توقيت القاهرة المحلي 08:23:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعتذار لأهداف سويف

  مصر اليوم -

اعتذار لأهداف سويف

معتز بالله عبد الفتاح

أبلغنى بعض الأصدقاء بالعنف اللفظى الذى تعرّضت له الدكتورة أهداف سويف أثناء وقفة احتجاجية على سلم دار القضاء ترفع فيها صورة لأحد الشباب المسجونين، ففكرت أن أتواصل معها تليفونياً للاطمئنان عليها والتأكد من الواقعة. وقبل أن أتخذ أى إجراء وجدت صديقاً يرينى «فيديو كليب» للواقعة، وهنا أدركت أن الموضوع أكبر من الاتصال التليفونى أو المؤازرة الشخصية. لن أبذل جهداً كبيراً فى تعريف القارئ الكريم بمن هى أهداف سويف الأديبة أو المثقفة التى لها مكانة مرموقة خارج مصر، لأنهم يقدّرون أمثالها بأكثر من تقديرنا نحن لها، يكفى أنها مواطنة مصرية تريد لبلدها خيراً. قد أختلف معها فى موقف ما، ولكن اختلافى معها لا يعنى اختلافى عليها وعلى قيمتها وعلى حبها لوطنها. الطريقة الهستيرية التى كانت مسيطرة على بعض من كانوا يظنون أنهم يدافعون عن «مصر» فى مواجهة المحتجين على سلم دار القضاء تدفعنى لأن أسأل: هل وصلنا إلى مرحلة المرض النفسى الجماعى؟ السؤال هنا ليس مطروحاً بصيغة السب أو القذف، معاذ الله، ولكن بصيغة هل نحن فى وضع يسمح لنا أن نحاكم أنفسنا على ما نقترفه فى حق أنفسنا أم أننا شربنا من «نهر الجنون» وفقاً لمسرحية توفيق الحكيم الشهيرة التى تحمل نفس الاسم، حيث ظن أهل المدينة فى المسرحية المذكورة أن طاعوناً سيصيبهم إن لم يشربوا من النهر، فشربوا جميعاً، وكان النهر ملوثاً بالفعل، فأصيبوا بالجنون، ما عدا الملك والوزير. ولأن الشعب هو الأغلبية، وجد الملك والوزير نفسيهما فى عزلة عن بقية المجتمع الذين ظنوا أنهم العقلاء، وأن الملك والوزير هما المجنونان. وبعد نقاش طويل بين الملك والوزير اكتشفا أنهما لن يستطيعا أن يصمدا أمام التيار الجارف من «الجنون الغالب» فى مواجهة «العقلانية النادرة». ماذا يفعلان؟ لقد شربا من نهر الجنون، وأصبح الكل مجنوناً. لماذا لم نعد قادرين على الفعل الجماعى إلا إذا ارتبط بشيطنة فصيل آخر فى الوطن؟ لماذا نتشكك فى كل شىء وأى شىء، وكأن كل واحد فينا هو عميل لجهة ما يعمل لها على حساب الوطن؟ لماذا لا نفترض شيئاً من حُسن النية فى الآخرين عسى أن يكون عندهم بعض من الحق فى بعض القضايا؟ أعتقد أن مصر «العميقة» تفصح عن وجهها بما فيه من مميزات وعيوب. مصر العميقة هى محصلة المجتمع العميق، متفاعلاً مع الدولة العقيمة. وكلاهما معاً يفضى إلى مصر المقموعة والقامعة. هى مقموعة وقامعة داخلياً لأن أهلها، أو على الأقل قطاع منهم، يقمعون من يخالفونهم الرأى. وبدلاً من الجهد باستخدام الحجة فى مواجهة الحجة، أسهل شىء هو توجيه الشتائم والسباب والإهانات والاتهامات وتضيع القضية. هذا الكم من المجهود الضائع فى ترسيخ ثقافة الشماتة والتحريض وتلبيس الحق بالباطل لمجرد إرضاء نزعة المرضى النفسيين للنيل من خصومهم السياسيين، هذا هو جوهر المعارك الصغرى التى ستستنزف البلاد وستقضى على الثقة التى نسعى لبنائها كمقدمة ضرورية لأى تقدم حقيقى. للنشطاء السياسيين أخطاؤهم وأهمها إهدار طاقتهم الهائلة فى الاحتجاج والرفض والتظاهر وصولاً للتظاهر بالتظاهر، فضلاً عن فرقتهم وخلافهم واختلافهم المعجون بنرجسية بعضهم الشديدة بما يجعلهم لا يقبلون نصحاً من أحد ولا يفترضون حسن نية فى أحد. ولكن لن يكون التعامل معهم بحملات لتشويههم بهذه الطريقة الساذجة، التى يبدو معها وكأننا وجدنا ضالتنا فى تحميل طرف ما مسئولية كل مشاكل مصر. أتفهم أن الدولة فى حرب على الإرهاب وأن بعض الخبثاء أو الجهلاء وضعونا فى معركة وجود لا ينبغى لنا أن نخسرها. وككل معركة لا يكفى أن تفعل الصواب، ولكن عليك أن تفعل الصواب بطريقة صواب. هل هى معركة لتصحيح أخطاء الإخوان أم هى معركة لعودة مصر إلى ما قبل 2011 بفسادها واستبدادها؟ معركة تصحيح أخطاء الإخوان ستجد أنصاراً كثيرين، لكن معركة العودة إلى ما كنا عليه قبل «25 يناير»، ستجد أعداءً أكثر. إلى الدكتورة أهداف سويف: اعتذار واجب، ولكن عليك أن تعيدى تقييم مدى فعالية أدوات وتوقيتات الاحتجاج حتى لا تكون مجرد رصاصات طائشة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعتذار لأهداف سويف اعتذار لأهداف سويف



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon