توقيت القاهرة المحلي 14:02:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مخاطر «داعش» المتحور

  مصر اليوم -

مخاطر «داعش» المتحور

بقلم:عمرو الشوبكي

من يطلع على مخطوطة «داعش» الشهيرة «إدارة التوحش» يكتشف أن ما يوصف مجازاً بالبناء العقائدي للتنظيم كان أقرب «لمشروع انتقامي» لا يتقيد ببناء عقائدي محكم، مثلما جرى مع تنظيمات التطرف العنيف الأخرى كـ«الجهاد» و«الجماعة الإسلامية»، حتى صيغتهما العابرة للحدود، المتمثلة في «تنظيم القاعدة»، التي اتسمت أيضاً ببنية عقائدية صلبة وتفسيرات متشددة لبعض النصوص الدينية لتبرير العنف والإرهاب.

وربما تكون حالة تنظيم «داعش» مختلفة من كونه وضع بنية عقائدية مبسطة وسطحية تتكلم في الانتقام أكثر من التفسيرات الفقهية المتشددة، وهذا ما جعل مخاطر خلاياه قائمة في أكثر من مكان، وخاصة سوريا، رغم تفكك الجانب الأكبر من بنيته التنظيمية.

والحقيقة أنَّ هذه البنية العقائدية المبسطة والسطحية جعلت الانخراط في فكر التنظيم متاحاً لكل «من هبَّ ودب» ولا يتم عبر رحلة طويلة من الإعداد العقائدي، كما جرى مع قادة «القاعدة» والتنظيمات الجهادية الأخرى، إنَّما يكفي أن يكون هناك منتقمون لأسباب دينية أو مذهبية أو سياسية حتى يكون العنصر «الداعشي» على استعداد لممارسة القتل والإرهاب ضد أميركيين، كما جرى في تدمر، واستلزم تدخلاً عسكرياً أميركياً، أو تجاه سوريين، كما جرى في مسجد على بن أبي طالب في حمص، وبدا أنه لا يوجد فارق يذكر بين من يسمون أنفسهم «تنظيم الدولة الإسلامية» أو «أنصار السنة» من حيث عدم وجود أي كوابح أمام قتل المدنيين أو العسكريين في كل مكان.

ما زال كثيرون يتذكرون جريمة استهداف مسجد الروضة في سيناء المصرية، التي خلفت واحداً من أكبر أعداد الضحايا في تاريخ العمليات الإرهابية التي استهدفت بيوت الله، حيث قتل 305 من المصلين الأبرياء في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، ومن البديهي القول إنه «مسجد سني».

صحيح أن «داعش الرسمي» لم يعلن تبنيه هذه العملية، لكن خلاياه التي كانت تعمل في هذه المنطقة، وتبنت صيغة الانتقام والترويع وقتل الأطفال والأبرياء كانت متورطة في هذه الجريمة النكراء.

اللافت في إدارة التوحش أو «مانفستو داعش» أنه بدأ كلامه بفصل تمهيدي حمل عنوان «النظام الذي يدير العالم منذ حقبة سايكس بيكو»، وهذا على خلاف مقدمات كتب جماعات التطرف الجهادية، التي انطلقت بالكامل من جوانب فقهية، خاصة كتيَّب ميثاق العمل الإسلامي، وأيضاً بدرجة أقل، حتمية المواجهة والفريضة الغائبة.

ولعل المعضلة الحقيقية في خلايا «داعش» الجديدة تكمن في أن نظرتها الانتقامية لم تعد النظمَ القائمة فقط، كما جرى في عهد النظام السوري السابق أو الحكم الحالي في العراق، إنما شملت أيضاً تنظيمات ومذاهب أخرى أو بسبب حسابات إقليمية ومحلية جعلت هذه الخلايا «تحت الطلب» في أي وقت.

إن ضعف الدولة، أي دولة، أو وجود احتقان سياسي أو مذهبي، هي عوامل تكفي لكي تعمل خلايا «داعش» الجديدة بسهولة وتمارس إرهاباً خطيراً، لأن من يقف خلفه هي بقايا تنظيم ومساحة سائلة من الأفكار الانتقامية التي تبرر أي عنف وأي إرهاب، بل فتحَ «إدارة التوحش» الباب أمام ما سمّاه «الاستفادة من خبرة حركات غير إسلامية في إدارة التوحش، استخدمت العنف على نطاق واسع». وأشار إلى حركة جون قرانق بجنوب السودان، وحركات اليساريين في أميركا الوسطى والجنوبية، ووصفتهم المخطوطة بأنهم «أبدعوا في بعض النواحي العملية في إدارة مناطق التوحش هناك»

خطورة «داعش» الجديد ليست في قدرته فقط على أن يتحرك في المناطق الرخوة والحدودية من الساحل والصحراء في أفريقيا إلى سيناء في فترة سابقة، وانتهاء بسوريا حالياً، إنما أيضاً في امتلاكه هذه السيولة العقائدية التي تبيح له انتهاك كل الحرمات وسفك الدماء، دون أي رادع.

إن التنظيمات الجهادية القديمة التي مارست بالقطع إرهاباً، واستهدفت رجالات السلطة والأمن، مخالفين في الفكر والعقيدة، كان من شبه المستحيل عليها أن تستهدف مصلين في مسجد، حتى بمعايير الفكر المتشدد التي تبنتها، إذ كانت هناك بعض الضوابط أو سقف للعنف والإرهاب، وهو غير متحقق في «داعش» الذي أصبح خلايا وتنظيماً ضعيفاً لا يتمتع ببناء عقائدي متماسك، ولكنه على استعداد أن يستهدف مسجداً أو كنيسة أو حسينية ويقتل أطفالاً ونساء دون أي رادع عقائدي أو تنظيمي.

الاستثمار في العجز والإخفاق السياسي والثغرات الأمنية والهشاشة المجتمعية، وأي احتقان بين مكونات الشعب المختلفة، كل هذا هو «غذاء داعش». ولذا علينا ألا نندهش إن كانت كل تنظيمات التطرف العنيف تقريباً مارست مراجعات فقهية ومبادرات لوقف العنف، إلا «داعش»، لأنه ببساطة ليس عنده بناء عقائدي صلب لكي يراجعه، وذلك مصدر خطورته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مخاطر «داعش» المتحور مخاطر «داعش» المتحور



GMT 10:07 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

فشلنا في امتحان الجاهزية والاستعداد

GMT 10:05 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مفكرة السَّنة الفارطة... الإعصار دونالد

GMT 10:04 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

عن اقتصاد السّوق واقتصاديات السُّوء

GMT 10:02 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

القدية غربَ الرياض تُلقي التَّحية الأولى

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

هل ثمّة حياة بعد الدولة الأمّة ذات الحكم المركزي؟

GMT 09:59 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

السلطة والطرب... فيلم «الست»

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

عامٌ «ترمبي» يرحل وآخرُ يُقبل

GMT 09:56 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

غداً عامٌ جديد

GMT 08:11 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

رحلة سياحية لاكتشاف فرنسا بعيون جديدة في عام 2026
  مصر اليوم - رحلة سياحية لاكتشاف فرنسا بعيون جديدة في عام 2026

GMT 08:26 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

نباتات تضيف لمسة طبيعية إلى ديكور منزلكِ في 2026
  مصر اليوم - نباتات تضيف لمسة طبيعية إلى ديكور منزلكِ في 2026

GMT 17:18 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يوضح موقفه من المناورات الصينية حول تايوان
  مصر اليوم - ترامب يوضح موقفه من المناورات الصينية حول تايوان

GMT 11:45 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

ناسا تحدد “الموقع المثالي” للهبوط البشري على المريخ
  مصر اليوم - ناسا تحدد “الموقع المثالي” للهبوط البشري على المريخ

GMT 09:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:55 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الأسد الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحمل الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:56 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 03:47 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

المقاولون العرب يفوز على المقاصة بهدفين نظيفين

GMT 02:11 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

باسم مرسي يتسبب في اصابة سعد سمير

GMT 12:49 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

اجتماع امني بين مصر واسرائيل حول معبر رفح ومحور فيلادلفيا

GMT 08:22 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

وصفات طبيعية للعناية بالشعر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt