توقيت القاهرة المحلي 20:15:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مدير عموم الأدراج «2»

  مصر اليوم -

مدير عموم الأدراج «2»

وائل عبد الفتاح

كل درج له قانونه الخاص وتاريخه السرى. نجيب محفوظ هو النقطة المشتركة الوحيدة. يمكن أن تراه كما تريد. حمّال أوجه. تقليدى. مطيع فى السياسة. له «شطحات» فى الكتابة، مُلحِد. يعرف ربنا. نجيب هو كل هذا. الثقافة السائدة ممكن أن تحذف من سيرته الآن كل ما تريد ليبقى مجرد رجل «بَرَكَة»، عاش طويلًا. وحقق النصر لمصر فى المحافل الدولية. فقط. دون أفكاره، أو انحيازه للعلم حتى لو مقابل الإيمان. من دون «أولاد حارتنا» التى رأيتها دائمًا رواية ثقيلة ليست بخفة «المرايا» و«أفراح القبة» و«ميرامار» و«الحرافيش» و«الثلاثية».. و غيرها من روايات أحبها. لكنها رواية هامة فتحت طرقًا ومهدت أرضًا.. وكسرت تابوهات راسخة.. هذه متعتها التى نُحرَم منها. لا أحد يعرف أيضا كيف استمد نجيب محفوظ القدرة على الحضور المتوازن، على هامش كل سلطة وفى واجهتها الثقافية فى نفس الوقت. مدير ناجح لتناقضات يمكن أن تهدّ بلدًا كاملًا. موظف مطيع للسلطة. كل سلطة بداية من رئيسه فى العمل إلى رئيس الجمهورية. وكل رئيس له سطوة وقدرة على قهر الآخَرين. اضطُرَّ إلى السفر إلى اليمن فى عام 1962 حتى لا يُغضِب المشير عبد الحكيم عامر رغم أنه وقتها كان يعانى مرض السكّر ويحتاج إلى برنامج غذائى خاص، لكنه سافر وعاد وقد نقص وزنه 13 كيلوجرامًا كاملة مما كان سيصيبه بالهزال ويهدِّد حياته بشكل كبير. ولم تكن «أولاد حارتنا» هى الرواية الوحيدة التى نُشرت ناقصة، فهناك «الحب تحت المطر» و«الكرنك» التى حكى فيها عن دولة المخابرات فى الستينيات بتفصيل لم تتسع له قصته القصيرة «روبابيكيا». ولم تكن «الكرنك» أول رواية يقدِّم فيها نقدًا للسلطة السياسية؛ قبلها كتب قصة قصيرة يتخيل فيها سائق قطار يفقد صوابه ويقود القطار إلى حادثة مروعة. الخبراء فى قراءة ما وراء السطور روَّجوا أن القصة عن عبد الناصر الذى يمثل فى هذه القصة السائق الطائش. لكن نجيب محفوظ وصل بنقده سلوكَ السلطة السياسية إلى حدود النكتة السوداء وهلوسات المساطيل كما ظهر فى «ثرثرة فوق النيل» التى ثار بسببها المشير عامر، الرجل الثانى فى مؤسسة الرئاسة، وأطلق تهديدات جديدة بمعاقبة صاحب الثرثرة: «نجيب زوّدها قوى ويجب تأديبه، ولازم يقف عند حده»، ولم ينقذه هذه المرة إلا عبد الناصر الذى استدعى ثروت عكاشة وزير الثقافة وقتها ليشرح له تفاصيل ما ورد فى الرواية، وعندما اقتنع بأنها مجرد تنبيه لأخطاء فى النظام لا عداء له قال له: «خلاص، اعتبر المسألة منتهية». جرأة نجيب الحقيقية تبدو فى الفن، وهو الأديب الوحيد الذى أعلن محبته لصوت المطرب الشعبى أحمد عدوية، فى الوقت الذى كان يعتبره فيه مثقفو البراجوازية الصاعدة فى الستينيات «رمز الغناء الهابط الخالى من المعانى». كان نجيب محفوظ يرى أنه يمتلك صوتًا جميلًا وقويًّا، و«صحيح أن أغنياته لا تحتوى على معنى جاد، ولكنها تتناسب مع المناخ العامّ. عندما سمعت عدوية لأول مرة أعجبنى صوته وطريقته ولم أعتبره من رُوَّاد الموجة الهابطة أبدًا». فى السياسة خرج مرة واحدة عن التزام الهدوء التام. وافق على التوقيع على بيان توفيق الحكيم الشهير فى 1972 الذى أقنع فيه مجموعة من الكتاب الشباب وقتها شيوخ الكتابة بضرورة الاعتراض على حالة اللا حرب واللا سلم. يومها منع السادات كل الموقعين من الكتابة. وصل العقاب إلى محفوظ، منعه من الكتابة فى صحف الحكومة ومن الظهور فى التليفزيون ومُنعت أفلامه من السينما وتحركت حملة مسعورة ضده يتزعمها الشاعر صالح جودت الذى كان نجيب يتصور أنه صديقه. علّمته الحادثة أن لا يوقّع على بيانات تصطدم بالسلطة.. وكلما طلب منه أحد التوقيع على بيان من هذا النوع رفض بشدة وهو بضحك ضحكته المميزة: «إنت مش فاكر إيه حصل لى بعد بيان توفيق الحكيم؟ لا يا عم، مش موقع». نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مدير عموم الأدراج «2» مدير عموم الأدراج «2»



GMT 20:12 2024 السبت ,04 أيار / مايو

دراسة عن الشرق الأوسط.. كوابح ومحفزات

GMT 20:10 2024 السبت ,04 أيار / مايو

الدكتور موافى حزين!

GMT 20:07 2024 السبت ,04 أيار / مايو

الأول من رمضان

GMT 20:06 2024 السبت ,04 أيار / مايو

مأزق البرهان

GMT 20:04 2024 السبت ,04 أيار / مايو

إشكالية الزمن!

GMT 20:02 2024 السبت ,04 أيار / مايو

مصر والكويت

GMT 19:38 2024 السبت ,04 أيار / مايو

أكبر جائزة فى الأوليمبياد

GMT 09:14 2024 السبت ,04 أيار / مايو

أن تمتلك إرادتك

GMT 04:47 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

معرض الدوحة الدولي للكتاب ينطلق في 9 مايو

GMT 07:50 2023 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

حادث تحطم عنيف لأغلى سيارات فيراري على الطريق

GMT 16:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق طنطا يودع الكأس بالخسارة من الحدود بثنائية

GMT 23:43 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

"الجِفْتُون" و"الزَّبرجد" أهم جُزر "البحر الأحمر" السياحية

GMT 07:31 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

10 مطاعم مميزة في الطائف للعوائل تعرف عليها

GMT 10:50 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

شيرين رضا تنتقد قطع الأشجار

GMT 04:56 2019 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

"أوبرا عايدة" تبهر الجمهور في الأقصر بعد 22 عامًا من الغياب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon