توقيت القاهرة المحلي 11:50:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفرصة لإنقاذ قانون المسؤولية الطبية

  مصر اليوم -

الفرصة لإنقاذ قانون المسؤولية الطبية

بقلم: زياد بهاء الدين

تابعت بقدر الإمكان الجدل الدائر حول مشروع قانون المسؤولية الطبية الذى أثار غضبًا واسعًا فى مجتمع الأطباء، ودفع نقابتهم للدعوة لعقد جمعية عمومية يوم الجمعة الماضى للتأكيد على رفض القانون. وقد ساعدنى فى المتابعة العديد من الأصدقاء المعنيين بالقانون بشكل أو آخر، فلهم جميعًا كل الشكر. والموضوع طبعًا لا يخص الأطباء وحدهم بل المجتمع كله.

للوهلة الأولى توحى التطورات الأخيرة بأن الأزمة قد انفرجت- أو متجهة نحو الانفراج- بعد إعلان الحكومة عن موافقتها على إلغاء الحبس الاحتياطى لمقدمى الخدمات الطبية، ثم تراجعها عن عقوبة الحبس ما عدا فى حالات الخطأ المهنى الجسيم، وتبع ذلك قرار نقابة الأطباء بإرجاء عقد جمعيتها العمومية، ثم أخبار عن مفاوضات مستمرة وتوافق وشيك بين نواب البرلمان والحكومة والنقابة (فى إطار لجنة الصحة بمجلس النواب)، قد ينتهى قريبًا بإقرار القانون. كلها أخبار وتطورات طيبة والجهد وراءها يستحق كل تقدير. مع ذلك فإننى أجد نفسى مضطرًا- من منظور قانونى وتشريعى- لإبداء تحفظى على مشروع القانون، لأنه أهم من أن يُترك للحسم بمنطق المفاوضات والتوافقات.

فما مشكلته التى لم تُحل حتى بعد التعديلات التى تم التوافق عليها؟ المشكلة أن مشروع القانون الذى وافق عليه مجلس الشيوخ من أسابيع استند إلى منطق مغلوط من البداية، وهو منطق الصراع بين الطبيب والمريض لا منطق الثقة، وأن حماية المريض تأتى من تجريم الخطأ المهنى وتهديد الأطباء بالحبس والغرامة والتعويض، وتشجيع الشكاوى والاحتكام للنيابة والقضاء. من هذه اللحظة، ومهما جرى من تعديلات ومفاوضات وصياغات، فإن هذا الأساس الصدامى للقانون (إذا جاز التعبير) سوف يظل مستمرًا. من جهة أخرى فإن مشروع القانون خرج من مجلس الشيوخ وفيه تداخل غير معروف فى مدرستنا القانونية بين المدنى والجنائى والإدارى، ومع كل جولة مفاوضات لتحسين مضمونه تزداد مفاهيمه القانونية اضطرابًا.

■ ■ ■

دعونى إذن أتجاوز النظريات وأقدم مقترحًا محددًا. وهو أنه بعد انتهاء المفاوضات بين الأطراف المعنية- النقابة والحكومة والبرلمان- يتم إرجاء المناقشة الأخيرة للقانون لحين إعادة عرضه على لجنة رفيعة المستوى من أعضاء إدارتى التشريع بمجلس الدولة ووزارة العدل، لكى تقوم بضبط مفاهيمه الأساسية وإخضاعه لأصول التشريع السليمة.

وفى هذا الإطار فإننى أقترح إعادة النظر فيما يلى:

أولًا) رغم أن موضوع العقوبات الجنائية تعدل مؤخرًا بشكل إيجابى (بعد اقتراح إلغاء الحبس الاحتياطى وقصر الحبس على الخطأ المهنى الجسيم)، إلا أن الأصح هو حذف العقوبات الجنائية تمامًا من القانون الجديد، بحيث يقتصر على تنظيم المسوؤلية المدنية لمقدمى الخدمات الطبية. وأما عن القول إن الخطأ المهنى الجسيم يستحق عقوبة جنائية (وهو قول صحيح) فإن التعامل معه يكون بالإحالة إلى نصوص قانون العقوبات إن كانت كافية أو بإضافة مواد مستحدثة إن كان لها مقتضى.

ثانيًا) بالنسبة للتعويض المدنى فإن مشروع القانون يكرر أحكامًا ومبادئ استقرت خلال الخمسة والسبعين عامًا منذ صدور القانون المدنى ومعها تراث قضائى مستقر وراسخ. فلماذا نتجه لاختراع عجلة جديدة؟ المطلوب فى القانون الجديد هو وضع الضوابط والمعايير والمفاهيم التى تتم الاستعانة بها عند تحديد ما إذا كان مقدم الخدمة الطبية أخطأ أم لم يخطئ ودرجة مسؤوليته، وكيفية الاحتكام إلى اللجان الجديدة المزمع إنشاؤها. ولكن بخلاف ذلك فالأفضل عدم التوسع فى النصوص والأحكام بل ترك الأمر بيد المحكمة المختصة.

ثالثًا) لا أعلم ما الذى سوف تنتهى إليه المشاورات الجارية حاليًا، ولكن فى بعض المسودات التى اطلعت عليها لايزال هناك تداخل بين الجنائى والمدنى، مثل اقتراح إحالة كل الشكاوى للنيابة العامة، وتداخل بين اختصاص اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، المقترح إنشاؤها، ومصلحة الطب الشرعى، وجهات الخبرة التى قد ترى المحكمة الاستعانة بها، وهذه أمور يجب أن تُحسم بدقة منعًا للتداخل فى المفاهيم والاختصاصات.

رابعًا) مازلت أرى فصل صندوق ضمان المسؤولية المهنية الطبية فى تشريع مستقل تقترحه هيئة الرقابة المالية، بصفتها الجهة الرقابية المختصة، وصاحبة الولاية على أى نشاط تأمينى فى مصر.

دعونى أنتهى بما بدأت به، وهو أن القانون كما وافق عليه مجلس الشيوخ انطلق من بداية غير موفقة، وهى نزع عنصر الثقة فى العلاقة بين الطبيب والمريض، واستبدل بها حالة عدائية وصدامية، ثم توسع فى الإحالة للنيابة والمحاكم الجنائية بدلًا من الاقتصار على التعويض المدنى. ومع أهمية التعديلات الأخيرة فى التوصل لحلول توافقية إلا أن القانون فى تقديرى يحتاج بعد كل هذا «الكر والفر» إلى قراءة ومراجعة قانونية رصينة من لجنة متخصصة، تعيد للمفاهيم القانونية انضباطها، وللقانون توازنه واتساقه مع المدرسة التشريعية المصرية العريقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفرصة لإنقاذ قانون المسؤولية الطبية الفرصة لإنقاذ قانون المسؤولية الطبية



GMT 13:59 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الإسلام السياسي

GMT 13:56 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

قمة مصرية إسرائيلية

GMT 13:51 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

الانتخابات التى عرفناها

GMT 13:48 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

السلاح لا يخفي صوت الضحايا إلى الأبد

GMT 13:46 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

زمن الاستقطاب العميق

GMT 13:37 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

محمد منصور ودراما سيزيف المصري

GMT 12:18 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

«يونان».. الحياة تقف على باب الموت!!

GMT 12:15 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

حلم الدكتور ربيع!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 17:19 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا
  مصر اليوم - لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا

GMT 11:25 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

شمس البارودي تهاجم الشللية في الوسط الفني بسبب نجلها
  مصر اليوم - شمس البارودي تهاجم الشللية في الوسط الفني بسبب نجلها

GMT 06:13 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 02 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 04:43 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تدعم حظر الهواتف المحمولة في المدارس الابتدائية

GMT 02:17 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

فيسبوك تقضي على Zoom بعد إطلاق App Lock

GMT 19:18 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حريق محدود بـ كابل كهرباء في الطالبية بمحافظة الجيزة

GMT 17:32 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

22 لاعبًا في قائمة الزمالك لمواجهة الإسماعيلي في الدوري

GMT 14:01 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

مقتل 18 جندياً في باكستان على يد مسلحين

GMT 10:28 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

إنفانتينو يقرب السعودية من تنظيم كأس العالم 2034

GMT 20:45 2022 السبت ,04 حزيران / يونيو

انطلاق كأس العالم للرماية الأحد المقبل

GMT 23:18 2021 الأربعاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

أبرز 5 سيارات كورية طرحت في السوق المصري لعام 2021

GMT 09:05 2021 الأربعاء ,10 آذار/ مارس

طريقة عمل الروستو

GMT 10:12 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

والدة طفلة التعرية ترفع قضية إثبات نسب جديدة

GMT 06:22 2020 الجمعة ,02 تشرين الأول / أكتوبر

السيسى يصدق على تعديل بعض أحكام قانون السجل التجارى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt