الدكتور محمود أبوزيد

كشف الدكتور محمود أبوزيد، وزير الري والموارد المائية الأسبق، أنّ أهمّ ما يشغل صنّاع القرار عن مستقبل الموارد المائية وقدرتها على الوفاء باحتياجات العدد المتزايد من سكان مصر، وبشأن هذا القلق تدور كل مشاكلنا وقضايانا الأخرى، ومنها سد النهضة وتلوّث المياه وترشيد المياه وتطوير نظم الري، وغيرها من القضايا الأخرى، وذكر أنّ الاحتياجات متزايدة والمورد الرئيسي من المياه "النيل" ثابت، إن لم يقلّ لا قدّر الله.

وأضاف أبوزيد، خلال حوار خاص له إلى "مصر اليوم"، أنّ الحكومة المصرية تتعامل مع ملف الموارد المائية بتطبيق استراتيجية الموارد المائية من ٢٠١٧ حتى ٢٠٣٧ في مجلس الوزراء الآن، مشيرا إلى أن هناك استراتيجية أخرى تمتد إلى عام 2050، لم تنتهِ الأجهزة المختصة من صياغتها بشكل نهائي، وهذه الاستراتيجية تتناول كل مصادرنا من المياه، موضحا أن هذه الاستراتيجية تتضمن إنشاء 19 محطة تحلية جديدة.

وقال أبوزيد إن احتياجات الدولة الحالية تقدّر بنحو ١١٤ مليار متر مكعب سنويا، نحصل على 55.5 مليار متر من مياه النيل، والباقي من مصادر مختلفة مثل المياه الجوفية التي تمدنا بنحو 6 مليارات متر مكعب ونحو 3 مليارات من الأمطار، إضافة إلى ما ينتج من محطات التحلية ومشروعات إعادة الاستخدام، سواء من الصرف الزراعي أو الصرف الصحي المعالج.

وأكد أن هناك 3 مشروعات انتهت دراستها منذ أعوام يمكن أن تزيد حصتَي مصر والسودان بـ18 مليار متر مكعب منها "جونجلي"، لكنها لم تحظَ بالاهتمام الكافي، وبيّن أنه لم يتم تنفيذ سوى 40% من استراتيجية المياه 2017، لافتا إلى أننا نحتاج إلى 900 مليار جنيه لتوفير احتياجاتنا حتى عام 2037، وأشار أبو زيد إلى أن مصر كانت تحصل  على نحو ١٠ مليارات متر مكعب تحت بند "سلفة لا ترد"، حسب اتفاقنا معهم في مرحلة من المراحل بعد إنشاء السد العالي لسنوات.

وتحدّث أبوزيد عن التخزين القرني، وقال باختصار هو بنك المياه لمصر والسودان الموجود في حوض السد العالي الذي يستوعب نحو 170 مليار متر مكعب، وهذه الكمية من المياه هي فائض الفيضانات المرتفعة المتتالية، فكلما جاء فيضان نأخذ حصتنا ونخزن الباقي في هذا الحوض ومنه نأخذ، نحن والسودان، احتياجاتنا في حال انخفاض منسوب المياه.

ولفت إلى أن سد أصغر من "النهضة" سيكون أكثر كفاءة في توليد الكهرباء، لكن إثيوبيا تريد التحكم في "محابس" النيل، وأديس أبابا تريد أن تقاسم مصر والسودان حصتهما التي تبلغ 5% من موارد حوض النيل البالغة 1660 مليار متر مكعب.

وذكر أبوزيد أنّ إثيوبيا لديها موارد مائية ضخمة، فلديها أمطار وفيرة تقدّر بنحو 500 مليار متر مكعب تسقط على الهضبة الإثيوبية و13 نهرا آخر منها النيل، أي أنهم ليسوا في حاجة للمياه، لكن في المقابل لديهم عجز شديد في الكهرباء، فطاقتها الحالية تكفي لـ10% من احتياجاتهم، والكهرباء مقطوعة عن مدنهم نحو 5 أيام في الأسبوع، ولذلك هم في حاجة إلى إقامة سدود لتوليد الكهرباء، وهذا أمر ينفعهم ولا يضرنا، فاستخدام السد للكهرباء يعني أن الماء بعد توليد الطاقة سيمر إلينا، لكن مرة أخرى الخلاف على سد النهضة بسبب حجمه الذي سيترتب عليه ضرر لنا لا مبرر له.

وكشف أن الزراعة تستهلك من احتياجاتنا المائية البالغة 114 مليار متر مكعب سنويا 86% من مياه النيل تذهب للزراعة، مؤكدا أن هناك فواقد مائية تمثل من 30 إلى 40% من هذه الكمية، ويمكن إنقاذها بطرق متعدد للترشيد وتطوير نظم الري، وقال إن للترشيد وسائل كثيرة جدا، منها مثلا تبطين الترع وتغطية المصارف، مبينا أن الري المتطور للفدان يتكلف ما بين 5 و10 آلاف جنيه.

وشدد على أنه مهما كانت تكلفة الترشيد ستكون أقل بكثير من توفير المياه من مصادر المياه الأخرى، مؤكدا أن هناك مشروعات كثيرة يتم تنفيذها في هذا الصدد لكنها ليست بالحجم المطلوب، فهناك مثلا نصف مليون فدان يتم ريها الآن بطرق حديثة بمنحة من عدة مؤسسات دولية منها البنك الدولي.

وأوضح أبوزيد أن مياه الري يأخذها المزارع مجانا، مشددا على أن تسعير المياه سيكون ضرورة في المستقبل لأن المياه ستدخل، شئنا أم أبينا، في الحساب الاقتصادي لأي سلعة، سواء كانت غذائية أم غيرها، مثل الورق الذي تكتب عليه الآن.

وعن توفّر المياه الجوفية وهل ستكفي للتوسّع في استزراع الأراضي في الصحراء، أكد أبوزيد أن هذا الأمر وارد، لكن التكلفة معيار مهم، مشيرا إلى مشروع نهر الكونغو، ليس خيالاً، فهو من الناحية الفنية والهندسية ممكن، لكن تكلفته غير ممكنة، فهو يحتاج إلى مليارات الدولارات لرفع منسوب المياه لنحو 300 متر، ثم تسييرها في جبال لمئات الكيلومترات تخترق حدود 9 دول.

وأوضح أنه عند الحديث عن الاستصلاح هناك حسابات معقدة تتعلق بالمياه الجوفية، وقدرتنا على سحبها من أعماق تصل إلى 5 آلاف متر تحت سطح الأرض، ثم دراسة حسابات كثيرة ومعقدة تجيب عن أسئلة كثيرة مثل كم بئرا تحتاج، وحساب المسافات بين هذه الآبار، وعدد أيام عملها، وحساب المخزون وغيرها.