توقيت القاهرة المحلي 16:00:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المثقف كاتباً رثاءه

  مصر اليوم -

المثقف كاتباً رثاءه

بقلم: سمير عطا الله

ما من غرابة في رحلة الطيب تيزيني، ولا في رحيله: مثل كل مفكر عربي يبدأ قومياً فتفجعه الخيبة، فينتقل إلى الماركسية فيفجعه الفشل، فينتقل إلى خليطهما فتفجعه اللامبالاة العربية، فيعود إلى بيته الأول لكي يكتب مرثياته على شكل سيرة ذاتية.
صورة المثقف في مواجهة النظام وفظاظته، ثم في مواجهة المجتمع وهشاشته، وفي النهاية خوائه، ثم في مواجهة المثقفين وضعفهم أمام القضايا ومللهم من صعوبتها. بعدما كتب طويلاً في أحلامه، ولم يلق من عالمه سوى الخراب، عاد يموت بين خرائب حمص. صادق جلال العظم أغرته المنافي الطويلة بالعودة إلى دمشق، ولو في تسوية صعبة، لكنه اكتشف بعد سنوات أنها تتطلب الابتهاج بمنحه خطاً هاتفياً وتقديم الشكر على ذلك، باعتباره دليلاً من دلائل الحرية الفكرية. فجمع حوائجه وغادر إلى ألمانيا، التي علمته فلسفة هيغل وكانط وجماليات غوته.
المثقف والسلطة مسألة قديمة جداً، وليست خاصية عربية في جملة خواصنا. حتماً بدأت قبل أن يحمل سقراط على الانتحار بتناول السم لكثرة ما أزعج من خواطر، هو وأسئلته وإصراره على المثاليات. ويقول البعض إنه أصر على تجرع السم، ليس من أجل الحقيقة، بل هرباً من زوجته. وسوف يهرب تولستوي من زوجته أيضاً، ويموت في محطة قطار، فيما لحقت به صارخة: ماذا فعلت لك يا زوجي الحبيب!
بعد نهاية الاتحاد السوفياتي وفتح أدراج الأرشيف، عثر على تلك الرسائل التي بعث بها بعض كبار الأدباء والمفكرين، يطلبون خدمات من ستالين، من نوع مضحك. أو تافه. لكنه مضحك أو تافه في المجتمعات المفتوحة. أما في موسكو، فكان عليك أن تنتظر ست سنوات لتحصل على إذن بشراء سيارة «لادا». يروي توفيق الحكيم كيف كان يتعيَّن على أديب كبير أن يطلب رضا ضابط صغير لقاء فقط أن يعامله بشيء من الاحترام.
المثقف والسلطة علاقة معقدة. إنه متهور وضعيف. ولذلك، لا يؤتمن. ومثل نجيب محفوظ والحكيم ويوسف إدريس يجب أن تبقيه دائماً في مدى سطوة الرقابة والرقيب. عندما تخطى الطيب تيزيني عمر الخوف من الرقابة، عاد إلى حمص مفضلاً ركامها على حدائق المنفى في باريس. يحدث ذلك غالباً لجميع المثقفين. يعيشون شجعاناً في عبور الحياة، وبالشجاعة نفسها، يهيئون لليوم الأخير. الشجاعة كانت آخر صفات الطيب، فلا قيمة لها في بلادنا. صفته الكبرى كانت كثافة ثقافته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المثقف كاتباً رثاءه المثقف كاتباً رثاءه



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 12:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك
  مصر اليوم - افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 12:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
  مصر اليوم - أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
  مصر اليوم - ظافر العابدين يعود الى دراما رمضان بعد طول غياب

GMT 02:55 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

نيللي كريم تتحدث عن ظهورها في فيلم "كازابلانكا"

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

دي ليخت بين مطرقة عمالقة أوروبا وسندان برشلونة

GMT 18:43 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

خبير أرصاد يُحذّر من استخدام الكمامات في العاصفة

GMT 12:42 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

خطرٌ يُهدد حياتك بسبب النوم أكثر أو أقل من 8 ساعات يوميًا

GMT 02:16 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

بدران يؤكد أن الموز يُخفّف حموضة المعدة

GMT 12:55 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

مباراة توتنهام ضد تشيلسي تخطف الأضواء في الدوري الإنكليزي

GMT 03:34 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

مميزات استخدام ديكور الجدران الخرسانية في غرف النوم

GMT 21:44 2018 الأحد ,09 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جديدة مثيرة في واقعة "مذبحة الشروق"

GMT 23:32 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

صخرة برشلونة مهددة بالغياب عن مواجهة فياريال
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon