توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فلسطين بين وعدين

  مصر اليوم -

فلسطين بين وعدين

بقلم:عمرو الشوبكي

في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 1917، أعلن وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور عن وعده بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وفي 21 سبتمبر (أيلول) 2025، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن وعد آخر، ولكن هذه المرة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على جانب من أرض فلسطين التاريخية، تعيش في سلام مع الدولة العبرية.

الفارق بين سياق الوعدين كبير، ليس فقط من زاوية مَن هو صاحب الحق التاريخي في هذه الأرض، إنما في أن وعد بلفور جاء في ظل تصاعد قوة المشروع الصهيوني المدعوم غربيّاً، وتراجع القوى العربية والفلسطينية حتى هزيمة 1948، وبين أن وعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية جاء في ظل انقسام فلسطيني وجبروت الجانب الإسرائيلي عجزت معه الدول الكبرى التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، مثل فرنسا وبريطانيا (ومعهما 10 دول من الاتحاد الأوروبي) أن توقفه، ولا أن تقنع أميركا حتى بالامتناع عن استخدام حق «الفيتو» في مجلس الأمن لوقف صدور قرار يُطالب بوقف حرب غزة.

ومع ذلك لا يجب التقليل من خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في السياق الحالي، فرغم أنها جاءت في ظل هذا «الجبروت» الإسرائيلي، فإنها عبّرت أيضاً عن تحول كبير في الرأي العام الغربي لصالح عدالة القضية الفلسطينية، الذي ساعد الكثير من حكومات العالم من كندا إلى أستراليا إلى أوروبا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وعد بلفور كان مجرد رسالة، ولم يكن قراراً من الجمعية العامة للأمم المتحدة (كما حدث مؤخراً بالاعتراف بدولة فلسطين)، أرسلها وزير خارجية بريطانيا إلى أحد القيادات اليهودية البارزة، المصرفي البريطاني البارون روتشيلد، أوضح فيها تعاطف بريطانيا مع مساعي الحركة الصهيونية لإقامة وطن لليهود في فلسطين؛ وطالبه بإبلاغ زعماء الحركة الصهيونية بتعاطف المملكة معهم.

ورغم أن الرسالة لا تتحدث صراحة عن تأييد الحكومة البريطانية لإقامة «دولة لليهود في فلسطين»، فإنها لعبت دوراً أساسياً في إقامة دولة إسرائيل بعد 31 عاماً من تاريخ الرسالة، كما أسهمت في تشجيع يهود القارة الأوروبية على الهجرة إلى فلسطين خلال الفترة ما بين الحربين العالمية الأولى والثانية، أثناء صعود التيارات القومية المعادية للسامية.

وعد بلفور تلقفته قوة صهيونية صاعدة ومنظمة، وضعت هدفاً استراتيجياً هو إنشاء دولة إسرائيل، وقبلت بتكتيكات متنوعة، مثل قبول قرار التقسيم الصادر من الأمم المتحدة، حتى لو كان هدفها النهائي هو عدم الالتزام به واحتلال كل فلسطين.

وعد بلفور كان مجرد وعد، ولكن ممثلي الجماعات الصهيونية نجحوا في ربط أنفسهم بالمشروع الغربي المنتصر في الحرب العالمية الثانية، واستغلوا قرار عصبة الأمم الذي صدر في يوليو (تموز) 1921 بالانتداب البريطاني على فلسطين، وبدأ مسلسل الهجرات اليهودية في التزايد حتى وصل إلى ذروته عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحتى إعلان دولة إسرائيل في مايو (أيار) 1948، والمفارقة أنه قبل حرب فلسطين كان المطروح هو تقسيم فلسطين إلى 4 مناطق، حددت فيها مساحة مناطق اليهود بـ17 في المائة فقط، وهو ما رفضه العرب والفلسطينيون.

وإذا كان مفهوماً في ذلك الوقت أن يرفض الفلسطينيون والعرب تقسيم أرض فلسطين مع جماعات يهودية مهاجرة، فإن اللافت أن التكتيكات التي استخدمتها هذه الجماعات كانت دائماً تقوم على قبول الحد الأدنى، أو بالأحرى الحد الذي ترفضه داخلياً في انتظار تغيُّر الظروف، ثم تقوم بالضرب بعرض الحائط ما سبق وقبلته، حتى نجحت في السيطرة على الأراضي الفلسطينية.

والحقيقة أن هذا ما فعلت تقريباً عكسه «حماس»، رغم تغيُّر الظروف والسياق، فقد رفضت أكثر من فرصة لقبول اتفاق وقف إطلاق النار، صحيح من دون ضمانة أن إسرائيل ستحترمه، ولكن الشعب الفلسطيني كان سيربح خروج جانب من الأسرى الفلسطينيين، ويزيد الضغط الدولي على إسرائيل، وقد يدفعها لوقف إطلاق النار.

يقيناً «وعد» إقامة الدولة الفلسطينية هو نقطة انطلاق على الطريق الصحيح، وأن مهمة القادة الفلسطينيين والعرب تاريخية للاستفادة من هذه الخطوة لتحقيق هدف إقامة الدولتين الذي يواجه تحديات كبيرة على الأرض، منها التطرف الإسرائيلي، ومحاولاتها إجهاض مشروع الدولة الفلسطينية على الأرض بالاستيطان والضم، وأيضاً الانقسام الفلسطيني، ومعضلة «حماس»، والقدرة على وقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة.

لقد فتح وعد بلفور الطريق أمام جماعات يهودية استفادت منه ومن السياق الدولي المحيط به بالوسائل المشروعة وغير المشروعة، وحققت مصالحها، بصرف النظر عن الجرائم التي ارتكبتها من دير ياسين حتى غزة، والمطلوب من الجانب الفلسطيني والعربي أن يعرف أن حقوق الأضعف يمكن استعادتها بالضغوط السياسية والحملات القانونية والإعلامية، وليس بالضرورة بالعنف والمقاومة المسلحة، وإن وعد الدولة الفلسطينية على رمزيته سيفتح الباب أمام فرصة تاريخية لإنهاء الاحتلال والمجازر وإقامة الدولة الفلسطينية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين بين وعدين فلسطين بين وعدين



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt