بقلم:عمرو الشوبكي
المفاوضات التى جرت نهاية الأسبوع الماضى بين المبعوث الأمريكى الخاص ستيف ويتكوف مع عدد من المسؤولين الأوروبيين والأوكرانيين فى فلوريدا كانت مثمرة ومعقدة فى نفس الوقت.
الجانب الأمريكى يرى أو يسعى إلى «ألا يكون السلام فى أوكرانيا مجرد وقف للأعمال العدائية، بل أساس لمستقبل مستقر».. ويريد أن يربط وقف القتال بضمان «أمن مكفول وتهيئة الظروف لتعافى أوكرانيا وازدهارها على المدى الطويل».
والحقيقة أن الجانب الأمريكى يحاول أن يطبق الخطة التى أعلنها الرئيس ترامب من 28 نقطة لإنهاء الحرب فى أوكرانيا، والتى تحفَّظ عليها الأوكرانيون وحلفاؤهم الأوروبيون واعتبروا نسختها الأولى مواتية أكثر لموسكو، وذلك قبل تعديلها عقب التشاور مع كييف والاتحاد الأوروبى، فى حين أكدت موسكو
معضلة خطة ترامب مركبة؛ فهى من ناحية تضمن تنازلا عن أراض أوكرانية فى الدونباس (تعتبرها روسيا تاريخيا جزءا من أرضها) طالما تمسكت كييف بسيادتها عليها وقالت إنها حاربت ثلاث سنوات لاستعادتها وإن التنازل عنها سيفتح باب التساؤل حول مبررات الاستمرار فى حربٍ معروف أن أوكرانيا لن تنتصر فيها رغم المساعدات الأوروبية الدائمة والسخية، والمساعدات الأمريكية السابقة.
أوكرانيا تقول إن التنازل عن مقاطعة الدونباس يتطلب استفتاء من الشعب الأوكرانى، وهو أمر فى حال حدوثه سيؤثر على شرعية الرئيس زيلينسكى، وسيقول له جانب من الرأى العام: لماذا سقطت كل هذه الأرواح من أجل الدفاع عن أرض تنازلت عنها؟
من ناحية أخرى، فإن أوكرانيا تطالب بضمانات أمنية.. وفى نفس الوقت تصر روسيا على ألا تؤدى هذه الضمانات إلى انضمامها لحلف الناتو.. وهو ما جعل الخطة الأمريكية تعطى لأوكرانيا مظلة حماية صلبة لضمان عدم قيام روسيا بأى هجوم جديد دون أن يعنى ذلك انضمامها إلى الناتو.
فكرة المواءمة حول أراضٍ متنازع عليها مسألة شائكة فى كل مكان فى العالم وتحتاج إلى سياسيين مخضرمين وكبار لكى يطرحوها ويتحملوا ثمن الهجوم عليهم من كل الأطراف، وهذا ما يُحسب لوزير الخارجية الأمريكى الراحل هنرى كيسنجر الذى سبق وطالب أوكرانيا فى مؤتمر دافوس الذى عقد فى بدايات الحرب بالتخلى عن أراضٍ لإنهاء الحرب.
ولقد قابل الأوكرانيون هذه الآراء بالرفض والهجوم الشديد وعادوا وتفهموا أنها السبيل الوحيد لإنهاء الحرب، ولكنه «سبيل» معقد وستكون له تبعات كثيرة على نظامهم السياسى وحكم رئيسهم الحالى.
المفاوضات المتعلقة بالتنازل عن أراض محل نزاع مسألة ليست سهلة وإعطاء ضمانات أمريكية لدولة دون دخولها فى حلف الأطلنطى مسألة شائكة أيضا وإن رغبة الدولتين الحقيقية فى إنهاء الحرب ستكون العامل الأساسى وراء الوصول لتسوية مؤلمة للجانبين وخاصة الأوكرانى.