توقيت القاهرة المحلي 10:36:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"اثنان وواحدة" متانة السرد تحمي الحقيقة

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - اثنان وواحدة متانة السرد تحمي الحقيقة

دمشق ـ وكالات

منذ القصة الأولى في مجموعة اثنان وواحدة للكاتبة الروسية غالينا شيرباكوفا والتي تحمل العنوان ذاته يدرك القارئ متانة البناء السردي لهذه القصص والتي لا تكتفي مبدعتها برصف أفكارها وفق تصاعد درامي مستمر بل تقوم بإخضاعه لجرعات من الوصف بحيث تحيل مباشرة إلى ما بين السطور ليصبح القارئ جزءاً ملموساً من القصة فلا يعود بعد ذلك مجرد مطالع بل مراقب للأحداث التي ترسمها له صاحبة فيلم وما تحقق حلمه بحرفية فينخرط بالمجريات ويحترم واقعيتها وينفعل بها. وترصد شيرباكوفا في مجموعتها التي ترجمها الدكتور هزوان الوز وزير التربية المشاكل الاجتماعية من حولها بعين المشاهد العادي دون أن تتدخل في مجريات الأحداث لكنها تذهب مع شخصياتها حتى النهاية داعمةً انفعالاتهم وطبائعهم الإنسانية بمقدرة عالية على الوصف وتدبيج الحوارات بطريقة تندغم فيها مكونات الشخصية مع بعضها لتصبح حقيقية لدرجة تحس معها أنك أمام أرواح لشخصيات عاشت في زمن القاصة وأمانتها في السرد تنقل تلك الشخصيات إلى مصافي الواقع الراهن بكل حيويته وحقيقيته. وتتنقل الكاتبة الروسية بين مجموعة من الموضوعات الملحة التي عايشتها منذ طفولتها في مدينة دزيرجينسك التابعة لجمهورية أوكرانيا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً وعلى رأسها موضوعة الهجرة والاحتلال الألماني والنمو السريع للعدوان لدى البشر وغيرها من أخطاء المنظومات الاجتماعية السائدة ولا معقوليتها والسعي عبر فن القص لتبيان الخطأ دون التدخل المباشر لتعديله بل مجرد تعريته بقوة والبقاء خارج دائرة الأحداث بما يضمن لقصصها المصداقية العالية. ففي قصة اثنان وواحدة تنعطف حياة المصور الصحفي فرلوف غير الراغب بالزواج بعد أن يشعر بقربه من فالنتينا التي تعمل معه في البناء ذاته ويرى أنها تحمل مواصفات جيدة كالقناعة وأنها ذات ضمير حي فيقرر الزواج منها ونقلها للعيش هي وابنتها أولغا في شقته الصغيرة لكن وبسبب مرض الابنة المفاجئ تحاول الأم أن توفر لها سكناً صحياً عند جدتها وبسبب تعبهما في توضيب المنزل ينامان تاركين الموقد مشتعلاً فيقضيان نحبهما وتبقى أولغا بعهدة فرلوف بسبب تخلي جميع أقربائها عن رعايتها. ورغم رسائل فالنتينا لزوجها السابق كرياكين إلا أنها فشلت في جعله يأتي لرؤية ابنته لكن بعد رسالة فرلوف له أحسن بالضغينة تجاه هذا الرجل الغريب الذي يريد موافقته على رعاية ابنته فيعود ليعمل معه لتوفير كامل مستلزمات الفتاة الصغيرة التي لم تتجاوز السبع سنوات بعد وتنتهي القصة بأن يقول كل من الرجلين في نفسه لا سمح الله لو مت أو أصابني أي مكروه فلن تصبح أولغا يتيمة الأب. أما في قصة يؤذيها أن الأخرى على قيد الحياة أو كما أسماها المترجم تداعيات لقاء فتصور شيرباكوفا قسوة الحياة التي تمر بها الكاتبة إيلا ومرضها بالسل الذي أصابها منذ طفولتها وأثر على كامل حياتها لكنها استطاعت أن تتعايش معه وتصبح قاصة معروفة على عكس زميلة طفولتها فيرا التي توفر لها كل شيء لكنها بما ورثته عن أمها من كراهية وحقد تخلت عن صديقتها في مقابل بعض المبادئ الهزيلة المتعلقة بمنظمات حزبية ذات قوانين بالية. وتبرز قوة تصوير المناخ المحيط بالشخصية ونفسيتها في رواية الجدار القصيرة التي تضمنتها المجموعة ففي أحد المقاطع تقول غالينا.. "بما ستفكر هي أكثر بعد الغداء وحتى السادسة الحضور إلى المنزل والسقوط في شيطنة الظرافة الفرنسية من خلال ما يبثه التلفزيون من مسلسلاتها ثم الولوج إلى داخل الصدرية ذات اللون البيج القديمة والمثقوبة الكوعين...". عبر تلك الطريقة في السرد تقود شيرباكوفا القارئ إلى الاستنتاجات بشكل غير ملحوظ وذلك كما جاء في مقدمة المترجم الوز بانية قصتها بشكل ينبثق فيه الحكم النهائي كأمر لا جدل فيه بل اقتضته طبيعة الحال ولا يتكون عبر افتراضات ومحاكمات معقدة بل يوحي به أو يفرضه المنطق السليم ومجمل الأحاسيس والمشاعر التي يثيرها السرد القصصي. ويضيف الوز إن هذه الكاتبة الروسية تصور لحظات ومواقف حياتية في لوحات فنية ناطقة لعلها لا تستكمل صياغتها القصصية بالمعنى الشائع للقصة المحبوكة الأطراف لكنها مزق من الحياة ومع ما يبدو من بساطة ظاهرية في هذه اللوحات فإنها تنطوي على معان عميقة وتحليل للنفس البشرية بشكل دقيق. يذكر أن الكاتبة غالينا نيكولايفنا شيرباكوفا ولدت في 10 أيار عام 1932 حين كان طاعون الجوع في تلك السنوات يحصد الكثير من الأرواح في أوكرانيا وقضت سنوات دراستها الأولى في جو الاحتلال الألماني وبعد إنهاء مرحلة الدراسة الثانوية انتسبت إلى المعهد التربوي في تشيليابينسك وبعد تخرجها توجهت فوراً إلى العمل كمعلمة للأدب واللغة الروسية وبعد ذلك اتجهت إلى العمل كصحفية لكنها تركته بعد أن أدركت أنه يأخذها بعيداً عما تريد. وكتبت شيرباكوفا حتى نهاية السبعينيات ما وصفته بالأغراض الجدية من قصائد نثرية ومواضيع في الفلسفة لكن لم تلق من يريد نشرها فقررت كتابة قصة حب وكانت القصة والسروة التي تحولت إلى فيلم وما تحقق حلمه الذي حصل على نجاح صاعق وكتبت بعدها سيناريوهات لأفلام الصورة.. العمل الشخصي للقاضي إيفانوف.. النساء في اللعبة بلا قواعد.. وغيرها. عانت الكاتبة في سنوات حياتها الأخيرة من المرض وقسوته حتى فارقت الحياة في 23 آذار عام 2010 عن عمر ناهز 79 عاماً تاركة أكثر من 75 مؤلفاً ما بين رواية وقصة ومسرحية وسيناريو وطبعت أعمالها بأعداد هائلة وترجمت إلى لغات عدة. يذكر أن مجموعة اثنان وواحدة حملت الرقم 58 ضمن سلسلة الكتاب الشهري الذي تصدره الهيئة العامة السورية للكتاب بالتعاون مع جريدة البعث وجاء في 160 صفحة من القطع الصغير.

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اثنان وواحدة متانة السرد تحمي الحقيقة اثنان وواحدة متانة السرد تحمي الحقيقة



نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 22:56 2018 الثلاثاء ,24 إبريل / نيسان

إيدين دغيكو يصنع التاريخ مع روما

GMT 18:14 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

محمد هاني يتعرض لكدمة قوية في الركبة

GMT 02:04 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

اللقطات الأولى لتصادم 4 سيارات أعلى كوبري أكتوبر

GMT 16:20 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

مقتل 3 مواطنين وإصابة 4آخرين في حادث تصادم في المعادي

GMT 07:05 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أجمل ديناصور في العالم بألوان مثل طائر الطنان

GMT 06:33 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار الحديد في الأسواق المصرية الثلاثاء

GMT 21:12 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

الأهلي يعترف بتلقي مؤمن زكريا لعرض إماراتي

GMT 00:34 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النصائح الخاصة بإدخال اللون الذهبي إلى الديكور

GMT 12:51 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد ناجي يمنح محمد الشناوي وعدًا بالانضمام للمنتخب

GMT 14:37 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإعدام شنقًا لـ7 من أعضاء خلية "داعش" في مطروح
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon