الحكومة المصرية

تواصل الحكومة المصرية عملية الإصلاح الاقتصادي، في حين نجد العديد من الأنشطة الاقتصادية تُمارس خارج نطاق التعاملات المالية الرسمية التي تتم بمعرفة الدولة، ولا تستطيع معرفة حجمها، وهو الأمر الذي يهدر على الخزينة العامة ما يقرب من 330 مليار جنيه قيمة الضرائب المُستحقة على هذه الأعمال التي يبلغ حجم استثماراتها 2 تريليون جنيه وفقًا للإحصائيات الرسمية الأخيرة الصادرة عن وزارة المال.

ويشمل هذا النوع من الأعمال والذي أطلق عليه الخبراء مسمى "الاقتصاد الأسود أو الخفي"، العديد من الأنشطة المتنوعة، سواء كانت صناعية أو تجارية غير رسمية، وعلى الرغم من المطالبات المستمرة بضرورة ضم الاقتصاد غير الرسمي، للقطاع الرسمي، إلا أن الأمر مازال يشهد عزوفًا كبيرًا من جانب التاجر الصغير، أو الحرفي محدود الإمكانيات، أو مقدمي الخدمات البسيطة.

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد أكد أنه سيتم الإعفاء الضريبي للاقتصاد غير الرسمي لمدة 5 سنوات في حالة انضمامه للمنظومة الرسمية، وذكر الرئيس خلال المؤتمر الوطني الخامس للشباب، أن الاقتصاد المصري ارتفاع إلى 5.4 % في الربع الثالث من العام المالي الجاري 2017-2018.

وأكدت دراسة أعدها الدكتور أحمد جلال، وزير المال الأسبق، أن قرار البقاء في الظل ناتج عن تدني الربحية في القطاع الرسمي مقارنة بالقطاع غير الرسمي، أولا بسبب الرسوم والتعقيدات الإدارية عند الدخول إلى، والعمل في، والخروج من القطاع الرسمي، فضلا عن أعباء الضرائب والتأمينات الاجتماعية، وثانيا، تدني فرص الأنشطة متواضعة الحجم في الحصول على قروض من البنوك، أو الدخول في أسواق جديدة، أو الحصول على عقود حكومية، أما بالنسبة للعاملين في هذا القطاع بلا عقود، أو تأمينات اجتماعية، أو ساعات عمل محددة، فهذا سلوك اضطراري، نظرا لقلة البدائل المتاحة في القطاع الخاص الرسمي أو في الحكومة.

وقالت الدراسة "النتيجة المنطقية لتشخيص الظاهرة على هذا النحو هى أن تحفيز القطاع غير الرسمي على الاندماج في الاقتصاد يستلزم حزمة من الإصلاحات تكفي لزيادة ربحية العمل في القطاع الرسمي مقارنة بالقطاع غير الرسمي، وهو ما لم يكن حاضرا فيما تم تبنيه من مبادرات حتى الآن، وعلى العكس، اقترح البعض إبقاء القطاع غير الرسمي على حاله، لأن ذلك يساعد على امتصاص الصدمات القادمة من الخارج، وعندما توفرت الرغبة في دمج القطاع، لم تتجاوز المبادرات المطروحة فكرة إعفائه من الضرائب مؤقتا، و تسهيل حصوله على قروض بأسعار فائدة مخفضة، ولم تنجح هذه المبادرات بالطبع، وهناك من الشواهد ما يؤكد أن نسبة العاملين في القطاع غير الرسمي قد ارتفعت في السنوات الأخيرة، نظرا لتباطؤ معدلات النمو في القطاع الرسمي. إذا أردنا إقناع من يعملون في القطاع غير الرسمي بالاندماج طواعية في الاقتصاد، فمربط الفرس هو اتخاذ ما يكفي من إصلاحات لجعل العمل في القطاع الرسمي أكثر ربحية من البقاء في الظل".

 وخلصت الدراسة إلى أن محاور هذا الإصلاح تتركز في ثلاثة محاور "أولا، تحسين مناخ الاستثمار في القطاع الرسمي، وفي ذلك فائدة لمن يعملون فيه ومن هم قادمون إليه، ثانيا، تبنى حزمة تحفيزية مؤثرة لمدة لا تقل عن 10 سنوات، بما في ذلك إعفاء كامل من ضرائب الدخل، ومساهمات حكومية في التأمينات الاجتماعية، وقروض بشروط ميسرة، ونسبة من العقود الحكومية. وأخيرا، إنشاء هيئة وظيفتها الأساسية تسهيل عملية الدمج".

من جانبه يرى النائب، أحمد العرجاوي، عضو مجلس النواب، أن الحديث عن دمج الاقتصاد غير الرسمي يتطلب أن يكون شاملا لكل الأنشطة الخدمية، ووضع خطة تمكن من القضاء على البيروقراطية المنتشرة في الجهاز الإداري للدولة، لمواجهة كل ما يتعرض له المواطن أثناء الحصول على تراخيصه من ضغوط قد تدفع به للعزوف عن العمل في إطار المنظومة الرسمية، كما أكد أن دمج الاقتصاد غير الرسمي ليس حله في إصدار قانون المحال العامة وتراخيص المحال التجارية، حيث إن هناك معوقات تواجه القائم بالترخيص حينما يتقدم صاحب المحل أو العين التجارية للترخيص، خاصة وأن أغلب العقارات بالمناطق العشوائية تم بناؤها بطريقة مخالفة، وبالتالي لن يتم إصدار ترخيص لصالح المنشأة.

وقال إن دمج الاقتصاد غير الرسمي إلى القطاع المنظم يوفر مبالغ كبيرة لصالح الدولة المصرية ويساعد بشكل كبير على تعظيم موارد الدولة، فيما صرح الدكتور عمر الشيخ، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، بأن إعلان الرئيس السيسي عن إعفاء العاملين في مجال الاقتصاد غير الرسمي حافز كبير لتشجيعهم في الانضمام إلى الاقتصاد الرسمي، كما أنه يحث المواطنين على الانضمام للمنظومة الرسمية، وشدّد على أن هناك العديد من الوسائل والآليات التي تشجع الاقتصاد غير الرسمي للاندماج في المنظومة الرسمية، فبجانب الإعفاء الضريبي سيتم العمل على إنشاء مناطق تجمعات صناعية وتجارية لهم، وهي ما يطلق عليها حاضنات أعمال.

وتابع الشيخ أن الاقتصاد غير الرسمي ليس المقصود به الاقتصاد غير المشروع، ولكنه اقتصاد مشروع إلا أنه غير مصرح به من الجهات الرسمية ولذلك لا يخضع للضرائب ولا يدخل في منظومة التأمينات والمعاشات ولا تعرف الجهات الرسمية شيء وما يذكر عنه عبارة عن بيانات من خلال دراسات لباحثين في المجالات المختلفة الاقتصادية والاجتماعية.

وكان البرلمان قد أمهل الحكومة الأسبوع الماضي، شهرًا لتقديم المقترحات اللازمة لدمج الاقتصاد غير الرسمي في اقتصاد الدولة.