توقيت القاهرة المحلي 22:04:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لقد أسقطنا الدولة ولم نسقط النظام

  مصر اليوم -

لقد أسقطنا الدولة ولم نسقط النظام

معتز بالله عبد الفتاح
الجراح الذى يجرى عملية لمريض مصاب بورم خبيث منتشر فى أجزاء كثيرة من الجسم يحرص على تحقيق هدفه دون ارتكاب خطأين. الهدف هو البدء بالتخلص من الأورام التى لها تهديد مباشر وحال على حياة الإنسان. والخطأ الأول المرتبط بهذا الهدف هو أن يتوسع الجراح فى استئصال أجزاء سليمة من أجهزة الجسم لأن هذا سيعنى أن المريض سيحيا حياة تعيسة بعد العملية. والخطأ الثانى أن يضعف الجهاز المناعى للجسد لذا يترك للعلاج طويل المدى عبر العلاج الكيماوى والليزر والأدوية أملا فى بناء المناعة الذاتية للأمراض المختلفة. الفساد والظلم والنيل من حقوق الفقراء والمحتاجين واستغلال المناصب والمواقع العامة من أجل تحقيق الصالح الشخصى أو الفئوى هو عمليا الورم الخبيث المنتشر فى كل مكان. وأقصد بكل مكان أى كل مؤسسات الدولة ومعظم مؤسسات القطاع الخاص بل وفى طريقة تفكير أغلب المواطنين. وهذا هو ما كنت أتحدث عنه تحت عنوان «القدرة الإفسادية للدولة المصرية» فى عهد مبارك. هذا الفساد انتشر وتوغل واستقر فى الكثير من العقول. ولكن السؤال: ماذا نعمل حياله؟ هل حرق المحاكم وأقسام الشرطة والمبانى الحكومية وضرب الخصوم السياسيين وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة سيحل المشكلة ويقضى على الفساد ويبنى الوطن؟ لا توجد مؤسسة واحدة من مؤسسات الدولة لا تخضع الآن لهجوم من جهة ما لسبب ما. رصدت مع بعض الزملاء أن مصر فى آخر ثلاثة شهور تشهد متوسط 70 عملية احتجاجية يوميا (من إضراب لوقفة احتجاجية لاعتصام لمحاصرة مؤسسات حكومية لاعتداء على ممتلكات لقطع طريق أو وقف حركات المواصلات). تقريبا كل مرافق الدولة المصرية نالها شىء من هذا الاحتجاج أو ذلك. لقد تم فتح بطن كل أجهزة الدولة. ولكن الملاحظة أن ما يُفتح من ملفات الدولة لا يتم علاجه أو إصلاحه وبالتالى لا يتم إغلاقه. ولهذا نحن لم نسقط النظام بعد، نحن فقط غيرنا وجوها بوجوه. وأمام هذه الحقائق، يرفع الثائرون شعارات: «الشعب يريد إسقاط.. ». والسبب فى ذلك مركب. أولا، من يرد أن يصلح أو أن يطهر منشأة أو مبنى، فعليه أن يفعل ذلك من داخلها وليس من خارجها. من خارج المبنى، أنت لا تملك إلا تدميره أو حرقه. أما إصلاحه أو تطهيره فلا يكون إلا من داخله. وهذه هى المعضلة التى نواجهها وهى أن الكثير من الثائرين ومؤيدى الثورة لم يراوحوا مكانهم فى الميادين لإعلان عبارات الغضب ومطالب الإسقاط، ولم تتح لهم الفرصة للدخول إلى مواقع المسئولية كى يشاركوا فى عملية صنع القرار. ولو كانوا أصحاب مشروع فعلا، فسنجد آثارا لما يقولون. أما لو كانوا مجرد «هتيفة» فستغرقهم المشاكل الإدارية والقيود البيروقراطية والخلافات القانونية وينكشفون أمام الرأى العام. ثانيا، الفجوة الزمنية بين المطلب والشعار من ناحية والممارسة والتطبيق من ناحية أخرى تكون كبيرة لأن الطموحات مرتفعة للغاية والواقع متواضع للغاية. وهى مشكلة موجودة فى كل الدول التى مرت بالربيع العربى أيا ما كان من وصل للسلطة فى مصر أو تونس أو ليبيا أو اليمن. وتونس تحديدا كان يفترض فيها سواء بحكم صغر عدد السكان أو بنية الطبقة الوسطى المتعلمة أو المسار الذى اتخذته (تحت شعار الدستور أولا)، كان يفترض أن تكون فى وضع أفضل كثيرا مما عليه الآن. لكن كلنا فى الهم سواء. ثالثا، كل فساد مُدان، وكل ظلم لا بد أن يُرفع، ولكن الحكمة أن نعالج كل مرض فى وقته وبالآليات التى تناسبه. تطهير القضاء ضرورة، ولكن التدخل فى شئونه ومحاصرة محاكمه والضغط عليه جريمة. إخضاع كل المال العام، المدنى والعسكرى، المعلن والسرى، للرقابة سواء التشريعية أو القضائية واجب، ولكن هذا لا يعنى الدخول فى حرب أهلية أو اقتتال جماعى قبل الأوان. فى أوقات كهذه، يختلط الأمر، فنسقط الدولة ونسقط الأخلاق ونسقط الثقة (وهما رأس المال الاجتماعى الضرورى لأى نهضة حقيقية) ونضعف مناعة المجتمع ونحن نظن أننا نسقط النظام؛ فينهار كل شىء، ويبقى النظام. الحذر واجب، والحكمة ضرورة. نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لقد أسقطنا الدولة ولم نسقط النظام لقد أسقطنا الدولة ولم نسقط النظام



GMT 10:07 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

فشلنا في امتحان الجاهزية والاستعداد

GMT 10:05 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مفكرة السَّنة الفارطة... الإعصار دونالد

GMT 10:04 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

عن اقتصاد السّوق واقتصاديات السُّوء

GMT 10:02 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

القدية غربَ الرياض تُلقي التَّحية الأولى

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

هل ثمّة حياة بعد الدولة الأمّة ذات الحكم المركزي؟

GMT 09:59 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

السلطة والطرب... فيلم «الست»

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

عامٌ «ترمبي» يرحل وآخرُ يُقبل

GMT 09:56 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

غداً عامٌ جديد

GMT 08:11 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

رحلة سياحية لاكتشاف فرنسا بعيون جديدة في عام 2026
  مصر اليوم - رحلة سياحية لاكتشاف فرنسا بعيون جديدة في عام 2026

GMT 17:18 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يوضح موقفه من المناورات الصينية حول تايوان
  مصر اليوم - ترامب يوضح موقفه من المناورات الصينية حول تايوان

GMT 08:26 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

نباتات تضيف لمسة طبيعية إلى ديكور منزلكِ في 2026
  مصر اليوم - نباتات تضيف لمسة طبيعية إلى ديكور منزلكِ في 2026

GMT 09:48 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:52 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الدلو الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 04:54 2020 الثلاثاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

وصفات طبيعية لحماية بشرتك من الجفاف

GMT 08:44 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 07:58 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

البشير يهدي جزيرة سواكن لأردوغان لخدمة أغراض عسكرية

GMT 07:18 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يوقع قانون حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt