توقيت القاهرة المحلي 10:16:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

علي رضوان.. شيخ الآثاريين

  مصر اليوم -

علي رضوان شيخ الآثاريين

بقلم : زاهي حواس

برحيل العالم الجليل الأستاذ الدكتور على رضوان، ينفرط عقد الآثاريين المصريين العظام الذين كان هو شيخهم بامتياز، وكان يأتى فى مقدمة أعظم العلماء فى مصر. وبالأمس القريب، ودع الآثاريون المصريون هذا العالم الفذ الذى كان واحدًا من أهم علماء الآثار المصرية.

لقد كان الدكتور رضوان بارعًا فى انتقاء كلماته بلغة عربية جزلة حين يشرح الآثار المصرية، وكان يصعب أن يجاريه أحد فى براعته وفصاحته ولباقته اللغوية التى جعلت منه واحدًا من أعظم العلماء الذين نجحوا بجدارة منقطعة النظير فى إبراز عظمة الحضارة المصرية القديمة. ولا تزال كلماته الجميلة الرنانة، التى كانت تدخل القلوب بكل سهولة، ترن فى أذنى، وأنا أكتب هذا المقال فى وداع أعز أصدقائى بين آثاريى مصر. وحين كان يشرح تمثال خفرع، الموجود بالمتحف المصرى بميدان التحرير، كان يجعل التمثال كأنه حجر حى خاصةً عندما كان يقول بلغة عربية جميلة: «لو لم يضع الفنان اسم الملك على التمثال، لأحسست أنه ملك».

لقد كان الدكتور رضوان رجلاً محترمًا وعظيمًا، وكان قليل الكلام، وكانت تخرج كلماته بحساب دقيق؛ ولذلك قد كان له أصدقاء قليلون؛ لأنه كان دائمًا يختار بدقة الشخص الذى يدخل قلبه. وقد عرفت الدكتور رضوان عندما كنت أدرس دبلوم الآثار المصرية القديمة بجامعة القاهرة. وهناك عرفت عددًا كبيرًا من الأساتذة العظام الذين لا يتكرر أحد منهم الآن للأسف الشديد. وكان د. رضوان أحد أهمهم. ودرست على يديه الآثار المصرية. وبعد ذلك، استمر الود بيننا. وأصبح من أعز أصدقائى. وكان ثلاثتنا، المرحوم الدكتور جمال مختار وهو وكاتب المقال، نجتمع دائمًا فى نادى الجزيرة. وكنا نستمع إلى نصائح الدكتور مختار. وبعد رحيل دبلوماسى الآثار الدكتور مختار، أصبح الدكتور رضوان من أهم الشخصيات المحببَّة إلى قلبى.

ولا أعتقد أن هناك يومًا واحدًا مرّ دون أن نتحدث يوميًا. وعندما توليت مسؤولية المجلس الأعلى للآثار، قلت له: «أرجو أن تشاركنى فى الرأى؛ لأننى لا أود أن أعمل سوى الخير لمصر وآثارها»؛ لذلك لم أتخذ قرارًا واحدًا دون أن يشاركنى فيه الرأى؛ ولذلك نجحنا فى الحفاظ على آثار مصر، وأوقفنا معًا العديد من المشروعات التى كانت تهدد الآثار، ومنها الطريق الدائرى، والطريق الغربى الذى كان يمرّ بجوار معبد الملك سيتى الأول بأبيدوس. وشرفنا بعضوية الدكتور رضوان فى مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار، وكذلك برئاسته لمجلس إدارة المتحف المصرى بالتحرير. وكان ممثلاً للمجلس الأعلى للآثار فى اجتماعات اليونسكو. وبعد أن توليت الآثار، قابلت صديقى الفنان المبدع فاروق حسنى، عندما كان وزيرًا للثقافة، لكى يعين رضوان عضوا بالمجلس الأعلى للثقافة. وبعد ذلك، طلبت من إحدى الجامعات المصرية ترشيح د. رضوان لجائزة النيل، وقد حصل عليها بالإجماع من أول مرة. وعندما أبلغته بالقرار؛ إذ إننى كنت عضوًا فى المجلس الأعلى للثقافة بحكم وظيفتى كأمين عام للمجلس الأعلى للآثار، وجدته يبكى من الفرحة. وقال لى بالحرف الواحد: «الآن أستطيع القول إن بلدى ومحبوبتى الكبرى، مصر، قد أعطتنى الكثير. وهذا أعظم وسام على صدرى».

وكان د. رضوان الآثارى المصرى الوحيد الذى كان يكتب مقالات علمية على مستوى علمى كبير وغيرها بانتظام إلى آخر أيام حياته على عكس الكثيرين الذين يكتبون مقالات الهدف منها هو الترقية والحصول درجة الأستاذية فى الآثار المصرية، وبعد ذلك يتوقفون عن تقديم أى شىء يُذكر للعلم، ويتفرغون لأمور غير علمية.

وقد تخرج الدكتور على رضوان من جامعة ميونيخ الألمانية. وبعد ذلك، حصل على درجة ما بعد الدكتوراه من ألمانيا أيضًا. وعلى الرغم من ذلك، لم يقف فى صف الألمان حين طالبت بعودة رأس نفرتيتى لمصر. ود. رضوان أيضًا من القلائل الذين بدأوا حياتهم العملية فى الآثار حين عمل مفتشًا لآثار الفيوم وبنى سويف فى سن صغيرة، وقدم فى تلك الوظيفة خدمات جليلة لآثار مصر فى المحافظتين. وبعد ذلك، أشرف على حفائر مهمة جدًا، وهى حفائر كلية الآثار بجامعة القاهرة فى منطقة «أبوصير» بالجيزة. وقدم لنا اكتشافات هامة فى عصر الأسرات المبكرة. وقد ترك لنا ميراثًا مهمًا جدًا لم يقدمه أستاذ مصرى من قبل. وله العديد من التلاميذ فى مصر والعالم العربى؛ إذ كان يشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه فى التخصص. وفى عهدى أصدر المجلس الأعلى للآثار مجلدات عديدة بلغات مختلفة تكريمًا لهذا العالم الجليل المخلص المحب لوطنه وآثاره وتلاميذه. وكتب هذه المقالات أصدقاؤه ومحبوه وتلاميذه؛ لأنه كان ملء الأسماع والأبصار. وكان الدكتور رضوان يقف دائمًا لنصرة الحق. وكان بحق معلمًا ومدافعًا شرسًا عن آثار مصر. وكان محبًا ومعاونًا ومدافعًا عن تلاميذه بكل الحب والقوة والتشجيع والاحترام، فبادله تلاميذه نفس الشعور وأكثر. وكان موفقًا فى المعارك التى خاضها دفاعًا عن آثار مصر حتى تم اختياره بحق وبرغبة صادقة من الجميع كى يكون رئيس اتحاد الآثاريين العرب عند تأسيسه والذى نجح من خلال حكمة وبراعة ودماثة خلقه فى أن يجمع الآثاريين المصريين والعرب على كلمة واحدة.

وعندما أصابه المرض اللعين، عرفت حالته من الدكتور محمد الكحلاوى. وأقول إن الدكتور محمد الكحلاوى رجل شجاع؛ لأنه كان معه فى كل لحظة. وقلت له: «إننى لو شاهدته فى هذه الحالة، لوقعت على الأرض على الفور؛ لأننى لم أكن أتصور يومًا أن أشاهده مريضًا». ولذلك كنت يوميًا عندما أنظر فى الهاتف وعندما لا أجد اسم الدكتور الكحلاوى، كنت أحس بالسعادة؛ لأننى كنت أخاف أن أسمع النبأ الحزين إلى أن جاءت اللحظة التى كلمنى فيها الدكتور الكحلاوى؛ فانهمرت الدموع من عينى فى صمت وحزن شديدين.

وعندما ذهبت لصلاة الجنازة على الفقيد الكبير، لم أكن أتصور أن يثوى جسد عملاق الآثار داخل هذا النعش، لكنها سنة الحياة. وفى الجنازة، شاهدت د. أحمد عيسى أحد تلاميذه وهو يبكى بشدة وكان بكاؤه يحسر القلب ويظهر حب الطالب لأستاذه وهذا هو الوفاء.

ولم أستطع أن أحضر العزاء التالى أو التأبين الذى أعده الدكتور خالد العنانى؛ لأننى لم أكن أستطيع أن أتكلم كلمة واحدة عنه، ولو وقفت أنعيه؛ فسوف أبكى أمام الحاضرين؛ ولذلك أطلب من الله سبحانه وتعالى له الرحمة والمغفرة والجنة، ونشكر جميعا د. خالد العنانى على وفائه للآثاريين.

وفى النهاية، أقول إن د. على رضوان سوف يظل علامة مميزة، وسوف يظل يسكن قلبى مدى الحياة، وسوف أفتقد اللقاء الأسبوعى معه والذى كان يجمعنا به مع الدكتورة شافية بدير والدكتورة سعاد عبدالعال فى لقاء الحب والصداقة والعلم؛ على رضوان شخص نادر لا يتكرر كثيرًا.

إن الدكتور على رضوان خرج من الحياة بعد أن أضاف إليها وإلينا الكثير فى علم الآثار. ورحم الله الفقيد الغالى وأسكنه فسيح جناته جزاء ما فعله لنا ولمصر وآثارها. وسوف يبقى الدكتور على رضوان فى عقل وروح ووجدان كل محبيه، ومن قبلهم مصر التى أحبها بكل صدق، وكان من عشاقها العظام؛ لأن مصر العظيمة كثيرة العشاق. رحم الله الدكتور على رضوان أستاذًا وصديقًا وأخًا ومعلمًا للأجيال وواحدًا من أبرع أساتذة الآثار العظام، وسوف يكتب اسمه بحروف من ذهب على مراجع التاريخ والآثار المصرية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علي رضوان شيخ الآثاريين علي رضوان شيخ الآثاريين



GMT 07:42 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الصفحات الصفراء

GMT 11:03 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

البابا شنودة... من حكايا المحبة (٢)

GMT 10:57 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

حرية الصحافة!

GMT 10:54 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

أشغال شقة (الكوميديا) الطازجة!

GMT 10:51 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

أظرف ما فى الموضوع

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد

GMT 13:22 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

قائمة "نيويورك تايمز" لأعلى مبيعات الكتب

GMT 20:50 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقلوبة لحم الغنم المخبوزة في الفرن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon