" شاب يتخلص من حياته بسبب عدم حصوله على فرصة عمل في المنيا, شاب يتخلص من حياته شنقًا في بني سويف لمروره بأزمة مالية, طالب يتخلص من حياته شنقًا في الجيزة لتكرار رسوبه في الدراسة, سيدة تلقي بنفسها أمام قطار للتخلص من حياتها لخلافات زوجية, سيدة تلقي بنفسها من أعلى كوبري قصر النيل لمعاناتها من مرض نفسي ", تطالعنا الصحف بحوادث يومية تحمل معها أخباراً مأساوية, لاسيما حوادث الإنتحار ، وتزداد دهشتنا عندما نتوقف أمام حادثة عن انتحار شاب لم يتجاوز الـ 25 من عمره .
ويرى خبراء علم النفس والإجتماع ، أن تزايد حالات الإنتحار في المجتمع المصري ، مؤشر في غاية الخطورة ، بعد أن سجل الشهر الماضي 13 حالة إنتحار لأعمار تتراوح ما بين 25 و45 عاماً ، واتفق الخبراء أن تزايد حالات الخطورة بين الشباب أمر لابد من الوقوف أمامه والعمل جاهداً على دراسة أسباب الظاهر ، والسعي لمواجهتها قبل أن تتفاقم.
" مصر اليوم" ترصد في السطور التالية ، أبرز حالات الإنتحار التي وقعت مؤخرًا في المجتمع ، وتستعرض مع خبراء علم النفس والاجتماع أسباب المشكلة ، وسبُل مواجهتها .
في البداية ، الذي دافعنا إلى إجراء هذا التحقيق ، هو الخبر الذي آثار جدلاً واسعاً خلال الفترة الأخيرة ،بين رواد موقع التواصل الاجتماعي الـ"فيسبوك", وتوقف أمامه الخبراء محذرين من خطورة التعامل مع مثل هذه الأحداث دون معالجة جذرية لأسباب المشكلة ، وهي حالة الانتحار التي كانت من نصيب مواطن يدعى فرج رزق (48 سنة) انتحر شنقاً على إحدى اللوحات الإعلانية بطريق (مصر الإسماعيلية) ، وكشفت تحقيقات النيابة ، أن الحالة المادية التي كان يمر بها دفعته إلى الإنتحار.
وشهدت محافظة المنيا في صعيد مصر ، 5 حالات انتحار خلال الـ3 شهور الأخيرة، حيث انتحر طالب يدعى ممدوح فراج (17 عامًا) في مركز مطاي، بإطلاق الرصاص على نفسه، لتكرار رسوبه في الإمتحانات، وبعد هذه الحادثة بأسبوع، انتحرت طفلة تدعى رحمة علاء (13 عامًا)، في مركز المنيا، شنقًا بحبل يتدلى من شجرة أمام منزلها، بسبب شعورها بالتجاهل والرفض من زوجة أبيها ،كما أقدمت ربة منزل على الإنتحار شنقًا في مدينة العدوة لقيام زوجها بحرمانها من رؤية أولادها.
ويرجح خبراء علم النفس والاجتماع ، أسباب تزايد أعداد المنتحرين في المجتمع المصري خلال الفترة الأخيرة ، إلى أسباب اقتصادية في المقام الأول ، والتي يندرج تحتها ، قلة فرص العمل ، وارتفاع تكاليف المعيشة ، وارتفاع نسبة العنوسة ، ثم تليها أسباب نفسية تختلف من منتحر لأخر.
ويرى استاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة ، الدكتور زكريا ياسين ، أن تزايد أعداد المنتحرين خلال الفترة الأخيرة ، مرتبط بالأوضاع التي يمر بها المجتمع المصري على الصعيد السياسي والاقتصادي ، فكلما كان المجتمع مستقر اقتصادياً سيعود بالإيجاب على أفراده ، وهو ما يفسر لنا تزايد نسبة المنتحرين من الشباب ، مبيناً أن هناك إحصائية حديثة صادرة عن المركز القومي للبحوث الإجتماعية ، رجحت ارتفاع العنوسة والبطالة وراء تزايد حالات الانتحار ، حيث أقدمت حوالي 2700 فتاة سنوياً على الانتحار بسبب العنوسة ، وأقدم حوال 4210 شاباً على الانتحار بسبب البطالة .
ويشير استاذ علم النفس إلى ، أن مصر تحتل المركز الـ 96 على مستوى العالم ، من حيث عدد الأفراد المقبلين على الانتحار, وفقاً لدراسة صادرة عن منظمة الصحة العالمية وكان ذلك في عام 1987 ، ثم جاء عام 2007 ليشهد 3708 حالات انتحار متنوعة من الذكور والإناث, وطالب الدكتور زكريا ياسين ، ضرورة دراسة هذه الظاهرة وتشخيصها جيداً لتقديم الحلول والعلاج المناسب لها منعاً لتفاقمها ، محذراً من خطورة ترك مثل هذه الأمور دون حل قد تنذر مستقبلاً بالخطر الشديد ، والعمل على توفير فرص عمل للشباب ، وإتاحة المناخ الملائم لتفريغ طاقات الشباب بصورة سليمة .
ويتفق معه استاذ علم الاجتماع في جامعة الإسكندرية ، الدكتور قاسم فرغلي ، أن الظروف الاقتصادية هي السبب الأساسي وراء تزايد أعداد المنتحرين في مصر وفي الدول العربية التي تشهد ظروف اقتصادية صعبة, ويضيف استاذ علم الاجتماع : وفقاً لتقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فأن أعداد المنتحرين في مصر في ازدياد ، حيث ارتفع عدد المنتحرين من 1160 شخص عام 2005 إلى 3700 في عام 2007 وبلغ 4200 في عام 2008 لأسباب إقتصادية في المقام الأول.
وترى أستاذة الطب النفسي في جامعة عين شمس ، الدكتورة هبة كامل ، أن الظروف الشخصية التي يمر بها الانسان تشكل سبباً أساسياً وراء تزايد عدد المنتحرين في المجتمع المصري ، وفي مقدمتها " الاكتئاب العقلي" ، كأن يمر الإنسان بتجربة شخصية ، كأن تعاني زوجة من مشاكل دائمة مع زوجها ، وهو ما يفسر لنا إقدام سيدة في محافظة كفر الشيخ خلال الشهر الماضي بإلقاء نفسها من الطابق الرابع لخلافات مع زوجها ، وإقدام فتاة على الانتحار في محافظة بني سويف بعد إجبارها من جانب أهلها على الزواج من شخص لا ترغب فيه, وتشير الدكتورة هبة كامل إلى أن " الاكتئاب العقلي " ، يصيب 1% من سكان العالم ، ويعاني منه 900 ألف مواطن في مصر وفقاً لدراسة أعدها قسم علم النفس في جامعة عين شمس ، مؤكدة على أهمية دور المؤسسات الدينية والاجتماعية في علاج المشكلات النفسية .
أرسل تعليقك