توقيت القاهرة المحلي 07:02:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المغرب والهجرة: ريادة وتحديات

  مصر اليوم -

المغرب والهجرة ريادة وتحديات

بقلم: لحسن حداد

يتميز المغرب بكونه بلدَ استقبالٍ وعبورٍ للمهاجرين بالإضافة إلى كونه مصدراً للهجرة النظامية وغير الشرعية، خصوصاً إلى أوروبا. هنا تكْمُن أهمية الهجرة كلازمةٍ أساسية في علاقات المملكة مع بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وكذا مع دول الاتحاد الأوروبي. تدبيرُ الهجرة يتطلب فهماً جيداً ودقيقاً لتعقيداتها وتطوراتها في نسقٍ جهوي وإقليمي عام، يتميز بتحولات سوسيوسياسية وأمنية ومناخية تعرفها منطقة الساحل والصحراء، وكذا تطورات آيديولوجية وسياسية تمر منها جُلُّ دول أوروبا، خصوصاً ما يتعلق منها بمسائل اللجوء والهجرة وسياسة حسن الجوار مع دول الجنوب.

أقرَّ دستور 2011 أن المغرب دولةٌ متعددةُ الثقافات حين أوْرَدَ على مستوى الدِّيباجة بأن المملكةَ المغربيةَ متشبعةٌ بـ«تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية»، وهو ما يعني أنه بلدُ هجرةٍ بامتياز، بل إن موجات الهجرة المتعددة هي ما يعطي لهذا البلد تَفَرُّدَه وغناه الثقافي وتنوعه وميلَ مواطنيه نحو التعايش الثقافي والتسامح الديني والتسامح العرقي والإثني.
المغرب بلدٌ أفريقي حتى النخاع وموجاتُ الهجرة من الجنوب إلى الشمال حدثت على مَرِّ ستة قرون في عهد المرابطين والسعديين والعلويين. غير أن موجة الهجرة الجديدة وقعت في العقود الأخيرة وهمَّت جموعُ الأفارقة الوافدين من جنوب الصحراء، خصوصاً من بلدان ناطقة بالفرنسية، ولكن حتى من بلدان أخرى، والذين اختاروا «الإقامة» في المغرب فتمت تسوية وضعيتهم في إطار سياسة إدماج تبناها المغرب بريادة من الملك محمد السادس منذ 2013. المقاربةُ متعددةُ الأوجُهِ ولها بُعْدٌ إنساني وحقوقي، ولكن الإرجاعَ إلى البلد الأصلي بشراكة مع الدول التي يهمها الأمر هو كذلك أمرٌ وارد. كلُّ من تمت تسوية وضعيتهم يمارسون نشاطهم الاقتصادي والمهني عبر ربوع المغرب ويساهمون في بنائه، كما أن تحويلاتهم نحو عائلاتهم وذويهم تساهم في اقتصاد بلدانهم الأصلية. هذه هي إيجابيات الهجرة التي لا يفهمها الكثير في أوروبا، خصوصاً من يروقهم الدفاع عن وطن متخيَّل يتميز بنقاوة إثنية فانتازية.
الوجه القبيح للهجرة هي مافيات وشبكات تهريب البشر وقوارب الموت وعبور غابات الاستواء وصحاري الساحل وليبيا والجزائر. نعم هي «استثمار» عائلي ضخم قد يبلغ الآلاف من الدولارات لأداء ثمن العبور لشبكات منظمة تحميها عناصر إرهابية أو متخصصة في الجريمة العابرة للحدود. والهجرة هي نتيجةٌ لانسداد الأفق في مناطق أفقرتها التحولات المناخية والتصحر وتدهور مصادر العيش التقليدية ومخلفات الاستعمار وسنوات الجفاف المتتالية وفساد النخب السياسية والمحلية والصراعات الإثنية والمحلية وهجومات الجماعات المسلحة.
الهجرة من دول جنوب الصحراء هي نتيجة تضافر الطلب على الهجرة من طرف الأشخاص والعائلات، أو العوامل الدافعة، وعروض الهجرة المتمثلة في وجود شبكات ووسطاء وسماسرة ومؤطرين لهم معرفة دقيقة بِدُوَلِ العبور والمتعاونين داخلها، أي العوامل الجاذبة. تفاعل هذه العوامل يجعل الهجرة إلى الشمال، خصوصاً أوروبا، وحتى إلى دول مثل المغرب، صبيباً لا ينضب. مع فصل الصيف، يزداد الضغط حيث البحار أقلُّ هيجاناً والطقس سانحٌ للتنقل عبر التضاريس الوعْرة وشديدة البرودة أو الحرارة.
يعرف تنظيم الهجرة السرية من طرف شبكات متخصصة تحولات عميقة، حيث انتقل من تنظيم العبور عبر الصحراء وليبيا والجزائر وتنظيم هجومات غير مسلحة على السياجات الحديدية المحيطة بمدينتي سبتة ومليلية، المدينتين المغربيتين المحتلتين من طرف إسبانيا، إلى تنظيمٍ محكمٍ واستعمال أكثر للسلاح الأبيض وقيادة أكثر «حِنكةً» من طرف عناصرَ مدربةٍ على القتال.
منذ 2016، واجهت قوات الحدود المغربية ما مجموعه 145 هجوماً على سبتة ومليلية ولكنها لم تكن بنفس القوة والقتالية التي وقعت يوم 24 يونيو (حزيران) 2022 حين هاجم حوالي ألفي شخص، مؤطرين بعناصر مدربة ومدججة بالأسلحة البيضاء، نقطةَ العبور بين مدينتي الناظور ومليلية، وحاولوا المرور بالقوة من منطقة عبور الراجلين مما أدى إلى تدافعٍ وازدحامٍ شديدين وسقوط 23 قتيلاً وجرح 78 في صفوف المهاجرين؛ كما أدى إلى جرح حوالي 140 في صفوف قوات الأمن المغربية.
هذا التحول من محاولات عبور منظمة ولكن «شبه سلمية» إلى محاولات منظمة تنظيماً محكماً ومعززة بالسلاح ينذر بتحول فيمن يؤطر عمليات الهجرة السرية وربما دخول عناصر مدربة على الجريمة المنظمة والجريمة العابرة للحدود ميدانَ تنظيم العبور غير القانوني والعنيف إلى أوروبا. لذلك على كل الدول تَحَمُّل مسؤولياتها وعدم اللعب بالنار وعدم استعمال الهجرة السرية لأغراض سياسية وجيواستراتيجية. لا يمكن لأي بلد أن يساعد المهاجرين في التنقل إلى بلدان مجاورة وأن يُسَهِّل عملية عبورهم عبر الحدود لأن هذا منافٍ للأعراف الدولية والقانون الدولي الخاص بالهجرة.
الجهود التي تقوم بها المملكة المغربية والمتمثلة في تحمل مسؤوليتها فيما يخص كبح تدفق المهاجرين السريين أتت بنتائج معروفة: تفكيك حوالي 1300 شبكة للهجرة السرية خلال السنوات الخمس الأخيرة فقط، 256 في 2021، و100 في 2022، والحيلولة دون عبور حوالي 360 ألف مهاجر سري، 63 ألفاً في 2021 و26 ألفا حتى مايو (أيار) 2022. يستعمل المغرب إمكانياته الخاصة؛ أمّا المساعدات التي يقدمها له الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة لا تُمثِّل إلا جزءاً يسيراً مما يحتاجه من معدات وموارد بشرية وتكوين ولوجستيك ومراكز للرصد والمراقبة وغيرها. يُمَثِّل الأمر تحدياً كبيراً، خاصة أن حرس الحدود وقوات الأمن عليهما رصد تحركات القادمين إلى المغرب والمغادرين له على طول 3500 كلم على البحر و3400 كلم على حدوده البرية. هذا تحدٍّ يرفعه المغرب وتعاونه مع الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار هو نتيجة شراكة وتعاون مشترك وليس وليدَ أيِّ نوع من التفويض، كما تقول بعض وسائل الإعلام الإسبانية.
لكن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية. فتعزيز الهجرة القانونية والمفيدة للطرفين، وتبسيط إجراءات التأشيرات للمهنيين ورجال الأعمال والطلبة والعمال الموسميين من الدول الأفريقية إلى أوروبا، فضلاً على التنمية المستدامة والناجعة لبلدان المصدر، من خلال برامج للمساعدة الدولية الفعالة، وخلق منطقة شاسعة للنمو والازدهار حول البحر الأبيض المتوسط وفي شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، هي مداخل أكيدة لتدبير حقيقي وبعيد المدى لقضايا الهجرة.
لذلك فقد حان الوقت لإعادة التفكير في الشراكات وسياسات الجوار للعمل من أجل نهج أكثر استدامة ومفيدٍ للطرفين، أوروبا وأفريقيا. نَهْجٌ جديد للهجرة يحمي الحدود والسيادة الوطنية ومع ذلك يفتح الأبواب بشكل معقول أمام حركة قانونية ومستدامة للأشخاص بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب. الرخاء المشترك هو مفتاح هذا النموذج الجديد لسياسة الجوار بين أوروبا وشركائها الجنوبيين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب والهجرة ريادة وتحديات المغرب والهجرة ريادة وتحديات



GMT 19:49 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

في معنى «التنوير»

GMT 19:46 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

قراءة في مذكّرات يوسف حمد الإبراهيم

GMT 19:45 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

محاولة بعث الصدام الحضاري

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

‎ لماذا دخل نتنياهو رفح؟

GMT 19:13 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

دورتموند نصف الدراما وكل الحظ؟!

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 05:21 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة
  مصر اليوم - بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

اليوم ينصحك الفلك ألا تعلن أخبارك ولا تتكلم عن حياتك

GMT 16:11 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

فيسبوك تسلك طريق أكثر تشدد بشأن شفافية الإعلانات

GMT 13:54 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

نصائح مهمة لاختيار أفضل عباءة شتوية للتمتع بالأناقة والدفء

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفال بمرور 18 عامًا على إقامة متحف النوبة في أسوان

GMT 02:18 2016 الخميس ,02 حزيران / يونيو

الاعلان عن قائمة منتخب بلجيكا في "يورو 2016"

GMT 15:03 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل تاجري مخدرات جراء مشاجرة بينهما في الشرقية

GMT 14:43 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

أبراج تدعمك وتقف بجانبك في المواقف الصعبة

GMT 15:49 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ضربة موجعة لـ منتخب بلجيكا قبل انطلاق يورو 2020

GMT 08:07 2021 الخميس ,25 آذار/ مارس

مصر تسجل 40 وفاة و641 إصابة جديدة بكورونا

GMT 17:37 2021 السبت ,23 كانون الثاني / يناير

افتتاح مشروعا ضخمًا "للأسماك" في مدينة بورسعيد

GMT 15:08 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

مصطفى فتحي يشارك في تدريبات سموحة استعدادا لبيراميدز
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon