توقيت القاهرة المحلي 19:39:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

'تسميم' ياسر عرفات… هروب إلى أمام

  مصر اليوم -

تسميم ياسر عرفات… هروب إلى أمام

بقلم خيرالله خيرالله

لا يمكن للكلام عن أن ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، توفّى اغتيالا أن يخفي الحقيقة المرّة المتمثلة في أنّ القضية الفلسطينية تمرّ في أزمة عميقة. تعود هذه الأزمة إلى أسباب داخلية مرتبطة بأزمة حركة “فتح” وقيادتها من جهة، وللتغييرات التي حصلت في المنطقة والعالم من جهة أخرى. لم يعد صحيحا أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى عربيا، كما لم تعد موضع اهتمام عالمي، إضافة بالطبع إلى أن إسرائيل التي تؤمن باستمرار الاحتلال ومتابعة الاستيطان في وضع أكثر من مريح. من يبحث عن دليل جديد على ذلك، يستطيع العودة إلى زيارة رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف للقدس المحتلة وطبيعة الاتفاقات التي وقعها خلال الزيارة. أكدت الاتفاقات عمق العلاقة القائمة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وكلّ من الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ميدفيديف الذي ليس سوى موظف لدى الرئيس الروسي يحرّكه كيفما شاء.

قبل كلّ شيء، إن كلّ كلام عن أن “أبو عمّار” اغتيل لا يمتّ للواقع بصلة، بل هو كلام أقرب إلى المزايدات من أيّ شيء آخر. جاءت نتيجة التحاليل التي أجريت في فرنسا، حيث فارق الزعيم الفلسطيني الحياة في أحد المستشفيات القريبة من باريس لتؤكد أن وفاته أكثر من طبيعية. فضلا عن ذلك، ليس صحيحا أن لجنة التحقيق الفلسطينية في الوفاة استطاعت الحصول على أي دليل ملموس على “تسميم” الرجل في أثناء وجوده بمقره في رام الله تحت الإقامة الجبرية بين أواخر 2001 و2004.

كلّ ما في الأمر أن هناك محاولة واضحة، في الذكرى الثانية عشرة لوفاة ياسر عرفات، لاستخدام قضية “التسميم” لتغطية الصراعات القائمة داخل “فتح” وحال الجمود التي تعاني منها القضية الفلسطينية في ظل انقسام داخلي بين السلطة الوطنية و”حماس” المتربّصة بها وبالضفّة الغربية.

من يعرف ياسر عرفات، ولو قليلا، يعرف أيضا أنّه كان رجلا مريضا منذ ما قبل وضعه في الإقامة الجبرية في “المقاطعة”، بل منذ ما قبل عودته إلى الأرض الفلسطينية في العام 1994، بعد توقيع اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض والمصافحة التاريخية بينه وبين إسحاق رابين. في الواقع، أخذت المتاعب الصحية لـ”أبو عمّار” تتضح أكثر فأكثر منذ سقوط طائرته في الصحراء الليبية في الثامن من نيسان – أبريل 1992 وخضوعه بعد ذلك لعمليات جراحية عدّة في الرأس نتيجة الرضوض التي تعرّض لها. وقد أجريت معظم هذه العمليات في الأردن برعاية من الملك حسين، رحمه الله، وإشراف مباشر من الطبيب الخاص بالزعيم الفلسطيني.


استغلّ آرييل شارون، الذي أصبح رئيسا للوزراء في ربيع 2001، أحداث الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر لينقضّ على ياسر عرفات الذي ارتكب خطأ كبيرا عندما شجّع على عسكرة الانتفاضة الفلسطينية الجديدة التي اندلعت إثر زيارة شارون للمسجد الأقصى في خريف العام 2000. أدّت محاصرة إسرائيل لـ”المقاطعة” إلى التعجيل في تدهور صحّة الزعيم الفلسطيني الذي تعرّض مقرّه لقصف مدروس. انتهى الأمر بنقله إلى فرنسا لمعالجته. وقد أمضى في المستشفى نحو أسبوعين، وما لبث أن فارق الحياة لأسباب وردت في التقرير الطبي الذي صدر عن المستشفى الفرنسي واسمه فال دو غراس.

لم يعد الموضوع المطروح حاليا في المجال الفلسطيني، موضوع الأسباب التي أدت إلى وفاة ياسر عرفات أو إنجازاته. وحده التاريخ سيحكم على الرجل الذي وضع من دون شكّ القضية الفلسطينية على خارطة الشرق الأوسط ودفن في رام الله، أي على مرمى حجر من القدس التي حلم دائما أن يرقد جثمانه فيها. وحده التاريخ سيحكم أيضا على الأخطاء التي ارتكبها الزعيم الفلسطيني الراحل، سواء أكان ذلك في حق الأردن ثمّ لبنان، ثمّ الكويت أم في حق القضية نفسها، وذلك عندما رفض العرض الذي قدمه له رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك بحضور الرئيس بيل كلينتون في كامب ديفيد صيف العام 2000.

ربّما كان “أبو عمّار” على حقّ في رفض العرض الذي جاء به باراك، ولكن ما الذي يبرّر رفضه الموافقة على الاتفاق – الإطار الذي طرحه كلينتون قبل نهاية عهده في آخر يوم من السنة 2000؟ أدى هذا الرفض إلى قطيعة مع الإدارة الأميركية الجديدة التي كان على رأسها جورج بوش الابن. ما لبثت الولايات المتحدة أن أغلقت أبواب واشنطن في وجه الزعيم الفلسطيني الذي لم يعرف كيف يكون التصرّف بعد أحداث أيلول ـ سبتمبر 2001، أي بعد “غزوتي واشنطن ونيويورك” اللتين نفذتهما “القاعدة”.

في كلّ الأحوال، تبدو إثارة قضية “تسميم” ياسر عرفات أقرب إلى عملية هروب إلى أمام من أيّ شيء آخر. إنّه هروب من الواقع المتمثل في الحاجة لإعادة اللحمة إلى “فتح”، بكل قواها الحيّة، وليس تقسيم الحركة تمهيدا لإلغائها وإخراجها من المعادلة الفلسطينية. لعل أخطر ما في الأمر أن استخدام ذكرى وفاة ياسر عرفات لتصفية حسابات فلسطينية ـ فلسطينية يكشف حالا من الانسداد السياسي على كلّ صعيد. لم يعد من وجود للسلطة الوطنية الفلسطينية بعدما ألغي وجود منظمة التحرير الفلسطينية التي يُفترض أن تكون المشرفة على هذه السلطة. إضافة إلى ذلك، لم يعد من وجود يذكر لحركة “فتح” القادرة على مواجهة “حماس”، أي الحركة التي تصرّ على تكريس الانقسام الفلسطيني، بين الضفة والقطاع، سياسيا وجغرافيا.

بعد اثني عشر عاما على وفاة ياسر عرفات، لم يبق من السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية سوى الأجهزة الأمنية التي لا مهمّة لها سوى التنسيق مع الأمن الإسرائيلي. لم يعد هناك من مشروع سياسي من أيّ نوع كان، فيما “حماس” منصرفة إلى تعزيز وجودها في غزّة برضا إسرائيل ورعايتها. أين مشكلة إسرائيل حين تكون حركة مثل “حماس” واجهة الشعب الفلسطيني وإطلالته على العالم؟

يبقى الموضوع الأساسي المطروح، الذي لا يمكن الهرب منه، موضوع خلافة محمود عبّاس “أبومازن” رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية وزعيم “فتح”… ورئيس دولة فلسطين. هذا هو الموضوع الأساسي. كلّ ما عداه دوران في حلقة مغلقة لا ينجح في كسرها كلّ الكلام عن ياسر عرفات وعن الظروف التي أدّت إلى وفاته. هذه ظروف معروفة. معروف أيضا أن إسرائيل لا همّ لها، في هذه المرحلة، سوى تكريس الاحتلال ومتابعة الاستيطان وعدم الدخول في أيّ مفاوضات جدّية.

ما ليس معروفا كيف سيواجه الفلسطينيون الواقع كما هو والمتمثل في إعداد أنفسهم لمرحلة ما بعد “أبومازن” في ظل ظروف داخلية وإقليمية وعالمية غير مواتية؟ ألم يكن بناء مؤسسات لدولة فلسطينية، قد ترى النور يوما، تحت إشراف حكومة برئاسة الدكتور سلام فيّاض من الخيارات المطروحة لمواجهة مرحلة ما بعد “أبومازن” بدل الاستمرار في إضاعة الفرص… مهما كانت هذه الفرص هزيلة؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تسميم ياسر عرفات… هروب إلى أمام تسميم ياسر عرفات… هروب إلى أمام



GMT 00:03 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

حرب أوكرانيا... واحتمال انتصار الصين!

GMT 00:00 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

ردت إيران… لكنّ الثمن تدفعه غزّة

GMT 22:07 2024 الأحد ,14 إبريل / نيسان

ردّت إيران... لكنّ الثمن تدفعه غزّة

GMT 00:04 2024 الأحد ,14 إبريل / نيسان

لعبة نتنياهو... ولعبة "حماس" وإيران

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:07 2022 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"لامبورغيني" تفتتح صالة مؤقّتة في الدوحة حتى منتصف ديسمبر

GMT 11:02 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

دور الاستثمار العقاري الخارجي في التنمية الاقتصادية

GMT 11:19 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

دار "اسكادا" تعلن عن عطرها الجديد "سيلبريت ناو"

GMT 23:36 2017 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

هدى حسين تسعى للخروج عن الموضوعات المكرّرة

GMT 18:23 2022 الثلاثاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ممارسة الرياضة صباحًا هي الأفضل لصحة القلب والأوعية الدموية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon