توقيت القاهرة المحلي 06:08:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوصية الأولى

  مصر اليوم -

الوصية الأولى

بقلم - سمير عطا الله

أعتقد أن أكثر المواقف إحراجاً هي أمام الأصدقاء. إذا ما احتاج المرء شيئا يفكر أولاً في أصدقائه، لكنه في الوقت نفسه يتردد طويلاً لأسبابٍ كثيرة، منها أولاً خشيته من أن يأخذ الظنُّ بصديقه إلى فكرة الاستغلال. والظنُّ أكبر عدوٍ للصداقات، غالباً ما يُنهيها، عن حقٍّ أو باطل. أحياناً ثمة حالاتٍ لا بد فيها من امتحان الصمود في الصداقة وما هي الصداقة في أي حال؟ إنها مثل الشعائر شيءٌ نسبي يستحيل تعريفه، لأن الاختلاف بين البشر طبيعة إنسانية أولى.

ذهبت في باريس قبل فترة إلى عيادة صديقي الدكتور هاني كنعان، الذي لم أره منذ أربعين عاماً. كنت أعتقد أنه سوف أرى رجلاً تغيّرت ملامحه كما يفعل الزمن بالجميع، لكن يبدو أن العمر يمرُّ بالأطباء لفقط عند لون شعرهم. اختلطت الزيارة بالحديث الطبي والحديث الاجتماعي. وعرض كلٌّ منا بعض أخباره في العقود الأربعة، وأهمها طبعاً أخبار الأبناء. ولم يعد في العيادة طبيبٌ وزائر إذ طغى مناخ الصداقة على وظيفة المكان.

ثم حانت اللحظة الحرجة عندما وقفت شاكراً ومودعاً. حاولت أن أعرف بإصرار تكلفة الاستشارة. أصرَّ هو على الصداقة وأصررت أنا على المهنية. ولكي يحسم الجدل دعاني إلى قراءة لوحة معلقة خلف رأسه. هذه اللوحة تمثّل وصايا أبقراط، أب الفلسفة الطبيعية وفقه الحياة، وهي خمس أولها الصداقة، ثانيها الحرية، ثالثها التفكير، والباقي سمكٌ وأرزٌّ وما طاب من وظائف الحواس. لا جدال، إذاً، مع أبقراط ولا مع تلميذه. لكن لا شك أن الإغريقي اختار الصداقة في المقام الأول لأنها، كما قال مؤسس الحزب السوري القومي أنطون سعادة «تعزية الحياة». وكتب «نيوتن» في «المصري اليوم» أن تعزية الحياة خصوصاً بعد سنٍّ معينة هي «الصحبة»، وأن الوحدة أو العزلة صعبة على الذين يعانون منها. وأنا أميل إلى تعبير «الصحبة» لأنه أكثر سهولة من الصداقة. فشروط الصداقة التي وضعها أبقراط في أول الوصايا صعبة وامتحانٌ دائم في الحياة. والفشلُ أو الإخفاقُ فيها صعبٌ ومرير. ويرافق نهاية الصداقات عادة مشاعر لا تقلُ إيلاماً عن تلك التي ترافق الطلاق. شروط الصحبة أكثر ليونة وأقلُ متطلبات. وإذا ما طرأ عليها زوالٌ، فالمرارة أخف والندم المتبادل أقل قسوة على النفس. والدليل أن واحدنا يعرف على مدى السنين أعداداً كثيرة من الأصحاب، فلكل عمرٍ أصحابه، ولكل بلدٍ أصحابه أو رفاقه، بينما تبقى الصداقات عزيزة ونادرة في جميع المراحل، تنتقل معنا من مكانٍ إلى مكان ومن عمرٍ إلى عمر.

نقلا عن الشرق الاوسط

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوصية الأولى الوصية الأولى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

الأميرة رجوة بإطلالة ساحرة في احتفالات اليوبيل الفضي لتولي الملك عبدالله الحكم

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:11 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

مدافع الأهلي ياسر إبراهيم يحتفل ببطولاته مع الفريق المصري

GMT 23:17 2020 الإثنين ,07 أيلول / سبتمبر

مؤشرا البحرين العام والإسلامي يقفلان على ارتفاع

GMT 01:16 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

مجد القاسم يطرح أحدث أغنياته الجديدة "أنا نادم" ‏

GMT 06:08 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

شريف إكرامي يرد على مدحت العدل

GMT 01:32 2020 الثلاثاء ,18 شباط / فبراير

فايلر طلب من مسؤلي الأهلي تأجيل قمة الدوري المصري

GMT 00:35 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

شيرين رضا أناقة ما بعد الخمسين بأسلوب بنات العشرين

GMT 20:29 2019 الجمعة ,05 تموز / يوليو

ننشر الأسعار الجديدة لتذاكر النقل العام

GMT 23:41 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مؤشر سوق مسقط يغلق منخفضًا الثلاثاء

GMT 09:52 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

إلينا سانكو تفوز بلقب "ملكة جمال روسيا" لعام 2019
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon