توقيت القاهرة المحلي 01:14:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعتذار لأهداف سويف

  مصر اليوم -

اعتذار لأهداف سويف

معتز بالله عبد الفتاح
أبلغنى بعض الأصدقاء بالعنف اللفظى الذى تعرّضت له الدكتورة أهداف سويف أثناء وقفة احتجاجية على سلم دار القضاء ترفع فيها صورة لأحد الشباب المسجونين، ففكرت أن أتواصل معها تليفونياً للاطمئنان عليها والتأكد من الواقعة. وقبل أن أتخذ أى إجراء وجدت صديقاً يرينى «فيديو كليب» للواقعة، وهنا أدركت أن الموضوع أكبر من الاتصال التليفونى أو المؤازرة الشخصية. لن أبذل جهداً كبيراً فى تعريف القارئ الكريم بمن هى أهداف سويف الأديبة أو المثقفة التى لها مكانة مرموقة خارج مصر، لأنهم يقدّرون أمثالها بأكثر من تقديرنا نحن لها، يكفى أنها مواطنة مصرية تريد لبلدها خيراً. قد أختلف معها فى موقف ما، ولكن اختلافى معها لا يعنى اختلافى عليها وعلى قيمتها وعلى حبها لوطنها. الطريقة الهستيرية التى كانت مسيطرة على بعض من كانوا يظنون أنهم يدافعون عن «مصر» فى مواجهة المحتجين على سلم دار القضاء تدفعنى لأن أسأل: هل وصلنا إلى مرحلة المرض النفسى الجماعى؟ السؤال هنا ليس مطروحاً بصيغة السب أو القذف، معاذ الله، ولكن بصيغة هل نحن فى وضع يسمح لنا أن نحاكم أنفسنا على ما نقترفه فى حق أنفسنا أم أننا شربنا من «نهر الجنون» وفقاً لمسرحية توفيق الحكيم الشهيرة التى تحمل نفس الاسم، حيث ظن أهل المدينة فى المسرحية المذكورة أن طاعوناً سيصيبهم إن لم يشربوا من النهر، فشربوا جميعاً، وكان النهر ملوثاً بالفعل، فأصيبوا بالجنون، ما عدا الملك والوزير. ولأن الشعب هو الأغلبية، وجد الملك والوزير نفسيهما فى عزلة عن بقية المجتمع الذين ظنوا أنهم العقلاء، وأن الملك والوزير هما المجنونان. وبعد نقاش طويل بين الملك والوزير اكتشفا أنهما لن يستطيعا أن يصمدا أمام التيار الجارف من «الجنون الغالب» فى مواجهة «العقلانية النادرة». ماذا يفعلان؟ لقد شربا من نهر الجنون، وأصبح الكل مجنوناً. لماذا لم نعد قادرين على الفعل الجماعى إلا إذا ارتبط بشيطنة فصيل آخر فى الوطن؟ لماذا نتشكك فى كل شىء وأى شىء، وكأن كل واحد فينا هو عميل لجهة ما يعمل لها على حساب الوطن؟ لماذا لا نفترض شيئاً من حُسن النية فى الآخرين عسى أن يكون عندهم بعض من الحق فى بعض القضايا؟ أعتقد أن مصر «العميقة» تفصح عن وجهها بما فيه من مميزات وعيوب. مصر العميقة هى محصلة المجتمع العميق، متفاعلاً مع الدولة العقيمة. وكلاهما معاً يفضى إلى مصر المقموعة والقامعة. هى مقموعة وقامعة داخلياً لأن أهلها، أو على الأقل قطاع منهم، يقمعون من يخالفونهم الرأى. وبدلاً من الجهد باستخدام الحجة فى مواجهة الحجة، أسهل شىء هو توجيه الشتائم والسباب والإهانات والاتهامات وتضيع القضية. هذا الكم من المجهود الضائع فى ترسيخ ثقافة الشماتة والتحريض وتلبيس الحق بالباطل لمجرد إرضاء نزعة المرضى النفسيين للنيل من خصومهم السياسيين، هذا هو جوهر المعارك الصغرى التى ستستنزف البلاد وستقضى على الثقة التى نسعى لبنائها كمقدمة ضرورية لأى تقدم حقيقى. للنشطاء السياسيين أخطاؤهم وأهمها إهدار طاقتهم الهائلة فى الاحتجاج والرفض والتظاهر وصولاً للتظاهر بالتظاهر، فضلاً عن فرقتهم وخلافهم واختلافهم المعجون بنرجسية بعضهم الشديدة بما يجعلهم لا يقبلون نصحاً من أحد ولا يفترضون حسن نية فى أحد. ولكن لن يكون التعامل معهم بحملات لتشويههم بهذه الطريقة الساذجة، التى يبدو معها وكأننا وجدنا ضالتنا فى تحميل طرف ما مسئولية كل مشاكل مصر. أتفهم أن الدولة فى حرب على الإرهاب وأن بعض الخبثاء أو الجهلاء وضعونا فى معركة وجود لا ينبغى لنا أن نخسرها. وككل معركة لا يكفى أن تفعل الصواب، ولكن عليك أن تفعل الصواب بطريقة صواب. هل هى معركة لتصحيح أخطاء الإخوان أم هى معركة لعودة مصر إلى ما قبل 2011 بفسادها واستبدادها؟ معركة تصحيح أخطاء الإخوان ستجد أنصاراً كثيرين، لكن معركة العودة إلى ما كنا عليه قبل «25 يناير»، ستجد أعداءً أكثر. إلى الدكتورة أهداف سويف: اعتذار واجب، ولكن عليك أن تعيدى تقييم مدى فعالية أدوات وتوقيتات الاحتجاج حتى لا تكون مجرد رصاصات طائشة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعتذار لأهداف سويف اعتذار لأهداف سويف



GMT 08:11 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

المبالغة في التحذيرات “مثل قلتها”

GMT 08:09 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

حقّاً أهرام

GMT 08:08 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

أمامَ محكمة الرُّبعِ الأول

GMT 08:07 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

مِثال علاء عبد الفتاح

GMT 08:06 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

لبنان ومخاطر الإدارة المجتزأة

GMT 08:05 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

لقاء فلوريدا غير مسموحٍ له بالفشل

GMT 08:04 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحكاية ليست «الملحد»

GMT 08:02 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

فى متحف الشمع!

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 00:46 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يهدد بضربة عسكرية ضد طهران ويطالب حماس بنزع السلاح
  مصر اليوم - ترامب يهدد بضربة عسكرية ضد طهران ويطالب حماس بنزع السلاح

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 09:35 2025 الأحد ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 12:36 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

زهير مراد يستوحي تصاميم الخريف من عالم الأساطير

GMT 05:47 2022 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فيرستابين بطلا لجائزة المكسيك الكبرى للفورمولا 1
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt