توقيت القاهرة المحلي 06:22:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -
أخبار عاجلة

«الغسل الأخضر» من الكمّامات إلى علّاقات الثياب

  مصر اليوم -

«الغسل الأخضر» من الكمّامات إلى علّاقات الثياب

بقلم - نجيب صعب

.

السقوط المدوّي لرجل الأعمال الهولندي، الذي ادّعى قدرته على تنظيف المحيطات من البلاستيك، أعاد إلى الواجهة ضرورة التحقّق من المشروعات التي تتلطّى بشعارات «الاقتصاد الدائري» وحماية البيئة، للتأكد من التزامها الوعود والمبادئ والأهداف التي أعلنتها. وإذا كان من الطبيعي لأي نوع من الاستثمارات التجارية أن تحقّق ربحاً، فمن غير المقبول خداع الناس بشعارات ووعود كاذبة، لتحقيق مزيد من الأرباح فقط.

حتى قبل أسابيع من اختفائه مع عشرات الملايين التي جمعها من المستثمرين، كان جيورد فاوزر يُعدّ من روّاد الاقتصاد الأخضر في آسيا وأوروبا. وقد وضعته مجلة «فوربس» في يوليو (تموز) الماضي في طليعة رجال الأعمال القادرين على حلّ مشكلات التلوُّث البلاستيكي في العالم، كما وضعت سابقاً صورة سام بانكمان فريد على غلافها، بصفته «مَلِك العملة المشفرة»، قبل أن تنفضح البورصة الوهمية التي أسسها ليسرق من خلالها مليارات الدولارات. وكانت إحدى الهيئات صنّفت فاوزر عام 2022 «أفضل قياديّ في مجال الأعمال المستدامة في آسيا». لكن القصور الخضراء التي بناها من ورق بدأت تنهار تدريجياً، إلى أن كشفت تقارير حكومية وصحافية أخيراً تفاصيل الخديعة التي استمرت 8 سنوات، بمساعدة شركات العلاقات العامة والصحف ذات الأسماء اللماعة والغلافات المدفوعة الثمن، وفي غياب قوانين صارمة تحدد ما هو «الأخضر» وتميّز الرديء من الجيّد.

مع ازدياد الحديث عن إدارة الموارد على نحو مستدام، بإعادة الاستعمال والتدوير والحدّ من تلويث البيئة، طرأت على فاوزر فكرة مثيرة يمكنه من خلالها تحويل الاهتمام إلى مشروع تجاري مربح. انطلقت الفكرة من علّاقات الثياب البلاستيكية في متاجر الأزياء، والمقدّرة بنحو 85 مليار علّاقة سنويّاً. ولأن نوعيتها سيّئة، فهي تُستخدم مرة واحدة لعرض الثياب في المتجر، قبل أن تنتهي إلى مكبّات النفايات ومجاري المياه والمحيطات. الفكرة كانت جمع علّاقات البلاستيك المستعملة، من المحلات كما من مجاري المياه قبل وصولها إلى المحيطات، لاستخدامها في تصنيع علّاقات جديدة، بنوعية أفضل وشكل أجمل، بحيث تتناسب مع تصاميم الأزياء الراقية وتشجّع الناس على إعادة استعمالها.

استخدم فاوزر لإطلاق مشروعه عبارات جذابة تستقطب اهتمام المستثمرين والمستهلكين معاً، مثل «تنظيف المحيطات»، و«التخضير»، و«الاقتصاد الدائري». هذه الشعارات النبيلة جذبت عشرات ملايين الدولارات من المستثمرين، بعضهم بهدف ركوب «الموجة الخضراء» لمراكمة الأرباح، وآخرون عن رغبة برعاية البيئة والحفاظ على الموارد، مع تحقيق هامش معقول من الربح. ورافقت بدايةَ الإنتاج عام 2019 حملةٌ كبرى على هامش «أسبوع الأزياء» في لندن، ادّعت أن مصدر البلاستيك المعاد تدويره هو البحر، والمواد المستعملة معادة التصنيع كلياً وقابلة لإعادة التصنيع مرات أخرى. ومع ارتباطه بأسماء دور أزياء راقية، استقطب المشروع مزيداً من التمويل. لكن جائحة «كورونا»، التي ضربت بعد شهور، عطَّلت تجارة الأزياء، ومعها سوق علّاقات الثياب.

غير أنّ فاوزر وجد في «كورونا» فرصة تجارية أخرى، فحصل على عقود سخيّة لبيع أجهزة للتنفس الاصطناعي وكمامات للوجه، بمساعدة سياسيين فتحوا له الأبواب بصفته «مستثمراً أخضر»، بعدما سوّقها على أنها «مصمَّمة محلياً» ومصنّعة من «مواد مستدامة» ومكوِّنات قابلة للتدوير. لكن تبيّن لاحقاً أنها جاءت جاهزة من مخازن في الصين ولم تكن تتمتع بالمواصفات المطلوبة. وبعد غروب الجائحة، أعاد «رجل الأعمال الأخضر» إطلاق مشروع العلّاقات من سنغافورة، في حفل ضخم أقامه عام 2022، وَصَفَ فيه منتوجاته بـ«الموجة الزرقاء»، مع حملة إعلامية وقعت في خداعها كبريات الصحف والشبكات التلفزيونية العالمية، التي اعتبرت عمل فاوزر «معجزة ستنقذ البحار من التلوُّث البلاستيكي». لكن عندما «ذاب الثلج وبان المرج» بعد سنة، تبيّن أنّ الوعود كانت سراباً، وأنّ مَصدر 25 في المائة فقط من البلاستيك المستعمل كان من الأنهار والبحيرات، بينما البقية من مكبّات النفايات في الصين. ولم يكن المنتَج النهائي مختلفاً في النوعية والمكوّنات عن أي علّاقات ثياب أخرى من المصانع الصينية. كما تبيّن أنّ العلّاقات الجديدة «المستدامة» تنتهي، مثل سابقاتها، إلى مكبّات النفايات والبحار. حتى إنّ الصين لا تسمح باستقبالها لإعادة التصنيع، لأنها تمنع استيراد البلاستيك المستعمل. وهكذا، تبيّن أنّ البرنامج يقتصر على استبدال نفايات بنفايات، ولا يحمل أيّاً من شروط الاستدامة.

ليس جيورد فاوزر الوحيد الذي ركِب موجة الاقتصاد الأخضر الدائري لتحقيق ربح سريع، باستقطاب مموّلين يجدون فيه فرصة سانحة ومستهلكين يتوقون فعلاً إلى المساهمة في رعاية البيئة وتخفيف الانبعاثات. فالأكيد أنّ «الغسل الأخضر» ممارسة شائعة اليوم بين الشركات الكبرى والصغرى والهيئات الحكومية والخاصة، وفي المنطقة العربية نماذج كثيرة منه. وأوضحُ وصف له هو صرف شركة أو هيئة ما قدراً أكبر من المال والوقت لتسويق نفسها على أنها صديقة للبيئة، مما تصرفه فعلاً لتحسين أدائها البيئي. ومكافحة هذا النوع من الخداع شرط أساسي لتطوير اقتصاد دائري أخضر حقيقي، يقوم على إدارة متوازنة للموارد، ويحقق الربح المشروع في الوقت نفسه.

* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الغسل الأخضر» من الكمّامات إلى علّاقات الثياب «الغسل الأخضر» من الكمّامات إلى علّاقات الثياب



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 05:10 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يدرس تعيين جنرال أميركي لقيادة القوة الدولية في غزة
  مصر اليوم - ترامب يدرس تعيين جنرال أميركي لقيادة القوة الدولية في غزة

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:25 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الأسد

GMT 04:19 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة منى زكي تكشف عن حقيقة خلافها مع مصطفى شعبان

GMT 03:14 2017 الجمعة ,19 أيار / مايو

سعد لمجرد ينفي معرفته ما حصل مع لورا بريول

GMT 15:53 2021 الثلاثاء ,01 حزيران / يونيو

الرئيس السيسي يهنئ إيطاليا بذكرى "يوم الجمهورية "

GMT 15:04 2019 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

تعليق نارى من أحمد سعد على خبر تصالحه على سمية الخشاب

GMT 20:08 2019 الإثنين ,02 أيلول / سبتمبر

تعرف على أهم أعمال الفنانة بلقيس فتحي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt