توقيت القاهرة المحلي 19:33:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الطريق لفشل الإخوان

  مصر اليوم -

الطريق لفشل الإخوان

عمرو الشوبكي

ما الذى أوصل حكم الإخوان بعد 6 أشهر إلى كل تلك الأزمات؟ قد يرى الكثيرون أن النظام السابق ترك مصائب تصعب من مهمة أى نظام جديد على إصلاح البلد فى فترة محدودة، وهو أمر صحيح بالتأكيد، لكن، بكل أسف، الموضوع لا يحسب بهذه الطريقة، فمهما كانت مسؤولية النظام القديم المؤكدة عن الكارثة التى تعيشها مصر الآن فإن هناك مسارات تجاهلها الإخوان بصورة كاملة، وفعلوا عكس ما تقوله تجارب النجاح، وأصروا على أن يسلكوا الطريق الذى سيقضى على أول محاولة جادة فى مصر لبناء تيار إسلامى ديمقراطى. وإذا كان من المؤكد أن معضلة الوضع الحالى لا يتحملها الإسلاميون فقط، إنما تتحمل القوى المدنية ربما نصيباً مساوياً من التخبط والمراهقة وسوء الأداء طوال الفترة الانتقالية، لكن الفارق الأبرز بين الاثنين أن الإخوان هم الذين اختاروا أن يتقدموا الصفوف ويحكموا البلاد على عكس كل وعودهم السابقة، وهو أمر كان محفوفاً بالمخاطر، نظراً لصعوبة تكيف الجماعة والدولة والمجتمع على هذا التحول من جماعة خارج السياسة والحكم «1928: 1948»، وجماعة خارج الشرعية ومستبعدة جزئياً أو كلياً من الحياة العامة والسياسية «1954: 2011»، إلى جماعة تحكم وتهيمن وتقصى الآخرين. ولعل الخطوة الأولى فى طريق التعثر تتمثل فى تصور الجماعة أن نجاحها المؤكد فى بناء تنظيم قوى وآلة انتخابية كفؤة يكفى لإدارة الدولة ومؤسساتها فى بلد بحجم مصر، وأن خبرة الجماعة فى التفاعل مع المجتمع والنقابات والبرلمان كتيارات معارضة، ليست نفسها خبرة إدارة الدولة، كما أن مهارات الهروب من الأجهزة الأمنية وقوة العزيمة والصبر أثناء فترات الاعتقال ليست هى المهارات المطلوبة لإدارة البلاد وتقديم رؤى إصلاحية حقيقية للتعامل مع مؤسساتها. والحقيقة أن حكم الإسلاميين فى بعض بلاد الربيع العربى مثّل فرصة تاريخية لم تتح لتجارب إسلامية أو قومية سابقة وهى أن وصولهم للسلطة جاء عبر صندوق الانتخاب وليس عبر انقلاب عسكرى أو ثورة أسقطت النظام والدولة معا وأعادت بناءهما على أسس «ثورية» على طريقة بعض الثورات الشيوعية الشمولية، فتعطى حصانة للاستبداد باسم الثورة، إنما عبر ثورة حديثة طالبت بالعدالة والديمقراطية. والحقيقة أن إخوان الحكم ساروا طوال الأشهر الستة الماضية عكس الاتجاه الذى كان يجب أن تسير فيه حتى تضمن دخولاً سلساً فى العملية السياسية، ووصولاً آمناً للسلطة. لقد ظلت الجماعة خارج دائرة الحكم والإدارة حتى فى الفترات التى كانت تتمتع فيها بشرعية قانونية، وظلت دوائر الحكم والمؤسسات الأمنية والعسكرية ترتاب فيهم منذ أكثر من نصف قرن، باعتبارهم خطراً على الدولة والنظام، والأمر نفسه انسحب على فريق من القوى السياسية والمجتمع وقطاع واسع من المسيحيين المصريين. وحين تمتلك الجماعة تراثاً عمره حوالى 85 عاماً خارج دائرة الحكم وخارج دائرة العمل الحزبى، فهل يعقل بعد 6 أشهر من وصولها للسلطة أن تركز كل جهودها فى مواجهة الآخرين، خاصة السلطة القضائية التى شككت فى نزاهتها، والتى أوصلت «مرسى» إلى سدة الرئاسة، وتصر على كتابة مسودة دستور صادمة لقطاع واسع من المصريين، وتصدر إعلاناً دستورياً يحصن قرارات الرئيس التى مهما كانت مبررات صدوره فإن تراث جماعة الإخوان المسلمين خارج السلطة كان عاملاً مهماً وراء التشكك فى نواياهم بعد الوصول للسلطة. إن ما سبق أن سميناه من قبل «الدمج الآمن» للإخوان يستلزم الوصول المتدرج للسلطة الذى لا تبدو فيه ماكينة الإخوان وكأنها تغرد فوق المجتمع والدولة، وأن وصولهم للحكم لا يعنى قلب كل المعادلات السياسية بجرة قلم، فقواعد الديمقراطية معناها النسبية والتدرج فى التحولات. إن تجارب النجاح تقول لنا إن أى قوى أو جماعة راديكالية تأتى من خارج المنظومة السياسية السائدة، لابد أن تتبنى خطاباً مطمئناً وإصلاحياً لا تبدو فيه أنها ستسيطر أو ستحتكر الحياة السياسية، وأنها ستكتب الدستور والقوانين الأساسية بمفردها، وتصفى حساباتها مع الدولة لا أن تصلحها. فلأول مرة فى تاريخ أى تجربة ديمقراطية يفوز مرشح جماعة غير مرخصة قانوناً فى انتخابات رئاسة، وتتعامل مع قوانين الدولة التى ترغب فى أن ترأسها باعتبارها فى وضع أدنى من قوانين الجماعة التى وضعتها فوق قوانين الدولة وأجهزتها الرقابية بالإصرار على أن تصبح محظورة بمحض إرادتها لا بفعل النظام. إن تلك المساحة الوسطية التى يعيش فيها معظم المجتمع المصرى سبق أن ملأها - ولو بصورة غير كاملة - الوفد قبل ثورة يوليو و«عبدالناصر» بعدها، عاد الإخوان ليفقدوا أسباب تصويت قطاع واسع من المصريين لهم فى الانتخابات بعدما ألبسوا خطابهم الإصلاحى ثوباً ثورياً يمثل عكس تراثهم وفكرهم المحافظ على مدار ما يقرب من 85 عاماً، وهو ما بدا جلياً فى الإعلان الدستورى حين أصر الرئيس أن يغلف قراراته الاستبدادية بشعارات ثورية كما فعلت كل النظم الفاشلة فى العالم كله. معضلة الصراع السياسى الدائر حالياً فى مصر أكبر من خلاف على إعلان دستورى، إنما فى تيار وصل للسلطة دون أن يمتلك خبرة العمل فى النور والتفكير الحقيقى لا الوهمى - مثل مشروع النهضة الذى له «جناحان» - فى بناء منظومة جديدة لبلد كامل وليس الحفاظ على بناء الجماعة وتماسكها، وإصلاح جراحى لكل مؤسسات الدولة وليس تصفية الحسابات معها. لم يع الإخوان طبيعة التحديات المحيطة بهم، وساروا عكس الاتجاه حتى بدوا مثل هذا الرجل الذى يمتلك سيارة عتيقة اعتاد أن يسير بها كل فترة بأقصى سرعة فيصدمها فى شجره، ويعود ليقضى سنوات فى إصلاحها، وبعد ذلك يعود مرة أخرى ويكرر فعلته الأولى نفسها. إن تراجع الرئيس عن الإعلان الدستورى هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمة، وكتابة الدستور بطريقة مختلفة فى الشكل والمضمون عن الطريقة التى كتبت بها الأغلبية الإسلامية المسودة الحالية هو الضمانة الأساسية لكى نحفظ لمصر شرعية أول انتخابات رئاسية ديمقراطية منذ 60 عاماً. نقلاً عن "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطريق لفشل الإخوان الطريق لفشل الإخوان



GMT 17:33 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

العكس بالضبط

GMT 17:31 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

«إن شاء الله ولد» صرخة رددها الجمهور فى «مالمو»!

GMT 17:27 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

فصل جديد مع القضية الفلسطينية!

GMT 17:26 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

«ألفا» ونحن

GMT 17:24 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

المرأة المصرية شاركت فى بناء الأهرامات!

GMT 17:10 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

ستظل حاضرة فى الصوت والصورة

GMT 17:09 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

دافوس فى الرياض (٢)

GMT 15:42 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
  مصر اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 03:37 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

الحكومة السورية ترفع أسعار البنزين والديزل

GMT 13:19 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

نصائح مميزة من أجل اختيار أحمر شفاه جذاب في الحفلات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon