توقيت القاهرة المحلي 08:38:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاقتلاع

  مصر اليوم -

الاقتلاع

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

كان الإسرائيليون سادة الإعلام في العالم، يتقدمون العرب بمسافات لا تحسب. وخلال هزيمة 1967 جعلوا منا مسخرة المساخر في الغرب. وبعد صورة الضعيف المهزوم، أقاموا للعربي صورة الإرهابي المتوحش. وبدا العرب في حلبة الدعاية والإعلام مهزومين سلفاً، ومما فيه أننا ساهمنا أحياناً في ترسيخ تلك الصورة وتأكيدها من خلال جهلة أو مريبين.

المرة الوحيدة التي خسر فيها الإسرائيليون معركة الإعلام سلفاً، كانت في غزة. بدا الإسرائيلي أولاً، خاسراً ومنكسراً ويمكن هزيمته، ثم ظهر في صورة متوحش لا يتوقف عن قصف النساء والأطفال، وتشريد ملايين البشر، وتجويعهم، واحتقار القوانين والمعايير الدولية، وإبادة نظم الإنقاذ، والعلاج، والصرف الصحي، ومواجهة الأمراض والأوبئة.

أقامت إسرائيل، دون انقطاع، جحيماً لم تشهده الإنسانية من قبل. وأصبح مستحيلاً عليها الدفاع عما تفعل. وبعد شهرين من المجازر تحاول الآلة استعادة عملها السابق ودورها، لكن كل شيء يبكي مضحكاً في غابة من العويل. يكتب كتّاب وصحافيو الحركة الصهيونية عن فظاعات وحالات فردية، مقابل الآلاف الذين يشردون ويُقتلون كل يوم. لا كلام يصف الوحشية الإسرائيلية، ولا كلام يمكن أن يصف الإصابات والمصاب الفلسطيني وجنون الجلاد الإسرائيلي.

هذه المرة كان من الأفضل للدعاية الإسرائيلية أن تختبئ. كل شيء بدا هزيلاً، أما جرائمها الكبرى. حكايات مصوغة على الطريقة القديمة، صادق أو مركّب، لا يمكن أن تساوي مشهداً من 50 ثانية من سقوط مبنى، أو اثنين، أو شارع، أو حي، أو مدينة. يزيد في فظاعة المدن المدمرة الإعلان عن «الجسر الجوي» الأميركي الذي يرافق طائرات الدكّ. أو شكوى إسرائيل من انحياز الأمم المتحدة إلى جانب أهل غزة. تصوَّر أن إسرائيل هي التي تشكو! وتصوَّر ممن؟!

أبلغتني إدارة الفندق حيث أسكن، أنَّ عليَّ أن أنتقل من غرفة إلى غرفة. وهذا يعني أن أوضب، ثم أفكك، أمتعتي وكتبي. وهذا عمل شاق بالنسبة إليَّ، لكنني اكتشفت أن الأقسى في المسألة هو فكرة الاقتلاع. والأكثر قسوة هو تدخل عنصر غريب في حياتك وبرنامجك رغماً عنك. وكل هذه الكآبة وهذا الغضب والشعور بالاقتلاع بسبب الانتقال من غرفة إلى غرفة، وبكل احترام، وبمساعدة الجميع، وباعتذار الجميع.

يحتقر الإنسان نفسه وهو يشاهد كيف يُقتلع الغزيون من بيوتهم إلى الشوارع، ومن الشمال إلى الجنوب، ومن البؤس إلى الموت.

نحو مليوني بشري، على الأقل، اقتُلعوا عنوة ورُموا في العراء، لكن ما أسرع ما أقمنا لهم مخيمات، نحن آفة المخيمات السريعة. كل كارثة ومصيبة لها مخيم. دائماً مخيم مؤقت. ثم يصبح دائماً. ثم يصبح المخيم هو الوطن، في انتظار مخيم جديد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاقتلاع الاقتلاع



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt