توقيت القاهرة المحلي 00:19:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شماعات ميتافيزيقية

  مصر اليوم -

شماعات ميتافيزيقية

أسماء سعد
بقلم - أسماء سعد

"الميتافيزيقا" تشير في الأغلب إلى الظواهر الغريبة، أو الأشياء الخارقة للعادة، مشتقة من كلمة إغريقية تعني "ما وراء الطبيعة"، الشعوب النابهه المتقدمة ومنظريهم منذ الأزل، لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمامها، أو يكتفوا بالبكاء على مايصيبهم لأسباب غير مفهومة، وإنما جعلوا من " الميتافيزيقا" علم، حاولوا التعمق فيه، وترويضه، وعدم الاكتفاء بالتسليم للظواهر الروحية والنفسية.

أما في مجتمعاتنا العربية، فتظهر بين الحين و الآخر، منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، عن صور لمقابر تمتلئ بالأعمال السفلية والصور الملطخة بالدماء، والتعاويذ الغريبة، و مع رصد سيل التعليقاتالتعليقات(. عليها والتفاعل معها، الذي يصل إلى مئات الآلاف، تدرك فورا حجم الأزمة التي لايزال يعيشها العقل العربي.

"الأعمال السفلية، الحسد، السحر، النظرة، المس" ليست مجرد مصطلحات عابرة، وإنما جزء أساسي في حياة الكثير من الناس، حتى في عصرنا الحالي، الذي، يشهد جموح التكنولوجيا وتمكن البشر من بلوغ أقصى ما في الحداثة والعولمة، والتوصل لحلول أدق المشكلات العلمية والتقنية.

بالتأكيد مر عليك شخص وربما كنت أنت يوما ما، أسند كل وقائع الفشل، والإخفاق، والخيبات، إلى كل ماهو غيبي ومعنوي وقدري، ورمى بأسرع مايمكن كل مالديه على شماعات: الحسد، الحقد، السحر، الأعمال.

رغم أننا نشيع عن أنفسنا أننا شعب متدين بطبعه، وهو مايستدعي في هذه الحالة، أن نؤكد على مطلق الثقة في الله، وهو رب كل شئ ومليكه، الإرادة المطلقة والمحرك الأوحد، لكن ميكانيزم عقولنا لايعمل بهذه الطريقة، فدوما مايكون الأذى من صنع بشر، تجد ذلك في صياغات: "عينها وحشه، نظرته نار، عينه مدوره، حد باصصلها في حياتها". 

تستطيع بسهولة في منطقتنا العربية، أن تسند ضياع أضخم مشروع في حياتك، سواء عاطفي، مهني، عائلي، فورا إلى: الحسد، السحر، لا أحد ينكر الإتيان على ذكر كل تلك المسميات في القرآن، لكن السياق الذي ترد فيه دوما مرتبط ومقترن بأن إرادة الله أكبر وأسمى وأقوى.

لكن تلك الشماعة "مريحة"، سهلة، تزيح اللوم عن كاهلك، تفتح النار على الجميع بشكل عشوائي إلا أنت، تضع الجميع في قفص الاتهام، باستثناءك أنت، تحدد بدقة سوء نية فلان، أو الحقد الدفين في علان، دون أن يكون لـ: تواضع قدراتك، الخطأ في حساباتك، تراخيك، فشلك، كسلك، تقصيرك، أي حسبان.

ربما المقاربة مع مجتمعات غربية تكون أكثر وضوحا، نعم لديهم معتقاداتهم الدينية، ويستعينون بما يعتنقوه لدفع الشرور، ولكن أبدا ليس بهذا الهوس، هم شعوب برجماتية لأقصى درجة، يبحثون طوال الوقت عن تحقيق هدف لايتنازلون عنه، ومع التعرض لأي فشل غير متوقع، لايكون ذلك أبدا بسبب "العين أو السحر أو الحسد"، تجدهم يعملون المنطق التحليلي بأبرع مايكون، يتقصون خطواتهم، ويراجعون معطياتهم، يبحثون عن أسباب الفشل داخل أنفسهم، لاخارجها، كما نفعل نحن، ينججون في أغلب الأحيان، بينما نفشل نحن في كل الأحيان.

المسألة ليست عقدة الخواجة، وإنما الفوارق في التعامل مع أي نكبة أو مصيبة أو فشل، يستدعي المقارنة بكل مافيها، ربما المسألة ضاربة في القدم علينا وليست ظاهرة أو موجة ارتفعت توا، ولكن الخوف الهوسي والمرضي من "الحسد" قد عززه وأشعله "مواقع التواصل الاجتماعي".

تلك المنصات الحديثة، جعلت من أيامنا وأحداثنا "حياة مصورة"، وهي مسألة إيجابية ومسلية وأرى أنها الهدف من تلك المواقع في الأساس، ولكن ليس كل حالة طلاق مرتبطة بصورة سابقة تجمع الزوجين في حالة سعادة، ليس كل مرض مفاجئ لطفل مقترن باحتفاء أمه بصوره له، خسارة شركتك ليس لها علاقة بالحديث عن نجاحها في منشور ومشاركته مع الأصدقاء.

في الحالات السابقة، فتش عن الأسباب الحقيقية، عن مشكلات مزمنة متراكمة بين الزوجين، عن فيروس معدي بين الأطفال، عن إهمال أو تقصير لم يكتب للشركة دوام النجاح، لماذا لاتعمل عقولنا بهذه الطريقة، لماذا حرمونا من الاستمتاع بحياتنا ولحظاتنا، خوفا وذعرا وارتيابا.

أتمنى شخصيا، أن يصيبنا الدور، وأن ننتزع من قواميسنا: الأرواح والأشباح والجن والحسد، ونستبدلها بـ: العقل والجسد والزمن والفضاء والاحتمال والضرورة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شماعات ميتافيزيقية شماعات ميتافيزيقية



GMT 08:28 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

عنف الطفولة يتحول جحيم السيكوباتية

GMT 09:59 2019 الجمعة ,23 آب / أغسطس

المعنفات وبيوت الرعاية وخطوات الإصلاح

GMT 21:32 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

عالم الأمومة المفخخ

GMT 21:48 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

أجيال

GMT 11:32 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

الطفولة العربية والمستقبل

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

خسائر خام برنت تتفاقم إلى 24% في هذه اللحظات

GMT 17:36 2020 الأحد ,12 إبريل / نيسان

الصين تعلن تسجيل 99 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 12:34 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

شنط ماركات رجالية لم تعد حكرا على النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon