توقيت القاهرة المحلي 22:00:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثورات العربية والأدب

  مصر اليوم -

الثورات العربية والأدب

عمار علي حسن

ما يلفت الانتباه بشدة هو أن الكثيرين من الأدباء العرب للعلاقة التبادلية بين المجتمع بكل إفرازاته وأعطياته وبين النص الإبداعى، شعرا ونثرا، بعد طول تيه فى طريق معاكس ظهرت فيه نصوص تحتفى فقط بـ«التشكيل الجمالى للغة» متنصلة من أى حمولات حول قيم أو معانٍ أو قضايا، وتم كل هذا تحت لافتة عريضة تنادى بموت السرديات الكبرى وانتحار الأيديولوجيات ومصرع الأطر الحاكمة، ونهاية النماذج الإرشادية. وقد شق هذا التيار طريقا وسيعا فى مجال الإبداع الفنى طيلة العقود التى خلت، وأعطى ظهره للأعمال التى خلفها الرعيل الأول، أو تلك التى أنتجها الخلف متأثرين بسلفهم، أو ما جاد بها التلاميذ على خطى أساتذتهم. وبعض هؤلاء، حتى من كبار الأدباء، اضطر إلى أن يحول وجهته، أو بعضا منها، وسار على درب تلاميذه، مستلبا لهم أو متجنبا لهجائهم أو مقتنعا بمسلكهم أو معتقدا فى أن المستقبل هو لهذا النمط من الكتابة وليس غيره أبدا. وحاول بعض النقاد أن يضع أساسا نظريا أو اقترابا معرفيا لهذا الدرب، عطفا على ذلك الذى جاءنا من الغرب شبه مكتمل. وكان على رأس هؤلاء الروائى والناقد إدوارد الخراط الذى وصف هذا النوع من السرد بـ«الحساسية الجديدة»، واحتفى فى إفراط بكل إبداع ينتمى إلى تلك الطريقة، ونبذ كل من يبتعد عنه أو يلتزم بدرب الآباء والأجداد، بدعوى أن هذه «كلاسيكيات» يجب هجرها، لتوضع فى «تاريخ الأدب» وتنام على أرفف الزمن، لا تتداولها الأيدى ولا تطالعها العيون ولا تتذوقها الأفئدة، وتكون نسيا منسيا. ولا شك أن النزعة إلى التجديد مطلوبة، والتمرد على السائد والمألوف ضرورة، ورفض تحويل الأدب إلى وعظ أو منشور سياسى أو خطاب أيديولوجى واجب، لكن الاعتقاد فى إمكان استغناء الشكل عن المضمون خبل وخطل وادعاء، وتصور أن ما خطه الآباء فى الرواية والقصة قد فات أوانه جهل، والحديث عن أن الأديب يمكن أن يكتب من فراغ أو يبدأ من الصفر زيف وتكبر وتجبر فى آن. لقد قرأنا ذات يوم على صفحات أخبار الأدب واقعة اغتيال ثانية لنجيب محفوظ، فالأولى كانت خشنة عنيفة حين طالت عنقه طعنة سكين من يد شاب متطرف لم يقرأ له حرفا، والكل يعرفها ويذكرها. والثانية ناعمة وأشد عنفا حين قال أديب مصرى شاب لم ينتج سوى رواية واحدة عابرة: «لم أقرأ شيئا لنجيب محفوظ ولا حاجة لنا لمعرفة أى شىء عن رواياته وقصصه، فقد فات أوانه ولم يعد له بيننا مكان»، وهذه لا يعرفها إلا قلة ولا تذكر إلا قليلا. ولا أريد هنا أن أُذّكر بالحكمة السابغة التى تقول: «من جهل شيئا عاداه» ولا بالبقاء المستمر والمغالبة الدائمة التى تتمتع بها أعمال شكسبير وبلزاك وتولوستوى، بل أشير إلى أن نجيب محفوظ نفسه، الذى سيظل يُقرأ بعناية وشغف فى الأزمنة المقبلة، كان مهتما بتجديد أدبه، فى الشكل والمضمون، ولم يكن أبدا بعيدا عن كل مستجد، إذ كان يطالع باستمرار إبداع الأدباء الشبان الذين كان يلتقيهم بانتظام فى ندوته الأسبوعية، ويصطحب بعض مخطوطاتهم إلى بيته ليقرأها بعمق ويبدى ملاحظاته عليها، وكان يطالع الآداب العالمية فور صدورها مترجمة كانت أم باللغة الإنجليزية، التى كان يجيدها. وكثير من الأدباء اعترفوا أن الثورات قد فعلت بهم الكثير، إذ رسخت أقدام من لم يفارقهم الإيمان بالقضايا الكبرى، ووضعت أقدام من فارقهم هذا الإيمان أو لم يدخل قلوبهم وعقولهم أبدا من قبل على أول الطريق. وقد بان للجميع أن الشعوب العربية ليست حقل تجارب للأدباء يلتقطون منها ما يصلح أبطالا لقصصهم ورواياتهم بل هى الملهم والمعلم والمرجعية وهى النص الأصلى واللوحة الأساسية التى تغطى كل الجدران. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثورات العربية والأدب الثورات العربية والأدب



GMT 20:12 2024 السبت ,04 أيار / مايو

دراسة عن الشرق الأوسط.. كوابح ومحفزات

GMT 20:10 2024 السبت ,04 أيار / مايو

الدكتور موافى حزين!

GMT 20:07 2024 السبت ,04 أيار / مايو

الأول من رمضان

GMT 20:06 2024 السبت ,04 أيار / مايو

مأزق البرهان

GMT 20:04 2024 السبت ,04 أيار / مايو

إشكالية الزمن!

GMT 20:02 2024 السبت ,04 أيار / مايو

مصر والكويت

GMT 19:38 2024 السبت ,04 أيار / مايو

أكبر جائزة فى الأوليمبياد

GMT 04:47 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

معرض الدوحة الدولي للكتاب ينطلق في 9 مايو

GMT 07:50 2023 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

حادث تحطم عنيف لأغلى سيارات فيراري على الطريق

GMT 16:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق طنطا يودع الكأس بالخسارة من الحدود بثنائية

GMT 23:43 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

"الجِفْتُون" و"الزَّبرجد" أهم جُزر "البحر الأحمر" السياحية

GMT 07:31 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

10 مطاعم مميزة في الطائف للعوائل تعرف عليها

GMT 10:50 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

شيرين رضا تنتقد قطع الأشجار

GMT 04:56 2019 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

"أوبرا عايدة" تبهر الجمهور في الأقصر بعد 22 عامًا من الغياب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon