ان تبيد شعبا امح ثقافته بشل ذاكرته وطمس تاريخه..» وهنا يفرض السؤال نفسه «ترى هل لأن محاولة محو ذاكرة العالم وتزييف التاريخ تحتاج لما هو أكثر من سيف أو حريق، كيلت اللكمات لرجل جاوز التسعين، أغلى ما يمتلكه قلم وذاكرة تؤرخ لأحداث وشخصيات ومخطوط كتاب؟!»

نقلا عن الاهرام القاهريه

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علقة موت علقة موت



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon