توقيت القاهرة المحلي 03:46:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"حيث لا ضوء إلا أحداق الذئاب" قصائد تنحت لغتها من قواميس مدن الخابور السوري

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - حيث لا ضوء إلا أحداق الذئاب قصائد تنحت لغتها من قواميس مدن الخابور السوري

دمشق ـ سانا
يعبر الشاعر أحمد الحافظ في ديوانه "حيث لا ضوء إلا أحداق الذئاب" عن قدرة اللغة في استنهاض مفرداتها الرخيمة مقدماً رغبته المكنونة في قلب الجمل التاريخية على صاحبها ورسم صورٍ جديدة يقتبسها من بيئة نهر الخابور في الجزيرة السورية العليا: للموج فوقنا.. قفزاتُ أشباحٍ.. تمتمات ساجدين.. وترنحات سكارى.. الرذاذ حولنا.. عناقيد تنفرط.. شهبٌ تتناسل.. ثعابين تتلوى.. نعوم حتى مطلع الفجر.. في البرزخ المتموج بين دفء النبع وبرودة المصب. وتصادرُ لغة حافظ البنى الرائجة للشعر الحديث فتتوه بين القصيدة والفكرة في انسجام يكاد يكون كاملاً فلا يخفى على القارئء تأثر قصيدة الشاعر ببيئته في مدينة الرقة إذ أن النص ينطلق من الفكرة كأساسِ البناء ليخلق له المجال الرحب فيركبها ويفككها بتراكيب لغوية جذلة من دون بهرجة لفظية مضفياً المساحة للمفردات كي تتآلف مع بعضها رغم تنافرها في الظاهر فتشكل في النهاية نسيجاً فكرياً شعرياً غنياً بالمعاني والدلالات التي يستعصي على القارئ الإلمام بمقاصدها البعيدة عند القراءة الأولى. يقول الحافظ: قد يبدو.. من النظرة الأولى.. وشم حنين يثبت الهوية.. أيقونة ذكرى تستمطر المواويلِ.. تعويذة دفء ترمم صدوع المكانينِ.. الأصيلِ الخاوي والمستعارِ البارد لكنه أيضاً جمرُ الحقيقة مضموماً في الكف لتسري شرارةُ الصحو من أطراف الأنامل إلى قمة الرأس. تكتسب الصورة الشعرية عند حافظ بعداً حياً من ثنائية الألم والأمل فبين هاتين الصورتين ينتفض السجين في وجه جلاد الوقت والطريدة تهرب من قنص النهار لتنسى الحجارة ماضيها الصموت والحروف تزفّ ولادتها يقول: يشعُّ من هذه الحروف فعلُ زفافٍ وفعلُ ولادة.. لكليهما فسحةٌ في القاموس.. وميدانٌ في الحياة.. الأول نسغٌ والثاني ثمر.. كافٌ ونون يتبادلان الشعلةَ.. والألف محورٌ راسخ. ولا تغيب الصورة الرمز عن شعر حافظ بدءاً من أنبياء مقدمته مروراً بأسماء فلسطين انتهاءً بالمتنبي الذي يقول الشاعر القادم من الرقة السورية إن بيته الذي يصف مشهد صراع بدر بن عمار مع الوحش على شاطئ طبرية يستدعي أمام ناظريه صورتين الأولى هي منحوتة آشورية خلدت وقفة جلجامش في غابة الأرز شاهراً بيمناه السوط عاصراً بيسراه عنق خمبابا أما الصورة الثانية فهي لقطة حية بثتها شاشات العالم للسيدة الجولانية وهي تمرغ الوزير الصهيوني بقبضتيها على تراب مجدل شمس. كما تلقي المدن بظلالها على روح الشاعر التائقة أبداً إلى معانقة ضجر لياليها الطويلة فكلمات بغداد: جسورٌ أعلى من الطوفان الذي أثقل دجلة برماد الكتب.. وعاصي أنطاكية صار مرآةً في المتحف.. شمعةً في تلافيف ذاكرة.. وحاضر القاهرة كما يوصفه حافظ.. مداخنُ تسدّ الأقنية وحكايات مسرح بعلبك يقول عنها.. كنثرِ الريح للآلئءَ الرمان.. لغة مناماتٍ وأعماق.. مصائرُ تتشابك ثم تتبعثر كأنها قمصان الغيوم.. لكن رصيف المدينة حين تغمر الشاشاتُ غرفنا بالدماء.. يصير سفينة نوح. وينعي الشاعرُ المدينة كمفهوم لم يتحقق عربياً فيقول: أوراق النعي.. نعيق الغربان.. غمامات المازوت... يالصباح هذه المدينة!.. كيف لا يمشي إلا معتمداً على عكاكيز الظلام!. يعتمد رئيس تحرير مجلة فكر السورية على نسق لغوي فيه الكثير من الومض الإبداعي الذي لعب هنا على خامة الحرف وتضاعيف وجوده في الجملة الشعرية محيلاً قصيدته إلى ما يشبه ترنيمات دافقة من الصور التي تتراص هي الأخرى في انسجامها الدلالي وصنعتها البلاغية الماكرة فلغة الشاعر تبدو في مناخاتها المعاصرة أكثر قدرة على امتصاص وحشة العالم والتاريخ وسط بيداء الحداثة الشعرية. يقول الشاعر في كتابه الصادر حديثاً عن دار التكوين بدمشق ضمن قصيدة "من لسان العرب": يا ليتَ.. ندم.. ياريتْ.. أمنية.. اللام ابتهالٌ إلى خوارق الغيب.. الراءُ حسرة على ممكنات الأرض.. فتحة الفصحى ظمأٌ يتلوى بين الكثبان.. سكون العاميةِ وحدةٌ تسامر المطر.. إنها إذاً القدرة على اقتناص الجديد من أتون ركام اللغة والاحتفاء مجدداً بشعرية الفكرة على حساب يوميات شعرية تعبت منها قصيدة النثر العربية.. يقول حافظ: جاثياً على رماد الأطلال.. ينوح الجاهليُّ.. ياليتني كنتُ تراباً.. متأملة لهبَ المدفأة، تهمس فيروز.. ياريتْ.. إنتَ وأنا بالبيتْ. يذكر أن أحمد حافظ شاعر سوري صدر له ديوان "أعشاش الأبد" عن دار الفارابي ببيروت عام 2008 وكتاب "حيث لا ضوء إلا أحداق الذئاب" يقع في 135 صفحة من القطع المتوسط. 
egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حيث لا ضوء إلا أحداق الذئاب قصائد تنحت لغتها من قواميس مدن الخابور السوري حيث لا ضوء إلا أحداق الذئاب قصائد تنحت لغتها من قواميس مدن الخابور السوري



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 16:37 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

صندوق النقد يحث الصين على إصلاحات هيكلية عاجلة لتعزيز النمو

GMT 08:55 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الأسد الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:56 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 09:00 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

جرح فلسطين المفتوح

GMT 10:52 2020 الخميس ,19 آذار/ مارس

منة عرفة تكشف حقيقة ارتباطها بـ علي غزلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt