توقيت القاهرة المحلي 10:04:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوطن والشعب.. وأنا

  مصر اليوم -

الوطن والشعب وأنا

بقلم - نصر محمد عارف

 مثلت فترة حكم الرئيس السادات لحظة فارقة، وفاصلة فى تاريخ الثقافة المصرية، وبنية العقل المصرى، بل والخصائص الوراثية لثقافة ذلك الانسان الذى عاش على هذه الأرض، فلأول مرة تشهد الثقافة المصرية تحولا فى أوقات النصر والرخاء؛ كانت تشهده فقط فى لحظات الحروب والكوارث الطبيعية، والأوبئة والمجاعات، وأقصد بذلك التحول الذى مثل نقطة فاصلة، فارقة فى التاريخ الثقافى المصرى، وهو انفجار الأنا، وتغول الذات، وتوحشها على حساب المجتمع، والجماعة الوطنية، فأصبحت الأنا هى القيمة العليا، وهى الهدف والغاية، وهى الإله المعبود، حتى وإن حج صاحبها، واعتمر، وصام وصلى، فكل ذلك من أجل الأنا فى الحياة الآخرة، بعد أن أخذت كل ما تريد من هذه الدنيا، وتضاءلت الالتزامات الجماعية، والعبادات الاجتماعية مثل الزكاة والصدقة والوقف والتطوع، وتعالت الأنا على المجتمع والوطن، وأصبح الثراء، واللذة، والمتعة هى غاية وهدف كل حى فى بر مصر.

منذ سبعينيات القرن الماضى، وبداية سياسة الانفتاح الاقتصادى، ظهرت، ولأول مرة، ثقافة المجاعات، والأوبئة، والكوارث بصورة إرادية، اختيارية؛ لأنه لم يكن هناك أى دواعٍ اقتصادية، أو اجتماعية لظهورها، فأصبح المصريون يعيشون ثقافة المجاعات والكوارث، فى زمن الانفتاح والرخاء، يأكل بعضهم بعضا.

للأسف الشديد، خلال العقود الاربعة الماضية، تحول الإنسان المصرى الى كائن أنوى متمركز حول الأنا يدوس فى طريقه على كثيرين، أحيانا من أهله؛ من أجل مصلحة خاصة حقيقية، أو متوهمة، أو لذة عابرة، أو شهوة غرائزية بهيمية، هذا التحول الشديد صاحبته، حالة من التخدير الوطنى، بحيث أصبح حب الوطن أغنيةً، أو كلمات جوفاء تقال لتبرئة الذمة، أو خداع الآخرين، أو استجلاب المديح والاستحسان منهم، مما أدى الى ظهور حالة غريبة وعجيبة، فأصبحت مصر غير المصريين، وكأن مصر شيءٌ، والمصريين شيءٌ آخر، لا علاقة بينهما، فحب مصر لا يمنع من نهش لحوم المصريين، والمتاجرة بآلامهم ومآسيهم، بل أحيانا تجد من حرفته الغناء لمصر، أو الغناء عليها هو أول من يدوس على المصريين فى طريقه.

تغول الأنا أصبح سمة الثقافة المصرية المعاصرة، وأصبح سمة لصيقة بالشخصية المصرية، وان كانت هناك لحظات للتوحد والحركة الجماعية، كما فى 25 يناير و30 يونيو، ولكنها للأسف بين المصريين المطحونين، الذين يتشاركون البؤس، ويقتسمون المعاناة، أما أولئك الذين هم منا، ولكن خارج دائرتنا، فلهم عالمهم الخاص الذى يحرصون على حمايته.

وفى هذه اللحظة التاريخية، ومصر فى نقطة حاسمة من تاريخها، لن تستطيع أن تنطلق، وتعود الى مكانها، ومكانتها إلا بتغيير ثقافى ثورى، يزيح تلك الصفة الأنوية من الثقافة المصرية، ويعيدها الى جوهرها الانسانى الرائع، الذى كان يتشارك فيه الناس فى كل شيء: فى طبق الطعام، فى الفرح والحزن، يسعدون معا، ويحزنون معا، ولا يتمتعون بشيء لم يتذوق منه الجيران، تلك هى مصر، وأولئك هم المصريون، فكيف نعيدهم؟

إن التخلص من التركة السلبية لثقافة الانفتاح والإثراء السريع، والتباهى على الأهل والجيران، والتمتع بنظرة الحرمان فى عيونهم، إن التخلص من هذه التركة يحتاج جهوداً مضنية من جهات أربع: الثقافة والإعلام، والأزهر، والتعليم بجناحيه العام والجامعى، وهنا يثور السؤال القاسى، هل هذه المؤسسات قادرة على فعل ذلك؟ وهل هى راغبة فيه؟

الثقافة مكبلة عاجزة، لا تمويل ولا دعم كافٍ من الدولة، ولا وعى من طبقة الأغنياء لأهمية الثقافة ودورها، ومن ثم تقديم الدعم الواجب لها، حتى وصلت مصر الى حالة من تآكل الطبقة المثقفة الحقيقية؛ بعد أن جار عليها الزمن، وأصبحت وسائل الإعلام والفضائيات تملأ فراغ العقول بالفراغ، فلا تترك مكاناً لقراءة الفكر أو الأدب، أو أى نوع من الإبداع، والاعلام تسيطر عليه ثقافة الأنا حتى أصبحت عقيدته ودينه، فالسبق الصحفى الذى يحقق تميز الأنا أصبح أهم من الوطن والمواطنين، نشر أى شيء بغض النظر عن آثاره صار هدفاً لكل المجتمع الاعلامى من أجل أن تحقق الصحيفة والصحفى سبقا، حتى وإن دمر المجتمع وأضر بأمنه واستقراره ومستقبله.

والتعليم الآن فى مرحلة الترميم بعد نصف قرن من الإهمال، فهل يستطيع فى هذه المرحلة التى يحاول فيها النهوض بعد عقود من القعود أن يقوم بدور ثقافى تنويرى حقيقي؟ أم أن التركيز فى هذه المرحلة ينصب على الأبعاد المؤسسية والمادية والتنظيمية فى العملية التعليمية؟ إن دور التعليم فى عملية التغيير الثقافى يحتاج الى رسوخ المؤسسات التعليمية؛ خصوصاً الجامعات وتمكنها، ونجاحها فى دورها قبل أن تقوم بدور إضافى.

أما الأزهر والأوقاف فهناك حالة استعصاء شديدة تعود لأسباب بعضها هيكلى تاريخى، وبعضها مؤسسي؛ تحول دون إطلاق عملية تجديد حقيقية للخطاب الدينى، وهذا بدوره يجعل من الصعب على مؤسسات الخطاب الدينى أن تحدث نقلة فى الحياة المصريين الثقافية، فقد تحول دورها إلى عمل روتينى، تجيب عن السؤال أو الفتوى؛ ولا تثير السؤال وتحرك العقل.

نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوطن والشعب وأنا الوطن والشعب وأنا



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt